بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد خالصاً اذ هدانا الى معرفة ومحبة وموالاة سفن النجاة من الضلالة والشقاء والهداة الى رحمته السادة الأصفياء المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين، تحية من الله مباركة طيبة نزين بها لقاءنا في رحاب ادعية اهل بيت الرحمة ونحن نستلهم منها دروس الهداية والتوحيد الخالص، ومنها الدعاء الجليل الموسوم بدعاء الحجب، فنتابع تأملاتنا في مقطعه الاخير الذي يعلمنا الهادي المختار صلوات الله عليه وآله الأطهار ان نقتدي به وهو يدعو ربه الجليل قائلاً: (أسألك بعزة ذلك الاسم أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الافاضل، كما تلاحظون فان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) يعرفنا في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف، بالعوامل التي تسلب الانسان الحياة الطيبة وتسوقه الى الشقاء وتحرمه من قابلية وأهلية تلقي الفيض الالهي، ويدعونا (صلى الله عليه وآله) بالتالي الى طلب النجاة منها من الله عزوجل منبهاً الى ضرورة مجاهدة النفس للتظهر منها.
وقد انتهى بنا الحديث الى عامل (الضلالة)، فما هو المقصود منها؟ وما هي مصاديقها ومراتبها وكيف نتطهر منها جميعاً؟
نبدأ اولاً بمعنى (الضلالة)، فهي بمعنى الضلال مع تشديد درجته وحدته وعندما نرجع الى كتب اللغة والاصطلاحات القرآنية نجدها تعرف الضلال والضلالة بأنها ما يقابل الاهتداء والهداية، ومرجعها الاصل هو ضياع الشيء وذهابه في غير حقه كما جاء في كتاب مقاييس اللغة، و الضلالة والضلال تعني العدول عن الطريق المستقيم ويقال لكل عدول عن المنهج عمداً يسيراً كان أو كثيراً كما جاء في مفردات القرآن للراغب.
والمستفاد من النصوص الشريفة أن اصل الضلالة يرجع الى سلوك الطريق المنحرف الذي لا يحقق للانسان ما يطلبه من السعادة والكمال، فيضيع جهده ويخسر نفسه دون ان يهتدي الى مقصوده، والى هذا يشير القرآن الكريم في الآية: «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ» من سورة البقرة حيث يقول في صفة المنافقين المستهزئين بالايمان: «أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ».
ويقول اصدق القائلين في الآيتين (۱۷٤و۱۷٥) من السورة نفسها: «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ».
فواضحٌ من هذه الآيات الكريمة ونظائرها، ان الضلالة فيها الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ للانسان كما يشير اليه قوله عزوجل «فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ» لانه لا يكون الى «مِنَ الْمُهْتَدِينَ» لما يطمح اليه وما يطلبه لا في الدنيا ولا في الآخرة كما تنبهنا لذلك كثيرٌ من الآيات الكريمة هذا هو معنى الضلالة وخطورة أثرها في حرمان الانسان من الحياة الطيبة الكريمة؛ وايقاعه في الحيرة والاضطراب كما صرحت بذلك نصوصٌ اخرى اما مصاديق الضلالة ومظاهرها فقد هدتنا اليها الآيات الكريمة ايضاً لكي نتجنبها، ونذكر بعض نماذجها بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.
من ابرز مصاديق الضلالة التي ذكرتها الآيات الكريمة الكفر بالله و الشرك به جل جلاله وعصيانه والاعراض عن ذكره وعن كتابه والحكمة، قال تبارك وتعالى في الآية ۱۳٦ من سورة النساء: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً».
وقال في الآية ۱۱٦ من سورة نفسها: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً».
وقال عز من قائل في الآية ۳٦ من سورة الاحزاب: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِيناً».
وقال اصدق القائلين في الآية ۲۲ من سورة الزمر: «أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ».
ونقرأ في الآية الثانية من سورة الجمعة قوله عزوجل: «هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ».
كما أن الاعراض عن حكم العقل السليم واتباع الهوى من اهم اسباب السقوط في الضلالة كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية الخمسين من سورة القصص: «فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ».
وكذلك الامر في اتباع اهواء الآخرين قال عزوجل في الآية ٥٦ من سورة الانعام: «قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ».
ايها الاطائب اما عن سبيل النجاة من الضلالة فقد هدانا اليه النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وحصره بالتمسك بالثقلين معاً، لان فيه التمسك بهما معاً النجاة من الكفر والشرك واتباع الاهواء وسائر مراتب الضلالة، وهذا ما سنفصل الحديث عنه باذن الله في الحلقة المقبلة من برنامج (ينابيع الرحمة)، ونجعل مسك ختام هذه الحلقة النص المبارك لهذا الحديث المتواتر حيث قال (صلى الله عليه وآله): (اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً، وقد انبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما).
وختاماً تقبلوا منا ايها الاكارم جزيل الشكر على كرم المتابعة لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) ولكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات، دمتم بالف خير.