بسم الله وله عظيم الحمد وخالص الثناء منير السموات والأرضين بأنوار صفوته المنتجبين الصادق الأمين محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين).
سلامٌ من الله عليكم أيها الأطائب، اطيب تحية ملؤهما الرحمة من الله والبركات نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج، نستنير فيه بالمقطع التالي من دعاء الحجب أو الاحتجاب الذي رواه السيد ابن طاووس في كتاب (مهج الدعوات) عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله).
ومقطع هذه الحلقة هو الذي يعلمنا ان نثني على الله تبارك وتعالى قائلين: (يا من انار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، يا من انار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته، يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه، ... يا اكرم الاكرمين).
ايها الاكارم، في الحلقة السابقة من هذا البرنامج تقدم الحديث عن ابرز الدروس المستفادة من المقطع المتقدم فيما يرتبط بالمصاديق المادية المعروفة للقمر والشمس وهما ابرز معالم النظام الكوني المتقن الذي اعده الله عزوجل لخلقه مشتملاً بلطفه على جميع الاسباب التي توفر لهم معائشهم والاستهداء والسكينة في الليل المظلم.
وقد اشرنا الى ان النصوص الشريفة تصرح بان للكواكب التي زين الله بها نظام الخلق مصاديق مادية هي الاجرام السماوية المعروفة ومصاديق معنوية وهم اولياء الله المعصومين (عليهم السلام)، وهذا ما يصدق ايضاً على القمر والشمس ايضاً.
وهذا المعنى صرحت به عدة من الاحاديث الشريفة المروية من طرق اهل السنة وكذلك اتباع اهل البيت (عليهم السلام)، نختار منها نموذجين الاول رواه الحافظ النطنزي وغيره من علماء الحديث عنه اهل السنة، مسنداً عن انس بن مالك قال:
صلى بنا رسول الله صلاة الفجر، ولما انفتل من الصلاة اقبل علينا بوجهه الكريم فقال:
معاشر الناس من افتقد الشمس فليستمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليستمسك بالزهرة ومن افتقد الزهرة فليستمسك بالفرقدين.
قال أنس: فسئل رسول الله عن معنى ذلك {يعني مصاديقه}، فقال (صلى الله عليه وآله): أنا الشمس وعلي القمر وفاطمة الزهرة والحسن والحسين الفرقدان.
وقد روى هذا الحديث من طرق اهل البيت المحدث الجليل الفضل بن شاذان من اصحاب الرضا (عليه السلام) في كتاب الفضائل.
أيها الاخوة والاخوات، اما النموذج الثاني فهو الذي رواه الشيخ الحافظ الخزاز عن اعلام محدثي الامامية في القرن الهجري الرابع في كتاب (كفاية الاثر) بسنده عن سلمان –رضوان الله عليه- قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:
معاشر الناس، اني راحل عنكم عن قريب ومنطلق الى المغيب، اوصيكم في عترتي خيراً واياكم والبدع فان كل بدعة ضلالة وكل ضلالة واهلها في النار.
معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين، ومن افتقد الفرقدين فليتمسك بالنجوم الزاهرة بعدي، اقول قولي واستغفر الله لي ولكم.
قال سلمان: فلما نزل (صلى الله عليه وآله) عن المنبر تبعته حتى دخل بيت عائشة، فدخلت عليه وقلت: بابي انت وامي يا رسول الله، سمعتك تقول: اذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر واذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين، واذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة، فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة، فقال (صلى الله عليه وآله):
اما الشمس فانا، واما القمر فعلي، فاذا افتقدتموني فتمسكوا به بعدي، واما الفرقدان فالحسن والحسين، فاذا افتقدتم القمر فتمسكوا بهما، واما النجوم الزاهرة فالائمة التسعة من صلب الحسين والتاسع مهديهم ... .
ثم قال (صلى الله عليه وآله): انهم هم الاوصياء والخلفاء بعدي، ائمة ابرار عدد اسباط يعقوب وحواري عيسى.
أيها الاطائب، هذه الاحاديث الشريفة ونظائرها الكثيرة تفتح لنا آفاق معرفة اعمق لكثير من الآيات الكريمة التي تبين انعام الله عزوجل على خلقه بالنجوم والكواكب والشمس والقمر، فهي تشير الى ان الفوائد المادية التي يحصل عليها الانسان من المصاديق المادية لهذه النعم، لها نظائر معنوية في المصاديق المعنوية لتلك النعم، فمثلما نستمد الطاقة اللازمة للعيش المادي من الشمس ينبغي ان نستمد الطاقة المعنوية اللازمة للحياة الطيبة من الشمس المحمدية السامية.
ومثلما نستمد السكينة والطمانينة والنجاة من مخاوف الليل المظلم من نور القمر المنير كذلك ينبغي ان نستمد السكينة والنجاة من ظلمات الفتن والانحرافات من نور القمر العلوي المبارك.
وكذلك الحال مع الزهرة والنجوم الزاهرة، فمثلما يكون بها الاهتداء في السفر للوصول الى المقصد، ينبغي الاستهداء بانوار اهل بيت النبوة (عليهم السلام) للحصول على القيم المحمدية النقية ومعالم الدين الحق الخالي من اشكال التحريفات.
وفي كل ذلك ينبغي الالتفات الى نور جميع هذه الكواكب المعنوية هو نور الله عزوجل مثلما ان الله هو الذي انار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، وانار الشمس وجعلها معاشاً للخلق، ... ولذلك ينبغي حمدالله عزوجل عنه الاستفادة من البركات الوجودية لمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين؛ وفقنا الله واياكم للتقرب الى الله عزوجل بالتمسك بحبل ولايتهم المتين انه ارحم الراحمين.
ايها الاكارم، وبهذا ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله منكم جميل المتابعة ودمتم في رعاية سالمين.