بسم الله وله عظيم الحمد الذي زين سماء معرفته بشموس هدايته للعالمين المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم أيها الاخوة والأخوات، أطيب تحية مفعمة من الله الرحمان بالرحمة والبركات نهديها لكم ونحن نلتقيكم في لقاء اليوم في رحاب أدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) حيث نتابع الإستنارة بأحد غررها وهو دعاء الحجب أو الأحتجاب، الذي أمرنا حبيبنا نبي الرأفة المصطفى (صلى الله عليه وآله) بالتوجه به الى الله عزوجل لنيل المراد في حاجاتنا المادية والمعنوية.
نتأمل في حلقة اليوم بالمقطع التالي من الدعاء حيث يعلمنا أن نثني على الله قائلين: (يا من زين السماء بالنجوم الطالعة وجعلها هادية لخلقه، يا من أنار القمر المنير في سواد الليل المظلم بلطفه، يا من أنار الشمس المنيرة وجعلها معاشاً لخلقه وجعلها مفرقة بين الليل والنهار بعظمته، يا من إستوجب الشكر بنشر سحائب نعمه يا أكرم الأكرمين).
أعزاءنا، في هذا المقطع المتقدم يعلمنا الدعاء أن نرسخ في قلوبنا الأمل القوي بأستجابة الله جلت قدرته لما نرجوه منه، وذلك من خلال تذكيرنا بجمال إتقانه لنظام الخلق الكوني.
فجعل فيه كل العناصر التي تبهج القلوب وتريها جمال الخالق تبارك وتعالى وتهدي الخلائق الى سبل النجاة وبلوغ ما يأملون. فيبدأ في الفقرة الأولى بالتذكير بتزيين الله عزوجل للسماء بالنجوم الطالعة وجعلها هادية للخلق.
وهذه الزينة الكاشفة عن جمال الخالق لها مراتب عدة، وكلما تعمق الإنسان في نظام الخلق وتفكر فيها عرف مظاهر جمالية أرقى وأدق للجمال الإلهي فتعلق قلبه به عزوجل أكثر وأكثر.
يقول العلامة الراغب الإصفهاني في معجم مفردات القرآن: (وقوله عزوجل: «زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ»، وقوله: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ»، وقوله: «وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ»، فإشارة الى الزينة التي تدرك بالبصر التي يعرفها الخاصة والعامة والى الزينة المعقولة التي يختص بمعرفتها الخاصة).
أيها الأخوة والأخوات، وكما تلاحظون فإن الوصف المتقدم في الدعاء الشريف مقتبس من الآيات الكريمة وقد عرضنا في حلقة سابقة نماذج من هذه الآيات، وإتضح هناك أن فائدة النجوم لا تنحصر بالزينة بل هي حفظ للنظام الكوني كما ورد في الآية الثانية عشر من سورة فصلت حيث يقول عز من قائل: «فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ».
كذلك الحال مع النجوم المعنوية فهي وسيلة من جهة لبيان عظمة الله ومظاهر جماله عزوجل ومن جهة ثانية وسيلة لحفظ النظام الكوني المعنوي، والى هذا المعنى يشير الحبيب المصطفى )صلى الله عليه وآله( في الحديث الشريف المروي عنه من طرق مختلف المذاهب الاسلاميه أنه قال: (النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض).
وقد إستفاضت الأحاديث الشريفة عن أهل بيت النبوة المحمدية )عليه السلام( وهي تقول: (لو لا الحجة لساخت الأرض بأهلها) ويمكن مراجعتها من طرق كثيرة وبأسانيد صحيحة في الأجزاء (۲٤-۲۸) من موسوعة (بحار الأنوار) فمثلاً روى الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن مولانا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (إن الكواكب جعلت أماناً لأهل السماء، فإذا ذهبت نجوم أهل السماء جاء أهل السماء ما يوعدون، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل الله أهل بيتي أماناً لأمتي فاذا ذهب أهل بيتي جاء أمتي ما كانوا يوعدون).
مستمعينا الأطائب، ومثلما جعل الله عزوجل النجوم المادية علامات لخلقه يهتدون بها في السفر الى الأماكن التي يريدون الوصول إليها، كذلك الحال مع أوليائه الصادقين وصفوته المنتجبين فهم (صلوات الله عليهم أجمعين) هم حجج الله عزوجل على خلقه الذين يهتدون بأنوار هدايتهم في سفرهم المعنوي للوصول الى غاياتهم المعنوية والكمالات الحقيقية في الدنيا والآخرة، والمتمثلة بمعرفة الله وقربه، فهم (عليهم السلام) مظاهر معرفة الله عزوجل وعظمته وجلاله وكبريائه وجماله وزينته في خلقه قال العلامة الجليل الشريف الرضي في كتاب المجازات النبوية: (... ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله) في تعديد أقوام ذمهم (ورجل ينازع الله رداءه، فإن رداءه الكبرياء والعظمة)، وهذا القول مجاز، والمراد بذلك أن الكبرياء والعظمة رداؤه تعالى وإزاره اللذان يكسوهما خليقته ويلبسهما بريته ولا يقدر غيره على أن ينزع منهما ما ألبسه، أو يلبس منهما ما نزعه، والمراد بذلك العظمة والكبرياء على حقيقتهما دون ما يعتقده الجهال أنه عظمة وكبرياء ... مثل ما نشأ من تعظم المتجبرين وتكبر المتملكين فإن ذلك ليس بتعظيم من الله سبحانه لهم، ولا بأفاضة من ملابس كبريائه عليهم، وإنما العظمة والكبرياء في الحقيقة هما الكرامة التي يلقيها الله سبحانه على رسله وأنبيائه والقائمين بالقسط من عباده فيعظمون بها في العيون ويجلون في الصدور والقلوب ...).
والنتيجة التي نخلص إليها مما تقدم مستمعينا الأكارم هي أن الفقرة المتقدمة من دعاء الحجب أو الأحتجاب تنبهنا الى أن الإهتداء الى سبل الفوز بما نطلبه من الله يمر بالتوسل إليه عزوجل بشموس هديته ومبيني صفاته وأخلاقه محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).
وبهذه النتيجه ننهي حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران دمتم بكل خير وفي أمان الله.