بسم الله وله جميل الحمد اللطيف الخبير، وأزكى صلواته على سراجه المنير وآله أهل آية التطهير.
السلام عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نخصصه للتعرف الى المعنى الثالث المستفاد من كتب اللغة والتفسير لفقرة (لطيف لما تشاء) وهي الثانية من الفقرات الثلاث التي يختم بها دعاء الحجب الشريف. ننور قلوبنا أولاً بالتوجه الى عزوجل بالمقطع الختامي من هذا الدعاء مقتدين برسول الرحمة –صلى الله عليه وآله- وهو يناجي أكرم الأكرمين مقسماً عليه بأعز أسمائه بقوله:
"اللهم أسألك بعزة ذلك الاسم أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع المؤمنين والمؤمنات جميع الآفات والعاهات، والإعراض والأمراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، انك سميع الدعاء، لطيفٌ لما تشاء ولا حول ولا وقوة الا بالله العلي العظيم".
ايها الأحبة، المعنى الاول لاسم اللطيف هو الذي يتلطف بعباده بأسباغ النعم عليهم وهدايتهم الى ما فيه صلاحهم ودفع الأذى عنهم.
أما المعنى الثاني فهو اللطيف بمعني دقيق التدبير وجميل الصنع الذي يوصل الانسان الى ما يطلبه برفق ودقة، جاء في كتاب (لسان العرب):
(اللطيف اسم من أسماء الله، قال أبو عمرو: اللطيف الذي يوصل اليك اربك –اي مطلبك- في رفق، واللطف من الله التوفيق والعصمة)
والمعنى الثالث هو المشار اليه في قوله تبارك وتعالى في الآية ۱۰۳ من سورة الأنعام "لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ".
وكذلك المستفاد من قوله عزوجل في الآية المئة من سورة يوسف: "وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ".
وكذلك قوله عزوجل في الآية ۱٦ من سورة لقمان "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ".
وقوله جل جلاله في الآيتين ۱۳ و۱٤ من سورة الملك "وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{۱۳} أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ".
هذه الآيات وغيرها مستمعينا الافاضل وان كانت تشير الى المعنيين المتقدمين ايضاً الا أنها تؤكد على معنىً ثالث ذكرته كتب اللغة والتفسير منتزع من اللطف بمعنى الدقة واللطف المؤدي الى النفوذ في الأشياء بحكم اللطافة المضادة للضخامة في مصداقها المادي، جاء في كتاب (التحقيق في كلمات القرآن الكريم) وبعد استعراض اقوال كتب اللغة بشأن مفردة اللطف، قول العلامة المحقق السيد حسن المصطفوي –رضوان الله عليه-:
"والتحقيق هو أن الأصل الواحد في الماده: هو دقة مع رفق ويقابله الغلظة والخشونة ومن لوازم الاصل وآثاره البر والتكرمة والمودة والرأفة والاهداء والتوجه الى الجزئيات... وكمال اللطافة انما يتحقق في الله عزوجل، فهو تعالى لطيف لا يتصور فيه غلظة ولا خشونة بوجه.. وهو نورٌ منبسط ولا يحجبه شيءٌ ولا نهاية في دقته ورفقه وهو اللطيف المطلق الحق، وهذه الحقيقة يلازمها التوجه والمعرفة الى الجزئيات والاحاطة بالدقائق والعطوفة والبر والإحسان".
أيها الاخوة والاخوات، من هنا قال العلماء أن اللطيف هو: النافذ في الأشياء الذي يصل علمه الى ما بطن وصغر ولطف ولا يعزب عنه شيء كما ورد في تفسير الأصفى للفيض الكاشاني.
وعليه يكون المعنى الثالث لعبارة "لطيف لما تشاء" هو أن الله عزوجل نافذ في كل الأشياء يدرك الأبصار ولا تدركه الأبصار يهيأ جميع الأسباب الظاهرة والخفية لتحقيق مشيئته وارادته كما جرى مع نبيه يوسف عليه السلام اذ اخرجه من السجن وجعله بعد الرق عزيز مصر؛
فهو –تبارك وتعالى- اللطيف المطلق الذي يعلم بكل شؤون خلقه لأنه خالقهم فيعلم بادق شؤونهم مثل ما يخفونه في صدورهم.
وعلى ضوء معرفة هذه الحقيقة ندرك أيضاً سر تأكيد دعاء الحجب الشريف على اختيار هذه العبارة كأحدى العبارات الرئيسة لكي يختم بها الداعي دعاءه، فهذه العبارة تثير في قلبه المعرفة الفطرية بأن الله عزوجل هو النافذ في كل الأشياء ولذلك بأمكانه ان يسخر لعبده كل ما يحتاجه للوصول الى ما يطلبه منه في هذا الدعاء المبارك وغيره من الادعية الشريفة.
واثارة هذه المعرفة الفطرية من شأنها ان يقوي يقين الداعي بتحقق مراده ومطلوبه من ربه الكريم وان كانت الاسباب الظاهرية قد تجعل تحققه محالاً، ثقة بان ربه هو اللطيف النافذ بالاشياء وهو أرحم الراحمين وأكرم الاكرمين.
وبهذا ننهي ايها الاحبه لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الاصغاء ودمتم في رعاية آمنين.