بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد والثناء اذ رزقنا معرفة ومودة وموالاة انوار هدايته للعالمين وكنوز رحمته للخلائق المصطفى الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وبركاته وتحياته عليهم أجمعين.
السلام عليكم اخوتنا المستمعين واهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نعيش فيها دقائق مع فقرة نورانية اخرى من فقرات دعاء الحجب او الاحتجاب الشريف الذي امرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالتوجه به الى الله تبارك وتعالى للفوز بمواهبه السنية. ولازلنا في اجواء المقطع الرابع منه وهو: (واسالك بالاسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم، فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة، خرت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك وخوفاً من سطوتك راهبة منك، فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).
ايها الاطائب، كانت لنا في الحلقة السابقة من هذا البرنامج وقفة عنه فقرة: (فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة)، وقد عرفنا منها ان الوجود النوراني الذي تجلى الله به للجبل في قصة تجليه باسمائه الحسني لموسى الكليم (عليه السلام) والتي ثبتها في قرآنه الكريم، هذا الوجود النوراني هو شعاعٌ متفرعٌ من نور الحجب من بهاء العظمة الالهية، ونقلنا عدة احاديث شريفة تصرح بانه من شيعة محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام) لانهم هو نور الحجب وبهم احتجب الله عزوجل بمعنى جعلهم حجاباً كحجاب العين يوصل نور الشمس اليها دون ان يؤذيها لعدم قدرتها على رؤية نور الشمس مباشرة، وكذلك الحال مع محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام)، فهم شعاع نور الله الأعظم يوصلون نوره الى خلقه بما يطيقونه.
وفي هذا اللقاء ننقل لكم نماذج اخرى الادلة الحديثية على هذه الحقيقة مما روته المصادر المعتبرة.
فمنها ما رواه احمد بن حنبل في المناقب وابن المغازلي الشافعي وغيرهما من علماء اهل السنة مسنداً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (كنت انا وعليٌ نوراً بين يدي الرحمان قبل ان يخلق عرشه باربعة الف عام).
ومضمون هذا الحديث مروي أيضاً من طرق اهل البيت (عليهم السلام) في كتب الامامية وقيه اشارة الى مراتب ظهور النور الالهي في الخلق وكون اعلاها مرتبة هي التي تجلت في اهل بيت النبوة (عليهم السلام).
وروى الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين بسنده عن الامام السجاد زين العابدين (عليه السلام) أنه قال: (ان الله عزوجل خلق محمداً وعلياً والائمة الاحد عشر من نور عظمته ارواحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق يسبحون الله عزوجل ويقدسونه وهم الائمة الهادية من آل محمد صلوات الله عليهم اجمعين).
وفي هذا الحديث الشريف تفسير لكون نور الحجب هو من بهاء العظمة الالهية كما ورد في العبارة المتقدمة من الدعاء الشريف كما المحنا.
وجاء في بعض فقرات حديث طويل رواه الشيخ الصدوق في كتابي الخصال ومعاني الاخبار مسنداً عن مولى الموحدين وامير المؤمنين قوله (عليه السلام): (ان الله تبارك وتعالى خلق نور محمد (صلى الله عليه وآله) قبل خلق السموات والارض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار ... وخلق الله عزوجل اثنى عشر حجاباً ... ثم قال الله عزوجل له:
يا محمد اذهب الى الناس فقل لهم: قولوا لا اله الا الله محمد رسول الله...).
وفي هذا الحديث الشريف اشارة الى ما ورد في الحديث النبوي الشهير: (اول ما خلق الله نور نبيكم ثم خلق منه كل خير).
وفيه اشارة جليلة الى ان حصول المؤمن على كل خير انما يكون بتلقي النورانية المحمدية البيضاء وبها يتحقق التوحيد الخالص.
والمعنى المتقدم يشير اليه بعبارات اوضح مولى الموحدين الامام علي (عليه السلام) في الخطبة الغراء المروية في كتاب الروضة من الكافي حيث يقول في بعض فقراتها: (اخرجنا الله اليهم رحمة وأطلعنا عليهم رافة واسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه وفضلاً لمن اتبعه وتاييداً لمن صدقه، فتبوؤا العز بعد الذلة وهابتهم القلوب والابصار واذعنت لهم الجبابرة... وصاروا اهل نعمة مذكورة وكرامة ميسورة وامن بعد خوف... واولجناهم باب الهدى وادخلناهم دار السلام واشملناهم ثوب الايمان...).
وفي بحار الانوار عن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) قال ضمن حديث: (كنا انواراً حول العرش نسبح الله ونقدسه حتى خلق الله سبحانه الملائكة فقال لهم: سبحوا، فقالوا: يا ربنا لا علم لنا، فقال لنا: سبحوا، فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، الا انا خلقنا من نور الله وخلق شيعتنا من دون ذلك النور ... شيعتنا منا ونحن من شيعتنا ... شيعتنا منا بدؤوا والينا يعودون).
مستمعينا الافاضل، والنتيجة التي نحصل عليها من هذه النصوص الشريفة والفقرة المتقدمة من دعاء الحجب الشريف هي ان الله تبارك وتعالى ورافة بعباده ورحمة بهم احتجب عن نواظرهم بنورانية صفوته محمد وآله (عليه وعليهم السلام) وهم اقرب الخلق اليه فجعلهم بذلك وسيلة لايصال خيره وعطائه وهداه الى الخلق، فهم (عليهم السلام) اسماؤه التي تجلى بهم لخلقه، ومن التصق بهم واستنار بنورهم - وهو من نور عظمة الله- حصل على ما هو مستعد له من تجليات نور الله عزوجل وصار لنورهم كالشعاع المتفرع عنه والملتصق به كما انهم (عليهم السلام) شعاع نور عظمة الله تبارك وتعالى؛ وبذلك يصبح موحداً بكل وجوده بمراتب التوحيد الثلاث المشار اليها في نهاية هذه الفقرة من الدعاء.
وبهذه النتيجة العقائدية المهمة ننهي ايها الاطائب حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. شكراً لكم وفي امان الله.