بسم الله وله خالص الحمد والثناء عظيم المن والإنعام، وأطيب صلواته وتحياته وبركاته على شموس هدايته للعالمين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأطائب، معكم في حلقة اليوم من برنامجكم هذا، نتأمل فيها معاً في فقرة أخرى من فقرات دعاء الحجب أو الأحتجاب وهو من أهم الأدعية المروية عن نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) للفوز بمهمات الحاجات المادية والمعنوية؛ وقد انتهينا الى الفقرة التي يعلمنا بها الدعاء أن نتوسل الى الله عزوجل بالثناء عليه قائلين: (يا من أنار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، يا من أنار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته، يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه يا اكرم الأكرمين).
في هذه الفقرات يعلمنا حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله)، أن نثني على الله عزوجل باستذكار النعم التي أنعم بها علينا، والثناء عليه جل جلاله بالانعام والإقرار بذلك هو من مصاديق شكر هذه النعم الذي استوجبه الله من عباده بنشر سحائب رحمته، ومعلومٌ من النصوص الشريفة قرآناً وسنة أن شكر النعمة قد جعله الله جل جلاله من أسباب زيادة إنعامه وإحسانه على العباد كما يصرح بذلك قوله تبارك وتعالى في الآية السابعة من سورة ابراهيم: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ».
أيها الأطائب في الفقرة السابقة أشار دعاء الحجب الى نعمة تزيين الله عزوجل السماء بالنجوم الطالعة وأشار الى ان من مظاهر النعمة فيها كونه تبارك وتعالى جعلها هادية لخلقه.
وقد عرفنا مفصلاً في حلقات سابقة وإستناداً الى النصوص الشريفة أن لهذه النجوم الهادية مصاديق مادية هي هذه الأجرام السماوية المعروفة، ومصاديق معنوية تتمثل في وجود أولياء الله الصادقين والهادين إليه تبارك وتعالى.
وهذا الأمر يصدق أيضاً على أهم الكواكب الهادية وأكثرها تأثيراً على حياتنا، وهما الشمس والقمر، وبهما ترتبط فقرات هذا اللقاء، حيث يقول الداعي: (يا من أنار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، يا من أنار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه، وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته).
فما الذي نستلهمه من هذا الثناء؟ نبدأ بالفقرة الأولى، وأول ما نستفيده منها هو نسبة إنارة القمر الى الله عزوجل، وفيها إشارة تربوية توحيدية مهمة، هي أنه ينبغي للمؤمن أن يرى الله بصفة المنعم في كل نعمة يتنعم بها؛ فيستشعر حضوره عزوجل في كل نعمة فيبعث في قلبه روح الحمد والشكر لله عليها فيفتح آفاق زيادة النعم الإلهية عليه كما أسلفنا. وهذا الدرس التوحيدي نستفيده من سائر الفقرات المتقدمة التي تنسب إنارة الشمس وجعلها معاشاً لخلقه وغير ذلك الى الله عزوجل، ولذلك ختم الدعاء بفقرة: (يا من استوجب الشكر بنشر سحائب نعمه).
أيها الأخوة والأخوات، والفقرة المتقدمة تنبهنا الى أحدى أبرز المظاهر المشهودة والمحسوسة لإنارة الله عزوجل للقمر، وهي الإستهداء به في الليل المظلم، ولذلك آثارٌ معنوية مهمة في إيجاد الراحة النفسية كما تشهد بذلك تجارب الشعوب، وتوصي الدراسات الحديثة في علم العلاج النفسي بتخصيص المصابين بعدة من الأمراض النفسية الشائعة كالإضطرابات النفسية والقلق والكآبة وغيرهم، تخصيصهم وقتاً للنظر الى نور القمر في الليل المظلم مؤكدة آثار ذلك في إزالة الإضطرابات عنهم، وهذا المظهر من نعمة وجود القمر هو أحد مظاهر النعمة الالهيه الواضحة فيه، يضاف الى الآثار الفلكية الأخرى المشار اليها في النصوص الشريفة كالإستفادة من حركته في حسابات السنين والمد والجزر حسب قوانين الجاذبية وغيرها.
والإشارة الى هذا المظهر بالذات في الدعاء يرجع الى وضوحه للجميع وكونه محسوساً لهم بأختلاف مستوياتهم العلمية، إضافة الى الصبغة الجمالية في هذا المظهر بالذات، ولذلك أشارت نهاية هذه الفقرة الى أن هذه النعمة هي من مصاديق لطف الله عزوجل بالعباد.
مستمعينا الأطائب، أما بالنسبة للفقرة الثانية فهي تذكر مظهرين من مظاهر النعمة في وجود الشمس الأول هو كونها (معاشاً للخلق) والثاني كونها (مفرقة بين الليل والنهار)، والمظهر الأول يشتمل الى إشارة علمية مبكرة تعد من دلائل نبوة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله)، فقد أثبتت الدراسات العلمية اليوم الى محورية دور الشمس في إيجاد مقومات العيش على الأرض. فهي المنبع الأساسي الذي يمد النباتات بالطاقة وسائر الكائنات بالدف، اللازم لإستمرار الحياة.
أما بالنسبة للمظهر الثاني فهي كون حركة الأرض حول الشمس هي منشأ إيجاد نظام الليل والنهار وهذا النظام هو من المعالم البارزة لعظمة النظام الكوني وإتقانه، إذ أن من الثابت علمياً أهمية وجود الليل والنهار في جعل حياة المخلوقات عامة بالصورة المطلوبة، من توفير الساعات اللازمة للإستراحة والسكن الى جانب الساعات اللازمة للنشاط والعمل، وتوفير ساعات إكتساب الطاقة اللازمة وتخزينها بالمقدار المطلوب والمفيد الى جانب ساعات إراحة الخلايا من عملية التخزين للطاقة المنبعثة من ضوء الشمس وغير ذلك من خصوصيات هذا النظم الدقيق المعبر عن عظمة الخالق العظيم تبارك وتعالى رب العالمين وأرحم الراحمين.
أعزاءنا المستمعين، أما الحديث عن المصاديق المعنوية لنعمة وجود الشمس والقمر فهو ما سيأتيكم بأذن الله عزوجل في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، لكم دوماً من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص التحيات مقرونة بأزكى الدعوات ودمتم بكل خير.