بسم الله الرحمن الرحيم والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تبارك وتعالى ارحم الراحمين، وازكى واسنى صلواته وتحياته وبركاته على انوار هدايته ومعادن حكمته وكنوز رحمته العظمى للخلائق اجمعين صفوته المنتجيبن وحبله المتين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم احبتنا المستمعين، تحية مباركة طيبة نستهل بها لقاء اليوم من برنامجكم هذا وندعوكم بها لمرافقتنا في وقفة استهدائية جديدة بدعاء الحجب او الاحتجاب المبارك وهو من غرر ادعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) واقواها اثراُ في حصول من تحقق بحقائقه على اسمى ما يامله ويرجوه من اكرم الاكرمين تبارك وتعالى.
وقد انتهينا ايها الاطائب الى المقطع الرابع من هذا الدعاء وفيه يعلمنا حبيبنا الهادي المختار (صلوات ربي عليه وآله الاطهار) ان نقتدي به في التوسل الى الله عزوجل باسمائه الجلالية الحسنى حيث يقول: (واسالك بالاسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم، فلما بدا شعاع نور الحجب من بهاء العظمة، خرت الجبال متدكدكة لعظمتك، وجلالك وهيبتك وخوفاً من سطوتك راهبة منك فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ فلّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).
ايها الاطائب، هذا المقطع الشريف من الدعاء يؤهل الداعي لتلقي الفيض والعطاء الذي يطلبه من الله عزوجل وذلك لان التحقق بحقيقته والتوسل الى الله عزوجل يزيل المانع الاصلي الذي يحرم الانسان من الاستفادة من العطاءات الالهية، وهو الخضوع لاسر النفس الذي هو كالجبل العظيم الصاد على التوحيد الخالص.
وفي هذا المقطع اقتباس وبيان لاحدى الحوادث التي جرت للكليم موسى (عليه السلام) وقومه وحكاها القرآن الكريم. لذا ينبغي لفهم محتواه ان نتعرف اولاً على النص القرآني الحاكي لذلك، وقد جاء في سورة الاعراف ضمن آيات عدة تتحدث عن سعي موسى (عليه السلام) في مجاهدة اشكال الوثنية عند بني اسرائيل؛ قال عز من قائل في الآيات ۱٤۲ الى ۱٤٥ وبعد ذكر انقاذ الله عزوجل بني اسرائيل من فرعون: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ، وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ، وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ».
مستمعينا الافاضل، نلاحظ في هذا النص القرآني الكريم النقاط التالية فيما يرتبط بموضوع حديثنا:
اولاً: ان ما طلبه موسى الكليم هو ان ينظر الى الله عزوجل، ولاريب انه عليه السلام لم يكن يقصد الرؤية البصرية وان كان قد قصدها الذين جاؤوا معه لميقات الله الذي جعله لانزال الالواح السماوية. ممن انتخبهم كصفوة لبني اسرائيل.
وعلى اي فان الذي طلبه كليم الله (عليه السلام) هو مرتبة عالية من معرفة الله عزوجل، توصله اليها رؤية اسمائه ليس اللفظية بل حقائقها الوجودية النورية، اي اشد مخلوقات الله النورانية المعرفة به جل جلاله.
ثانياً: وكان التقدير الالهي هو ان يتجلى الله عزوجل بمرتبة عالية من هذا الاسماء او المخلوقات النورانية الدالة عليه، ولذلك فقد مهد الله لذلك بان امر موسى (عليه السلام) بان يصوم ثلاثين يوماً يقضي لياليها بالعبادة كما ورد التصريح بذلك في الروايات الشريفة لكي يستعد لان يكلمه الله قبل ان يتجلى له باسمائه النورانية تلك.
النورية، اي اشد مخلوقات الله النورانية المعرفة به جل جلاله.
ثالثاً: ثم كان ان تجلى الله له بشعاع نور الحجب وأراه اثره على الجبل العظيم فاندك الجبل اي تلاشى بنور العظمة الالهية صعق موسى (عليه السلام) لشدة ما رأه من نور العظمة. وبهذا الصعق انزاح عن قلبه الشريف كل ما يصد عن تلقي الفيض وهذا هو المعبر عنه في الآية الكريمة بقول موسى (عليه السلام): «سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ».
مستمعينا الاطائب وهكذا اعد الله تبارك وتعالى لتلقي ما في الالواح السماوية لانه (عليه السلام) خضع بالكامل وبكل وجوده للجلال والعظمة والبهاء الالهي.
والى هذا المعنى يشير مولانا الامام جعفر الصادق (عليه السلام) في الحديث المروي عنه في كتاب (اصول الكافي) انه قال:
(اوحى الله عزوجل الى موسى (عليه السلام): ان يا موسى اتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟
قال: يا رب ولم ذاك؟
فاوحى الله تبارك وتعالى اليه: يا موسى اني قلبت عبادي ظهراً لبطن فلم اجد فيهم احداً اذل لي نفساً منك، يا موسى انك اذا صليت وضعت خدك على التراب).
ومن هذا الحديث الشريف نفهم سر اختيار الله عزوجل الجبل العظيم لكي يدكه بنور عظمته عندما تجلى بشعاع منه لكليمه (عليه السلام)، اذ ان في ذلك اوضح العلامات المشهودة والمحسوسة التي تدل على العظمة، وبالتالي هي ابلغ تاثيراً في جعل النفس تستشعر الجلال الالهي فتخضع لعظمته.
ولذلك نلاحظ ان الدعاء الشريف قال: (واسالك بالاسماء التي تجليت بها للكليم على الجبل العظيم) فاستخدام الدعاء لصفة (العظيم) في وصف الجبل المحسوس وجدانيا بالصلابة يشير الى ان ما من شيء مهما بلغت عظمته يمكن ان يصمد امام الجلال الالهي، فكيف بالنفس واهوائها؟ اذن لابد لمن يريد معرفة الله وقربه ورحمته الخاصة ان يطوع نفسه لارادة ربه العظيم تبارك وتعالى.
والى هنا مستمعينا الاكارم نصل الى ختام حلقة اخرى من برنامج (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله مئكم حسن الاصغاء ودمتم في رعايته سالمين.