البث المباشر

شرح فقرة: "والضيق وفساد الضمير..." (۱)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:44 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 67 من شرح أدعية النبي (ص)

 

بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد خالصاً إذ شرح صدورنا بمعرفة ومحبته وسائل فيضه للخلائق أجمعين حبيبه المبعوث رحمة للعالمين محمد الأمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.

السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نخصصها للحديث عن العامل السابع عشر من العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة وسعادة الدارين. وهي العوامل التي أمرنا حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) بالتوجه الى الله طلباً لصرفها عنا كما جاء في المقطع الختامي من غرة الادعية النبوية وهو الدعاء الموسوم بدعاء الحجب الشريف حيث سأله (صلى الله عليه وآله) ربه الجليل بعزة أعظم أسمائه الحسنى قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

أيها الافاضل، العامل السابع عشر من العوامل التي تسلب طيب الحياة في الجنيا والآخرة هو (الضيق)، فما هو معناه؟ وما هي مصاديقه التي يأمر نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) بأن نطلب من الله صرفها عنا وعن من يهمنا أمره وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؟

ثم ما هي الأساليب والسبل العملية للتطهر من هذا العامل في مصاديقه التي هي بأختيار الإنسان؟ وما هي سبل النجاة من مصاديقه الخارجة عن اختياره؟

نبدأ - أيها الأحبة- بالسؤال الأول، فنرجع الى كتب اللغة، لنجدها تذكر الضيق ضداً للسعة، وهو يشمل المصاديق المادية - كالفقر المادي وضنك المعيشة- كما يشمل المصاديق المعنوية.

والضيق أشد من العسر ودون الحرج، ويميزه عن العسر، أن العسر يكون في حالة أن ما لدى الانسان من احتياجاته المادية والمعنوية يكفيه ولكن بمشقة بالغة، أما الضيق فيكون في حالة أن ما لدى الانسان لا يلبي احتياجاته المادية والمعنوية حتى مع المشقة البالغة؛ ولذلك فان الضيق أشد تأثيراً في تنغيص معيشة الانسان المادية والمعنوية؛ وأشد منه الحرج الذي ينتج في حالة فقدان الانسان بالكامل لما يلبي احتياجه في الأمر الذي يصيبه الحرج فيه.

روى الشيخ الصدوق في كتابه القيم (معاني الاخبار) بسنده عن مولانا الامام جعفر الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله عزوجل: «وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجاً» [الأنعام، ۱۲٥]، قال (عليه السلام): (قد يكون ضيقاً وله منفذ يسمع منه ويبصر، والحرج هو الملتئم الذي لا منفذ له يسمع به ولا يبصر منه)، يعني يدرك في حالة الحرج حاجته ولكن لا يستطيع أن يلبيها.

أيها الاخوة والاخوات، وبعد معرفة معنى (الضيق) يمكننا ان نعرف مصاديقه المادية والمعنوية، وقد أشار الى كليهما القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مع التأكيد على المصاديق المعنوية.

فمن مصاديقه المادية الواضحة مثلاً الفقر وعدم تيسر الاحتياجات المادية بالمقدار الكافي الذي يدفع المشقة: وقد هدتنا النصوص الشريفة الى سبل النجاة منة مثل: حسن التدبير في الاستفادة من الامكانات المادية وهو المعبر عنه في الاحاديث الشريفة (بتقدير المعيشة) وكذلك اجتناب الاسراف والتبذير وصرف الأموال فيما لا فائدة منه ونظائر ذلك.

كما أن من سبل النجاة من ضيق المعيشة العمل بالأمور التي ذكرت النصوص الشريفة أنها من أسباب توسعة الرزق مثل المتاجرة مع الله بالصدقات وهذا ما يشير اليه قول مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): (إذا أملقتم - أي افتقرتم- فتاجروا الله بالصدقة) كما في حكم نهج البلاغة.

ومن هذه السبل صلة الأرحام والبر بالوالدين ونظائرهما من أعمال الخير وكلها أسباب لزيادة الرزق.

كما أن من السبل العملية للنجاة من ضيق المعيشة اجتناب العوامل المسببة له التي هي بأختيار الانسان نفسه، مثل الكسل عن طلب الرزق والإتكال على الأماني وعدم التوجه الى الله عزوجل لصرف هذه المصاديق للضيق المعيشي.

أما الضيق المعيشي الذي يكون خارجاً عن إرادة الانسان كالأبتلاء الذي يربي به الله عزوجل عباده فسبل النجاة منه تكون بالصبر عليه احتساباً للأجر والإستغفار لأنه من أهم عوامل دفع الضيق بمختلف مصاديقه وخاصة المادية كما يشير لذلك ما حكاه الله عزوجل في الآيات (۹ الى ۱۲) من سورة نوح من قول هذا النبي المبارك (عليه السلام): «ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً».

وواضحٌ من هذه الآيات الكريمه أن هذه التوسعه المادية هي في الحياة الدنيا كثمرة للإستغفار من الغفار الرحيم تبارك وتعالى رب العالمين.

مستمعينا الافاضل، وللضيق الذي يأمرنا نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) في دعاء الحجب الشريف ان نطلب من الله صرفه عنا وعن جميع المؤمنين مصاديق أخرى نتناولها بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمه)، شكراً لكم على طيب الاستماع ولكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات، دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة