بسم الله وله خالص الحمد والثناء الذي تجلى لخلقه بانوار هدايته للعالمين وصفوته المنتجبين وخلفائه المؤتمنين ابي القاسم المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.
سلام من الله عليكم اخوتنا المستمعين، طبتم وطابت اوقاتكم بكل ما تحبون، واهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها استلهام دروس الحياة التوحيدية الطيبة من المقطع الرابع من دعاء (الحجب) او الاحتجاب الذي رواه السيد ابن طاووس (رضوان الله عليه) في كتاب مهج الدعوات، ولهذا الدعاء الشريف خصائص عظيمة في الحصول على المواهب الالهية السنية وقضاء الحاجات كما بين ذلك الصادق الامين (صلى الله عليه وآله) في مقدمته له.
وفي المقطع الرابع من هذا الدعاء نقتدي بحبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) وهو يدعو الله عزوجل قائلاً: (واسالك بالاسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة خرت الجبال متدكدكة لعظمتك وجلالك وهيبتك، وخوفاً من سطوتك راهبة منك، فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).
مستمعينا الاطائب، انتهى بنا الحديث الى فقرة: (فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة)؛ فما الذي نستفيده منها؟
للاجابة عن هذا السؤال نتامل معاً اولاً في معاني مفرداتها، ففعل (بدا) هو من (البدو) اي الظهور بعد الخفاء، ويكون المعنى ظهر على نحو الكشف، وهذا هو معنى التجلي، فتكون هذه الفقرة مصداق العبارة السابقة اي تجلي الله باسمائه؛ ويكون شعاع نور الحجب هو من الاسماء التي تجلى بها الله تبارك وتعالى لكليمه موسى (عليه السلام).
اما معنى الشعاع، فقد جاء في كتب اللغة ان الشعاع من كل شيء هو الظاهر منه المتفرق عنه ولكن على نحو الامتداد اليه اي مع بقاء الاتصال به، ف شعاع الشمس هو ما يرى من ضوئها الخارج منها والمتصل بها امتداداً.
والحجب - مستميعنا الافاضل- جمع حجاب وهو الحاجز، اي ما يحجز بين الشيئين ويستر احدهما عن الآخر، وحواجب او حجب الشمس اشعتها التي تحجب اصل الشمس عن العين ولكن تدل عليها، والحاجب الذي فوق العين هو العظم الذي فوقها بلحمه وشعره الذي يحجب شعاع الشمس عن العين لكي لا يؤذيها.
اما البهاء فهو الحسن الفاخر اللطيف والظريف، فهو اعلى مراتب الجمال القاهر. والعظمة هي اعلى مراتب العلو والكبرياء.
مستمعينا الاطائب، وعلى ضوء التوضيحات اللغوية المتقدمة يكون مفهوم عبارة: (فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة) هو: فلما تجلى الله عزوجل باحد اسمائه الجلالية المتصل باعلى مراتب علوه وعظمته وكبريائه بصفة اعلى مراتب الحسن الالهي الفاخر والمتفرع من نوره حجبه تبارك وتعالى.
اذن نفهم من هذه العبارة ان الله تبارك وتعالى تجلى للجبال بنورانية احد الوجودات المتفرعة كشعاع من نور حجبه جل جلاله.
وعندما نعود الى الفقرة الاولى من هذا الدعاء الشريف نقرا فيها عبارة: (يا من احتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه)، فنفهم حينئذ ان (الحجب) هي اقرب الوجودات النورانية الى الله عزوجل، فهي التي احتجب بها عن نواظر خلقه وهي شعاع نوره المباشر احتجب بنورها لان سائر الخلائق لا تطيق رؤيه نورانيته المباشرة فهي بمثابة الحاجب الذي يحمي الخلائق من جهة من الاحتراق لعدم قدرتها على تحمل النورانية الالهية مباشرة ومن جهة ثانية يوصل لها اشعة من منبع بهاء العظمة الالهية بما يتناسب معها كما يفصل الحاجب في حماية العين من نور الشمس المباشر: قال العلامة الطريحي في كتاب (مجمع البحرين) ضمن حديثه عن معنى الحجاب بالنسبة لله جل جلاله: (ووصفه سبحانه وتعالى حجابه بالنور يشير الى ان حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو تعالى محتجب عن الخلق بانوار عزة وجلاله وسعة عظمته وكبريائه وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتذهب الابصار وتنحسر البصائر ولو كشف ذلك الحجاب بما وراءه من حقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق الا احترق).
مستمعينا الاطائب وعلى ضوء ما تقدم نفهم بوضوح ان الشعاع او الوجود النوراني الذي تجلى الله بنورانيته لتلك الجبال في قصة تجليه لكليمه موسى (عليه السلام)، هو وجود نوراني متفرع بنورانيته عن نورانية اعظم هي نور الحجب اي اقرب الوجودات الى الله عزوجل واشد التصاقاً بنورانيته العظمى مباشرة؛ فما هو هذا الشعاع ومن هم اولئك الحجب؟
عندما نرجع الى الاحاديث الشريفة تجدها تصرح بان نور النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) هو سيد الحجب، فقد روي من طرق الفريقين ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أجاب على سؤال صاحبه جابر الانصاري بشان اول المخلوقات الالهيه فقال: (يا جابر اول ما خلق الله عزوجل نور نبيك ثم خلق منه كل خير).
ونقرأ في الزيارة الرجبية المروية عن امام العصر (عليه السلام): (السلام على محمد المنتجب وعلى اوصيائه الحجب).
اما عن الشعاع المتفرع عنهم (عليهم السلام) فقد روي عن مولانا الصادق (عليه السلام) في كتاب بصائر الدرجات انه قال: (ان الكروبيين قوم من شيعتنا من الخلق الاول جعلهم الله خلف العرش لو قسم نور واحد منهم على اهل الارض لكفاهم ... ان موسى (عليه السلام) لما سال ربه ما سال أمر واحداً من الكروبيين فتجلى للجبل فجعله دكاً).
اعزاءنا المستمعين والنتيجة التي نحصل عليها هنا هي ان نورانية المؤمن وقربه من الله عزوجل تشتد وتقوى كلما اقتبس اكثر من نورانية محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) لان نورهم هو النور المتفرع عن النور الالهي المحض مباشرة. وبهذه النتيجة نختم حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران دمتم بكل خير وفي امان الله.