بسم الله وله الحمد إذ جعلنا من أمة سيد النبين وشيعة خلفائه سادات الوصيين صلوات الله وبركاته وتحياته عليهم أجمعين.
السلام عليكم اعزاءنا المستمعين ورحمة الله، نحمد الله على جميل توفيقه لأن نكون معكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج لنقتبس فيها أنوار الهداية للحياة الطيبة من نصوص أدعية بيت الرحمة الإلهية (عليهم السلام).
أيها الأخوة والأخوات، نبدأ من هذه الحلقة بالاستضاءة بفقرات أحد غرر أدعية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وهو دعاء الحجب أو دعاء الاحتجاب، وبداية استنارتنا به هي مقدمة تعريفية له، فتابعونا على بركة الله.
عد أهل المعرفة والعرفان الإمامي دعاء الحجب من مجموعة الأدعية المهمة في التوسل الى الله عزوجل بأسمائه الحسنى، وقد شاهد كثيرٌ من المؤمنين عملياً آثاره الجميلة في النجاة من الصعوبات وقضاء الحاجات والحصول على الأماني الخيرة في مختلف المجالات. فمثلاً نذكر ما قاله السيد ابن طاووس وهو من كبار عرفاء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بعد أن روى هذا الدعاء في كتابه القيم (مهج الدعوات)، حيث ذكر تجربته العملية مع هذا الدعاء بإشارة قصيرة قال فيها: (هذا الدعاء مما ألهمت تلاوته طلباً للسلامة يوم البلايا عند شدة شديدة، فظفرنا بإجابة الدعاء وبلوغ الرجاء، وكفينا شر الحساد ببلوغ المراد).
أيها الأطائب، وحقيقة الحال أن ما شاهده ويشاهده المؤمنون من بركات دعاء الحجب أو الاحتجاب في الواقع العملي، هو تصديق لما ذكره سيدنا ومولانا الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله) في مقدمة الدعاء، حيث ذكر خصوصياته في فقرات عدة تؤكد أن الإخلاص في التوجه الى الله عزوجل بالأسماء الحسنى الواردة فيه سبب للفوز بالإجابة مهما كانت الصعوبات التي تعترض طريقه.
قال (صلى الله عليه وآله): (من دعاء بهذه الأسماء استجاب الله عزوجل له، ولودعي بهذه الأسماء على صفائح من حديد لذاب الحديد بإذن الله تعالى).
وفي ذلك - مستمعينا الأفاضل- إشارة الى أن هذا الدعاء هو من الأدعية التي يلجأ اليه في الموارد التي تصور الأسباب الطبيعية استحالة تحقق المراد مثلما يستحيل إذابة الحديد إلا بالنار القوية.
وبعد هذا المثال التشبيهي ذكر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) نماذج من الأزمات الصعبة التي يمر بها الإنسان وأثر هذا الدعاء في رفعها، نقرأ كلامه بعد قليل، فأبقوا معنا.
قال الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى (صلى الله عليه وآله): (والذي بعثني بالحق نبياً لو أن رجلاً بلغ به الجوع والعطش شدة ثم دعاء بهذه الأسماء لسكن عنه الجوع والعطش والذي بعثني بالحق نبياً لو أن رجلاً دعاء بهذه الأسماء على جبل بينه وبين الموضع الذي يريده لنفذ الجبل كما يريده حتى يسلكه).
مستمعينا الأفاضل، في هذين المثالين يشير حبيبنا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الأطهار) الى اثنتين من الحالات التي يمر بها الإنسان عادة، الأولى شعوره بالضعف الشديد نتيجة لفقدانه بعض الاحتياجات الأساسية نظير الطعام والشراب وأمثالهما وعجزه عن الحصول عليها، فيكون الالتجاء الى الله عزوجل بهذا الدعاء وسيلة لدفع الضغط الذي يسببه له فقدانها هذه الاحتياجات الأساسية وتعويضها بالإغناء الروحي في المرتبة الأعلى من الإجابة، والى هذا المعنى يشير النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في الحديث المروي عنه من طرق الفريقين أنه قال: (أبيت عند ربي فيطعمني ويسقيني).
مستمعينا الأفاضل، أما الحالة الثانية التي يذكرها نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) في كلامه المتقدم فهي تشير الى حالات الضعف التي يشعر فيها الإنسان في مواجهة عقبات قوية في طريقه لتحقيق أمانيه المشروعة عقبات قوية كالجبل لا يستطيع أن يقتحمها بإمكاناته الطبيعية، فيلجأ الى الله القوي العزيز جلت قدرته بهذا الدعاء فيعينه على اقتحامها.
والى هذه الحالة في مصاديقها السامية أشار القرآن الكريم في قصة نبي الله موسى الكليم - على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام-، فذكر في مواطن عدة إعانة الله عزوجل له (عليه السلام) ولقومه بني إسرائيل على تجاوز البحر - أي النيل- وأنجاهم بذلك من فرعون وجيشه.
قال عزوجل مخاطباً بني إسرائيل في الآية الخمسين من سورة البقرة: «وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ».
ولعل أحد علل تكرار هذه القضية في القرآن الكريم هو تنبيه المؤمنين الى أنه لا توجد عقبة يمكن أن تصمد أمام المؤمن إذا التجأ بإخلاص لله جلت قدرته واستعان به بصدق.
أعزاءنا المستمعين، وقد ذكر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) موارد وأمثلة أخرى للالتجاء الى الله عزوجل بدعاء الحجب وهو يحث المؤمنين على الالتزام به نوكل الحديث عنها الى حلقة مقبلة بإذن الله من برنامجكم هذا (ينابيع الرحمة).
استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في إيران شكراً لكم وفي أمان الله.