بِسْمِ اللَّهِ وله أعظم الحمد حبيب قلوب الصادقين الذي جعل محبته في مودة أبواب رحمته للعالمين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها الإستهداء بالمقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف فنقتدي بالأسوة الحسنة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله) وهو يناجي ربه الجليل قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاخوة والاخوات، اشتمل هذا المقطع على التعريف بواحد وعشرين عاملاً من العوامل التي تصد الإنسان عن الكمال والقرب الالهي وتسلبه السعادة، وقد انتهى بنا الحديث الى الرابع عشر منها وهو (المقت) وقد عرفنا في الحلقة السابقة أن الآيات الكريمة تبين لنا ثلاثة اسباب لاستجلاب المقت الالهي، الأول الكفر بمختلف مراتبه - وبعضها يصيب المؤمنين أيضاً-، والثاني الجدال بغير علم في الآيات الالهية والحق الواضح، والثالث قول الانسان ما لا يفعله.
وكما وعدناكم في الحلقة السابقة فاننا نستعرض في هذا اللقاء ما ذكرته الأحاديث الشريفة من الأمور الأخرى التي تستجلب المقت الالهي بما يعنيه من البغض الشديد الذي يعني اذا نسب الى الله عزوجل الحرمان من قربه والطافه ورحماته الخاصة.
ونبدأ بعامل الجهل بالعلم الالهي والاستخفاف باهله، فهو من أهم العوامل التي تستجلب المقت الالهي، فقد روي في الكافي عن مولانا الامام زين العابدين (عليه السلام) قال: (لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج، ان الله تبارك وتعالى أوحى الى دانيال [النبي] أن: أمقت عبيدي الي الجاهل المستخف بحق أهل العلم التارك للاقتداء بهم، وان احب عبيدي الي التقي الطالب للثواب الجزيل اللازم للعلماء التابع للحلماء القابل عن الحكماء).
كما ان الاحاديث الشريفة هدتنا ان اعجاب المرء بنفسه واغتراره وتكبره من الامور التي تجعله ممقوتاً عندالله وعند المؤمنين.
فقد روي في كتاب (عدة الداعي) للعارف الجليل ابن فهد الحلي ان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) قال: (ثلاث مهلكات، شحٌ مطاع وهوىً متبع واعجاب المرء بنفسه وهو محبط للعمل داعية للمقت من الله سبحانه).
وروي في كتاب غرر الحكم قول مولانا امير المؤمنين (عليه السلام): (ما اجتلب المقت بمثل الكبر).
وعن الامام الباقر (عليه السلام) كما في كتاب (نزهة الخواطر) للحلواني أنه قال موصياً احد اصحابه: (اياك والكبر فانه داعية المقت ومن بابه تدخل النقم على صاحبه، وما اقل مقامه وما اسرع زواله عنه).
وفي كتاب (نزهة الخواطر) ايضاً عن امامنا علي الهادي (عليه السلام) قال: (الحسد ماحق الحسنات والزهو جالب المقت والعجب صارف عن طلب العلم داع الى التخبط في الجهل).
وروى الشيخ الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله) انه قال ضمن حديث طويل: (اشقى الناس الملوك وامقت الناس المتكبر ... واذل الناس من أهان الناس).
وروي ضمن الرسالة التي كتبها الامام الصادق (عليه السلام) لاصحابه قوله: وعليكم بحب المساكين المسلمين فان من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت وقد قال ابونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): امرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم واعلموا أن حقر من أحداً من المسلمين القى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله اشد مقتاً فَاتَّقُواْ اللَّهَ في اخوانكم المسلمين المساكين فان لهم عليكم حقاً ان تحبوهم فان الله امر رسوله (صلى الله عليه وآله) بحبهم فمن لم يحب من امر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين واياكم والعظمة والكبر فان الكبر رداء الله عزوجل فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة.
ايها الاكارم، وتصرح الاحاديث الشريفة ان المقت الالهي يشتد عند تحقير المؤمن مسكيناً كان او غير مسكين فقيراً كان او غنياً، فقد روي في كتاب المحاسن للشيخ البرقي عن امامنا الصادق (عليه السلام) قال: (لا تحقروا مؤمناً فقيراً، فانه من احقر مؤمناً فقيراً واستخف به حقره الله ولم يزل الله ماقتاً له حتى يرجع عن محقرته او يتوب).
وفي كتاب الكافي عنه (عليه السلام) قال: (من حقر مؤمناً مسكيناً او غير مسكين لم يزل الله حاقراً له ماقتاً حتى يرجع عن محقرته اياه). وقال: (ان الله تعالى يقول: من اهان لي ولياً فقد ارصد لمحاربتي وانا اسرع شيء الى نصرة اوليائي).
ويتاكد هذا المقت الالهي في غصب مال المؤمن كما يحذر من ذلك الحديث النبوي الذي رواه الشيخ الصدوق في كتاب (عقاب الاعمال) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (من اقتطع مال مؤمن غصباً بغير حقه لم يزل الله عزوجل معرضاً عنه ماقتاً لاعماله التي يعملها من البر والخير، لا يثبتها في حسناته حتى يتوب ويرد المال الذي اخذه الى صاحبه).
ويفهم من هذا الحديث مستمعينا الافاضل ان سلب حقوق الاخرين المالية خاصة من الامور التي تؤدي الى حبط حتى اعمال الخير وعدم قبول الله عزوجل لها. أجارنا الله واياكم من ذلك ببركة التمسك بثقلي هدايته كتابه العزيز واهل بيت نبيه المبعوث رحمة للعالمين صلوات الله عليهم أجمعين.
مستمعينا الافاضل، وقد هدتنا الاحاديث الشريفة الى امور اخرى تستجلب المقت الالهي يجب التطهر منها نوكل الحديث عنها الى الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) نشكر لكم كرم المتابعة ودمتم بالف خير.