بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي هدانا للتمسك بعرى رحمته الكبرى للعالمين قرآنه الكريم وصفوته من الخلائق اجمعين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم اخوتنا المستمعين ورحمه الله وبركاته تحية من الله مباركة طيبة نستهل بها لقاء اليوم من هذا البرنامج حيث لازلنا نستلهم دروس الحياة الطيبة من المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف فنعطر قلوبنا اولاً بنص هذا المقطع وفيه يدعو حبيبنا الهادي المختار صلوات الله عليه وآله الاطهار ربه الجليل باعز اسمائه قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاكارم، منذ عدة حلقات ونحن نتحدث عن العامل الرابع عشر من العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة وهو عامل المقت اي مقت الله وبغضه ومقت الناس ايضاً وهو الذي يعلمنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) ان نطلب من الله تبارك وتعالى ان يصرفه عنا وان نجتهد في اجتناب الامور التي تستجلبه، وقد عرفنا في الحلقات السابقة طائفة من هذه الامور طبق ماهدتنا اليه النصوص الشريفة قرآناً وسنة.
ومن هذه الامور ايضاً الغفلة عن الله عزوجل والتوجه للنفس والانشغال بالبدع والضلالات والجهالات، كما يشير لذلك قول امير المؤمنين (عليه السلام) في الخطبة ۱۷ من نهج البلاغة وكذلك في كتاب الاحتجاج: (ان ابغض الخلائق الى الله عزوجل رجلان: رجل وكله الله الى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل [اي منحرف عن الصراط المستقيم] مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة [يعني الدعوة الى الضلال] فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد وفاته حمال خطايا غيره رهن بخطيئته. ورجل قمش [أي اخذ] جهلاً فوضعه في جهال الأمة).
ومثل هذه الطائفة من اصحاب البدع من يشير اليهم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) المروي في كتاب قرب الاسناد انه قال: (من تزين للناس بما يحب الله وبارز الله في السر بما يكره الله لقي الله وهو عليه غضبان وله ماقت)، وفي الكافي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (من اظهر للناس ما يحب الله وبارز الله بما يكره لقي الله وهو ماقت له).
وهذا الفعل يعني مرتبة من النفاق من جهة ومن جهة ثانية الاهتمام بارضاء الناس والغفلة عن رضى الله عزوجل، وهو من مراتب الغفلة عنه تبارك وتعالى؛ ومثله الاهتمام بطاعة الخلق على حساب طاعة الله عزوجل كما يحذرنا من ذلك مولانا الامام زين العابدين (عليه السلام) حيث يقول في احدى مناجاته: (اللهم انك دعوتني الى النجاة فعصيتك، ودعاني عدوك الى الهلكة فاجبته، فكفى مقتاً عندك أن اكون لعدوك احسن طاعة منى لك).
ايها الاخوة والاخوات كما ان من الامور التي تستجلب المقت الالهي عدم توقير الوالدين، وهذا ما نستفيده من الحديث المروي في كتاب الكافي عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: (ان ابي نظر الى رجل ومعه ابنه يمشي والابن متكا على ذراع الاب - يعني في حالة تنافي احترام الاب-، قال الباقر (عليه السلام): فما كلمه ابي مقتاً له حتى فارق الدنيا).
يعني ان الامام السجاد (عليه السلام) لم يكلم الابن مقتاً له على عدم احترامه لابيه ومعلوم ان المقت من الامام المعصوم هو من مقت الله مثلما ان رضاه رضا الله عزوجل.
ومن الامور الاخرى التي تستجلب المقت الالهي ممثلاً بالمقت من الامام المعصوم (عليه السلام) الكسل عن السعي في طلب الرزق اذا استصعب امره، فقد روي في كتاب (من لا يحضره الفقيه) عن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: (اني اجدني امقت الرجل تتعذر عليه المكاسب فيستلقي على قفاه ويقول: اللهم ارزقني، ويدع ان ينتشر في الارض ويلتمس من فضل الله، والذرة - يعني النملة- تخرج من حجرها تلتمس رزقها).
ومن الامور الاخرى تستجلب المقت الالهي كثرة النوم والضحك والاكل كما ورد في حديث الامام الصادق المروي في كتاب (الخصال) انه قال: (ثلاث فيهن المقت من الله عزوجل: نوم من غير سهر، وضحك من غير عجب واكل على الشبع).
ومن هذه الامور ايضاً حب سماع المدح والاطراء من الناس والرضا بذلك، وهذا ما حذر منه مولانا الأمام امير المؤمنين في عهده المشهور لمالك الاشتر حيث قال (عليه السلام) في بعض فقراته وهو يبين له من الذي ينبغي ان يقربه اليه من الناس: (ثم ليكن آثرهم عندك اقولهم بمر الحق واحوطهم على الضعفاء بالانصاف ... والصق باهل الورع والصدق وذوي العقول والاحساب ثم رضهم على ان لا يطروك... فان كثرة الاطراء تحدث الزهو والغرة والرضا بذلك يوجب المقت من الله).
وأخيراً فان الشدة وسلاطة اللسان وغيرها من الاساليب الخشنة في التعامل مع الآخرين والتي تسبب اتقاءهم شر من يفعلها هي من الامور التي تستجلب المقت الالهي، جاء في بحار الانوار عن مولانا الامام الباقر (عليه السلام) انه قال ضمن حديث: (واعلم ان الله تعالى يمقت المتقى منه فلا ترض لنفسك ان تكون منزلتك عنده عزوجل كمنزلة اعدائه).
وبهذا ننهي ايها الاحبة حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم لها مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، نشكر لكم طيب المتابعة ودمتم في رعاية الله.