بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد والمجد إذ استنقذنا من حيرة الضلالة وأوزار الجهالة بصفوته المنتجبين حبيبه المصطفى وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم أيها الاخوة والاخوات، أطيب تحية ملؤها من الله الرحمة والبركات نهديها لكم وندعوكم بها لمرافقتنا في وقفة تأملية جديدة في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف الذي يعلمنا فيه حبيبنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) أن نستعيذ بالله من أمهات العوامل التي تسلب الانسان سعادة الدنيا والآخرة، حيث يقول: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاعزاء، كان حديثنا في الحلقتين السابقتين من هذا البرنامج عن عامل الجهل كاحد أخطر العوامل التي تسلب الانسان الحياة الطيبة، وعرفنا من الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة انه يعني الحالة الظلمانية التي تقابل نورانية العقل السليم الذي يعبد به الرحمان وتكتسب به الجنان، ولذلك فان من مصاديق الجهل المذموم في النصوص الشريفة والمراد في هذا الدعاء الشريف هو الجهل بالمعارف الالهية والدينية والجهل بمنزلة أولياء الله وبالتالي عدم الانتفاع منهم في التقرب الى الله وبلوغ مراتب الكمال.
كما ان من مراتب الجهل المذموم ترجيح اللذات الفانية على اللذات الباقية جهلاً بحقيقة كل منهما.
كما ان من مراتب الجهل ومصاديقه التي تسوق الانسان الى الشقاء ما ذكره مولانا الامام الصادق (عليه السلام) في الحديث المعروف بحديث (جنود العقل والجهل) الذي شرحه الامام الخميني (رحمه الله) في كتاب مستقل. وقد نقلنا مقدمته في الحلقة السابقة، وننقل تتمة الحديث في هذا اللقاء فابقوا معنا مشكورين:
قال مولانا الصادق (عليه السلام) في هذا الحديث المروي في كتب المحاسن والكافي والخصال وعلل الشرائع وغيرها قال طبق ما ورد في رواية كتاب المحاسن: (... فكان مما اعطى الله العقل من الخمسة والسبعين الجند؛ الخير وهو وزير العقل، وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل، والايمان وضده الكفر، والتصديق وضده الجحود، والرجاء وضده القنوط، والعدل وضده الجور، والرضى وضده السخط، والشكر وضده الكفران، والطمع وضده اليأس [يعني اليأس مما في أيدي الناس، والتوكل وضده الحرص، والرأفة وضدها العزة [أي العزة المذمومة كالعنف والقسوة في التعامل مع الآخرين]، والرحمة وضدها الغضب، والعلم وضد الجهل [أي الجهل في مرتبته التي تقابل العلم بمعنى عدم المعرفة وليس الجهل في مرتبته التي تقابل العقل]، والفهم وضده الحمق، والعفة وضدها الهتك، والزهد وضده الرغبة [اي اتباع الهوى]، والرفق وضده الخرق، والصمت وضده الهذر، والاستسلام [يعني الخضوع للحق ولله ولأوليائه] وضده الاستكبار، والتسليم وضده التجبر، والعفو وضده الحقد، والرقة وضدها الشقوة [يعني رقة القلب والعطف مقابل القسوة والغفلة القلبية]، واليقين وضده الشك، والصبر وضده الجزع، والصفح وضده الانتقام، والغنى وضده الفقر [يعني الغنى المعنوي والفقر المعنوي]، والتفكر وضده السهو [يعني الغفلة]، والمودة وضدها العداوة، والوفاء وضده الغدر، والطاعة [يعني لله] وضدها المعصية، والخضوع [يعني التواضع لله وللخلق] وضده التطاول، والسلامة وضدها البلاء، والحب [يعني في الله] وضده البغض، والشهامة [يعني روح الفتوة] وضدها البلادة [يعني فقدان الغيرة]، والفهم [يعني هنا فراسة الايمان] وضده الغباوة، والمعرفة وضدها الانكار [يعني الانكار عن غير علم]، والمداراة وضدها المكاشفة، وسلامة الغيب [يعني النزاهة عن مخادعة الله وخلقه] وضدها المماكرة، والكتمان [يعني حفظ الأسرار] وضده الافشاء، والصلاة وضدها الاضاعة، والصوم وضده الافطار [يعني الافطار المحرم]، والجهاد وضده النكول، والحد وضده نبذ الميثاق، وصون الحديث وضده النميمة، وبر الوالدين وضده العقوق، والحقيقة [يعني هنا صدق الاخلاص في العمل] وضدها الرياء، والمعروف وضده المنكر، والستر وضده التبرج، والتقية وضدها الاذاعة، والانصاف وضده الحمية، والتهيئة [يعني الاستقواء للدفاع عن النفس] وضدها البغي والنظافة وضدها القذارة، والحياء وضده الخلع [اي الاستهتار]، والقصد وضده العدوان، والراحة وضدها التعب [اي في التعامل مع الناس]، والسهولة وضدها الصعوبة، والبركة وضدها المحق، والعافية وضدها البلاء، والقوام [يعني القناعة بما يكفي] وضدها المكاثرة، والحكمة وضدها الهوى، والوقار وضده الخفة، والسعادة وضدها الشقاوة، والتوبة وضدها الاصرار والاستغفار وضده الاغترار، والمحافظة [يعني على أداء الواجبات] وضدها التهاون، والدعاء وضده الاستنكاف، والنشاط وضده الكسل، والفرح [يعني الفخر بالعبودية] وضده الحزن [يعني تأسفاً على الدنيا]، والالفة وضدها العصبية، والسخاء وضده البخل).
ايها الاخوة والاخوات، وبعد ان بين امامنا الصادق (عليه السلام) جنود العقل وجنود الجهل ختم حديثه بالقول: (ولا تكمل هذه الخصال كلها من اجناد العقل الا في نبي او وصي نبي او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، واما سائر ذلك من موالينا فان احدهم لا يخلو من ان يكون فيه بعض هذه الجنود حتى يستكمل ويتقي من الجهل، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء، وانما يدرك الفوز بمعرفة العمل وجنوده وبمجانبة الجهل وجنوده، وفقنا الله واياكم لطاعته ومرضاته).
ونحن نقول اعزاءنا اللهم امين، شاكرين لكم كرم المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم بكل خير وفي أمان الله.