بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ جميل الصنع وحسن التدبير تبارك وتعالى احسن الخالقين وارحم الراحمين واطيب صلواته وتحياته وبركاته على كنوز رحمته للعالمين الصادق الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
سلام من الله عليكم ايها الاحبة، اطيب تحية مفعمة برحمة الله وبركاته نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج نسعى فيه معاً لاستلهام دروس الحياة الطيبة من فقرات المقطع الخامس من دعاء الاحتجاب او الحجب الشريف وهو من اعظم الادعية المحمدية بركة في استنزال سحب العطاء الالهي الخاص.
نتوجه الى الله عزوجل مع نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) وهو يخاطب ربه الجليل في هذا المقطع من الدعاء قائلاً: (واسالك بالاسم الذي فتقت به رتق عظيم جفون عيون الناظرين، الذي به تدبير حكمتك، وشواهد حجج انبيائك، يعرفونك بفطن القلوب وانت في غوامض مسرّات سريرات الغيوب، اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد).
ايها الاخوة والاخوات، في هذا المقطع يعلمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) التوسل الى الله لاستجابة دعائنا باسم خاص من اسمائه الحسنى يذكر له خمس خصوصيات: عرفنا في حلقات سابقة اثنتين منها الاولى ان به يفتق الله رتق عظيم جفون عيون الناظرين، اي يفتح به العيون القلبية لمن شاء من عباده المؤمنين فيريهم بها مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وبواطن الاشياء وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، اي يبلغوا مرتبة اليقين في الايمان بالله عزوجل وقدرته ورحمته وسعة عطائه.
أما الخصوصية الثانية لهذا الاسم الالهي العزيز فهي ان به يدبر الله عزوجل شؤون خلقه على ما تقتضيه حكمته وعلمه بصلاحهم، وبما يهديهم الى بلوغ الكمالات المقدرة لهم اي ان هذا الاسم المبارك هو وسيلة تحقق ربوبية الله العزيز الحكيم وتنفيذ ارادته ومشيئته في توفير ما فيه صلاح خلقه تبارك وتعالى.
والخصوصية الثالثة فهي التي تسير اليها عبارة: (وشواهد حجج انبيائك)، فما الذي نستفيده منها؟
اعزاءنا المستمعين، شواهد حجج الانبياء (عليهم السلام) هي الامور التي تشهد بما لا يقبل الرد على صدق الحجج التي عرضها الانبياء (عليهم السلام) لاثبات دعواهم النبوة والرسالة عن الله تبارك وتعالى.
وبعبارة اخرى فان هذه الشواهد هي حجج مشهودة بالحس والوجدان يؤيد بها الله عزوجل الحجج التي يعرضها الانبياء واوصياؤهم والمعقولة بالدليل والبرهان؛ ولكونها تدرك بالحس والوجدان فهي ابعد عن الانكار واشد تاثيراً في اثبات ارتباط النبي او الوصي بالله عزوجل من الحجج القولية والعقلية.
وهذا يعني ان هذه الشواهد ينبغي ان تكون واضحة الدلالة الحسية على عدم امكانية صدورها عن غير الله عزوجل، اي ان هذه الشواهد هي المعجزات والكرامات الخارقة التي يعجز البشر عن الاتيان بها؛ ولذلك تنسب الى الله عزوجل مباشرة.
ان من تدبير الله عزوجل لشؤون عباده وهدايتهم لما خلقهم من اجله هو ارسال الرسل وجعل ائمة لهم يهدونهم الى صلاحهم بامره عزوجل، وبهذا الاسم العزيز يظهر لأوليائه من الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) من المعاجز ما يشهد لهم بصدق ارتباطهم به تبارك وتعالى وكونهم خلفائه ومنفذي ارادته ومشيئته.
ولذلك ورد ذكر هذه الخصوصية لهذا الاسم الالهي العزيز هو من الأسماء التي تخرق الاسباب الظاهرية وتكون حاكمة عليها، فهو مظهر كون الله عزوجل عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
ايها الاكارم، اما الخصوصية الرابعة لذلك الاسم العزيز فهي التي تتضمنها عبارة: (يعرفونك بفطن القلوب وانت في غوامض مسرّات سريرات الغيوب).
الفطن جمع فطنة وهي اعلى مراتب الفهم التام والثاقب والغوامض تعني المنازل العالية الخفية والمبهمة التي تدرك و (مسرّات) جمع مسرّة وهي تعني الاسرار الخاصة و(سريرات الغيوب) هي كوامن عوالم الغيب ومكوناته.
من هنا فان معنى هذه الخصوصية هو ان معرفة الله عزوجل بهذا الاسم العزيز توصل الانسان الى حقائق الايمان المكنونة ومعرفه اسمى المنازل والمراتب الخفية الغيبية؛ وهذا يعني معرفة الله باعلى مراتب الايمان الشهودية القلبية التي يلتقي فيها عالم الشهادة وصلاً بعالم الغيب بحقائق الايمان.
والى هذه المرتبة يشير مولانا مولى الموحدين (عليه السلام) في جواب من سأله: يا اخا رسول الله هل رايت ربك، فقال كما في كتاب معاني الاخبار: (اعبد رباً لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن تراه القلوب بحقائق الايمان).
مستمعينا الافاضل، اما الخصوصية الخامسة لهذا الاسم الالهي الكريم كما يذكرها المقطع المتقدم من دعاء الحجب الشريف، فهي التي يشير اليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: (أسالك بعزة ذلك الاسم).
اذن هو اسم عزيز اي ذو عزة، بمعنى انه وجود لا يعجزه ولا يمتنع عليه اي شيء ولا يغليه، فهو مظهر القدرة الالهية التامة الكاملة؛ كما ان العزة تعني المنعة فهو وجود صعب المنال، اي ان التحقق بهذا الاسم مرتبة اخص اولياء الله عزوجل واقربهم اليه تبارك وتعالى، فهي مرتبة صفوته المنتجبين (صلوات الله عليهم اجمعين).
وخلاصة النتيجة التي نستفيدها من هذا المقطع من الدعاء هي ان حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) يعلمنا ان نمهد لعرض ما نطلبه من الله عزوجل في هذا الدعاء الشريف بالتوسل اليه بان يحقق ما نامله منه باعلى مراتبه، لاننا نساله باعز اسمائه الحسنى وهو الاسم العزيز الذي لا يعجزه شيء وهو الاسم الذي توصل دعوة الله به الى اعلى مراتب الايمان وهي مرتبة رؤية القلوب لعزة الله وعظمته رؤية شهودية بحقائق الايمان، وهو الاسم الذي اظهر الله به المعاجز والكرامات التي شهدت لانبيائه واوصيائه بصدق حججهم، وهو الاسم الذي به يدبر الله امور عباده بما تقضيه حكمته فيهيا لكل منهم ما فيه صلاحه من الصحة او المرض والغنى او الفقر وغيرها، كما ان الاسم الذي يزيح به حجاب الغفلة والتاثر بظواهر الحياة الدنيا عن عيون قلوبهم فيريهم ملكوته ويرزقهم بذلك اليقين، رزقنا الله واياكم ذلك ببركة التمسك بولاية محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين).
وختاماً نشكر لكم ايها الاحبه جميل الاستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناه لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية، دمتم بالف خير.