بسم الله وله خالص الحمد والثناء ذي الفضل والإنعام والجلال والإكرام، وأطيب صلواته على ينابيع رحمته للعالمين المصطفى الأمين وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين، معكم على بركة الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج، نتابع فيها الاستضاءة بالدعاء المبارك الذي علمه نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) للمؤمنين لكي يلتجأوا به الى الله عزوجل في حاجاتهم والمعروف بدعاء الحجب أو الاحتجاب؛ في الفقرة الأولى من هذا الدعاء يعلمنا حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) أن نقول:
(اللَّهُمَّ إني أسألك يا من إحتجب بشعاع نوره عن نواظر خلقه يا من تسربل بالجلال والعظمة وإشتهر بالتجبر في قدسه، يا من تعالى بالجلال والكبرياء في تفرد مجده، يا من إنقادت الأمور بأزمتها طوعاً لأمره، يا من قامت السموات والأرضون مجيباتٌ لدعوته).
يفتتح هذا الدعاء الشريف كمعظم الأدعية بكلمة (اللَّهُمَّ) وقد عرفنا في الحلقة السابقة أن هذا الكلمة المباركة تعني (يا الله) وقد أبدلت ياء النداء فيها ميماً وألحقت بآخر الكلمة لكي تبعد عن الدعاء إشعار ياء النداء ببعد المنادى، وهذا التبديل يختص بلفظ الجلالة لا يجري في غيره لأنه عزوجل الأقرب لكل إنسان من قلبه.
كما عرفنا لفظ الجلالة (الله) مشتق من (إلاه) أي الذي يتوجه له الإنسان بفطرته في إحتياجاته لأنه تبارك وتعالى هو الغني المطلق والمغني الكريم.
ثم يقول الداعي بعد ذلك (إني أسألك)، والذي نستفيده من استخدام الدعاء الشريف لكلمة (إني) في مطلعه أن فيها إشعاراً وتذكيراً للداعي بذاته وكونه الفقير الذي لا حول ولا قُوَّةَ له إِلاَّ بِاللَّهِ، ولذلك فإن عليه أن يتوجه بفقره الى ربه الغني لكي يسد فقره بغناه، مستجيباً بذلك لنداء الفطرة الذي أشرنا اليه آنفاً والذي يذكرنا به لفظ الجلالة.
مستمعينا الأفاضل، أما بالنسبة لفعل (أسألك) ففيه إشعارٌ بأن المسألة ينبغي أن تتوجه الى الله تبارك وتعالى لأن بيده الخير كله وما عداه لا يملك في الواقع نفعاً للإنسان إلا بأذن مالك الخير كله جل جلاله.
وهذه الحقيقة أكدتها كثيرٌ من النصوص الشريفة فمثلاً روي في كتاب الكافي عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى أحب شيئاً لنفسه وأبغضه لخلقه، أبغض لخلقه المسألة {يعني أن يسألوا خلقاً مثلهم} وأحب لنفسه أن يسأل، وليس شيء أحب الى الله عزوجل من أن يسأل، فلا يستحي أحدكم أن يسأل الله من فضله ولو شسع فعل).
وروي في الكافي أيضاً عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن الله عزوجل كره الحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة، وأحب ذلك لنفسه، إن الله عزوجل يحب أن يسأل ويطلب ما عنده).
وعنه (عليه السلام) أيضاً قال: (اياكم وسؤال الناس فإنه ذلٌ في الدنيا وفقر تعجلونه وحسابٌ طويلٌ يوم القيامة).
والأعراض عن السؤال من الناس من العفة التي يحبها الله وهي من أفضل العبادة قال مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) في المروي عنه في كتاب المحاسن: (أفضل العبادة عفة بطن) ... الى أن قال: وما شيء أحب الى الله من أن يسأل.
وروي في الكافي أن لقمان الحكيم أوصى إبنه فقال: (يا بني، ذقت الصبر {النبات البري المر}... فلم أجد شيئاً هو أمر من الفقر، فإن بليت به يوماً فلا تظهر الناس عليه فيستهينون بك ولا ينفعوك بشيء، أرجع الى الذي إبتلاك به فهو أقدر على فرجك، وسله، فمن ذا الذي سأله فلم يعطه أو وثق به فلم ينجه).
أيها الأخوة والأخوات، والذي نستفيده من هذه النصوص الشريفة ونظائرها أن الله عزوجل كره لعباده أن يسألوا الناس لأن في ذلك الذل لهم وهذا ما لا يرضاه الله لعباده فهو الرحيم الذي يريد لهم العزة، وأحبّ إليهم أن يسألوه من فضله لأن في ذلك إستغناؤهم عن الناس وفي ذلك عزهم، كما أن فيه صلاحهم وغناهم لأنهم يسألون الرب الكريم القادر على إغنائهم والرحيم الذي يحب الخير لعباده، يضاف الى ذلك كونه تبارك وتعالى الغني المطلق الذي لا يطلب ممن يسأله ثمناً لعطائه.
ثم يبدأ الدعاء بعد ذلك بذكر مجموعة من الصفات والأسماء الإلهية الحسنى قبل ذكر المطالب التي يسأل الداعي ربه الكريم أن يمن عليه بها، وهذا من أداب الدعاء التي أكدت عليها الأحاديث الشريفة.
قال إمامنا الصادق (عليه السلام): (إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والآخرة {أن يسألها} حتى يبدأ بالثناء على الله عزوجل والمدح له والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، ثم يسأل حوائجه).
ولا ريب في أن الله عزوجل غنيٌ حتى عن مدح عباده له وثنائهم عليه، لذا فإن الهدف من هذا الأدب من آداب الدعاء هو تقوية الأمل واليقين في قلب الداعي بأستجابة دعائه من خلال التذكير بقدرة المسؤول على تحقيق ما يطلبه السائل، ولذلك يلاحظ المتدبر في نصوص أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام) قوة التناسب بين الحاجات التي يطلبها الداعي والصفات والأسماء الحسنى التي يذكرها الدعاء الله تبارك وتعالى.
وبهذا ننهي أيها الأعزة لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم بألف خير.