خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا الكرام أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أحبتنا الأفاضل من روائع المراثي الخالدة على مر الدهور وكر العصور مرثية الشاعر الكبير دعبل الخزاعي بحق آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومانزل بساحتهم من مآسي وصائب وإضطهاد على مر العصور على يد مختلف الحكّام والخلفاء في العصرين الأموي والعباسي. ولقد صوّر دعبل ذلك بكل ما أوتي من فصاحة أثارت إعجاب نقّاد الشاعر ورسمه بكل مهارة وتمكّن كانا السبب والسر في خلود هذه القصيدة.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل نجدد التحية من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران وأنتم مع برنامجكم سير القصائد، في هذه الحلقة نتحدث عن تائية دعبل الخزاعي ويشرفنا الأستاذ الدكتور سعد الشحمان بحضوره مرة اخرى ليحدثنا بحديث يستغرق خمس دقائق من عمر الزمن عن هذا الشاعر وقصيدته، أهلاً ومرحباً بكم دكتور
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة، رجاءاً في البداية تحدثوا لنا عن شخصية الشاعر دعبل الخزاعي ونبذة عن تائيته.
الشحمان: نعم في القسم الأول من حديثي سوف أتحدث عن شخصية الشاعر دعبل الخزاعي رضي الله عنه. أسمه محمد بن علي بن رزين وكان من مشاهير شعراء العصر العباسي وعرف بتشيعه لآل علي بن أبي طالب عليهم السلام وهجاءه اللاذع للخلفاء العباسيين. ولد هذا الشاعر في الكوفة سنة ۱٤۸ للهجرة ولُقب دعبل لدعابة كانت فيه وشبّ هذا الشاعر في بيت علم وفضل وأدب وفي بيت إختص بالشعر فقد كان جدّه رزين شاعراً كما ذكر ذلك إبن قتيبة في كتاب الشعر والشعراء وكان أبوه علياً من شعراء عصره وكذلك عمه وإبن عمه كان شاعراً له ديوان ويُلقب بأبي الشيص وهو من الشعراء المعروفين، بإختصار كانت عائلته عائلة أدب وشعر وعلم وعن هؤلاء جميعاً اخذ دعبل مذهبه في نظم الشعر ومنهم تعلم وإستقى العلم فتلقف من هؤلاء الأشخاص أبجدية الشعر وأصول نظمه وفهم معانيه وغاص في بحور الشعر وحفظ الكثير من الأبيات والقصائد إلا أنه في بداية أمره لم يشرع في نظم الشعر وعاهد نفسه على أن لايفعل ذلك حتى ينهل المزيد من منابع الشعر الأصيلة ويتقن صناعته إتقاناً جيداً. ثم أنه خرج من بلاد الكوفة وسافر الى الحجاز مع اخيه رزين وتجوّل في بعض المدن والبلدان الايرانية وكان من ضمن الشعراء الذين رافقهم دعبل واخذ عنهم الشعر والأدب الشاعر العباسي المعروف مسلم بن الوليد وقد رافقه دعبل ليأخذ منه الأدب ويستقي منه فنونه وقد عبّر دعبل عن تلك الفترة بقوله: ما زلت أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي أكتم هذا. حتى قلت هذه الأبيات:
أين الشباب وأية إنسلكا
لاأين يُطلب ظل بل هلكا
لاتعجبي ياسلمى من رجل
ضحك المشيب برأسه فبكى
فيقول لما أنشدته هذه القصيدة قال: إذهب الآن فأظهر شعرك كيف شئت ولمن شئت ومنذ ذلك الحين أتقن دعبل، شاعرنا دعبل الخزاعي صناعة الشعر وكان شاعراً موهوباً وكان لولا عداءه ومعارضته للخلفاء العباسيين لكان من الشعراء الذين بلغوا مستوى راقياً وعالياً في مجال نظم الشعر.
المحاورة: طيب نشكركم على هذه الإيضاحات، دعونا نأخذ فاصل قصير ثم نواصل الحديث عن شاعرنا لهذا الأسبوع دعبل الخزاعي. رافقونا مستمعينا الكرام
المحاورة: أعزائنا الكرام تبدأ رائعة دعبل الخزاعي في رثاء أهل البيت عليه السلام بالوقوف عند الأطلال والبكاء عليها ولكن أطلال مَن؟ إنها أطلال أهل بيت الرسالة والنبوة التي كانت عامرة بوجودهم ذات يوم وإذا بها تقفر من أصحابها وتخلو من سكانها فيتفرق شملهم ويتبدد جمعهم بفعل عوادي الظالمين وغير الطغاة الجائرين واذا بالشاعر المُحب لهذا البيت يطلق العنان لعبراته وشجونه ودموعه بعد أن خانه صبره وهاجت عليه لواعجه وأشجانه فيعلن قائلاً:
بكيت لرسم الدار من عرفات
وأدريت دمع العين بالعبرات
وفك عرى صبري وهاجت
صبابتي رسوم ديار أقفرت وعرات
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
ديار عفاه جور كل منابذ
ولم تعفر الأيام والسنوات
فيا وارثي علم النبي وآله
عليكم سلام دائم النفحات
المحاورة: فلنسأل الدار، هكذا يقول الشاعر عن أهلها أين سارعوا للرحيل وأين فرقتهم يد الجور والطغيان فإذا بها أيادي وأفانين في الآفاق مشتتة ومتفرقة؟ ترى لماذا حدث كل ذلك وهم وارثوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلمه ورسالته وهم السادة الذين فاقوا البرية فضلاً وخيراً وهم حماة الدين والرسالة والمدافعون عنهما وهم الكرماء الأسخياء المطعمون لكل فقير معتر يوم يعز القوت والطعام؟
أعزائنا الكرام اعود الى ضيفنا في الأستوديو الدكتور سعد الشحمان ليحدثنا بعض الشيء عن هذه القصيدة
الشحمان: أهلاً بكم من جديد
المحاورة: اهلاً بكم
الشحمان: قبل أن نتحدث عن القصيدة لابد أن ننوه أن الشاعر الشهيد دعبل الخزاعي رحمه الله لم يكتفي بنبوغه في الشعر يعني لم يكن شاعراً فحسب بل ترك لنا الكثير من المؤلفات والكتب التي شاعت وإنتشرت في عصره فقد نبغ في الأدب والتاريخ وألّف فيهما كما إشتهر بروايته للحديث وسيرته مع الخلفاء والوزراء وأنتشر خبر كتابه الواحدة في مناقب العرب ومثالبها إنتشاراً عجيباً وإنهمك النسّاخ لسنوات طويلة في نسخه وبيعه للراغبين وكذلك نجح كتابه القيم طبقات الشعراء نجاحاً كبيراً وأعتبر من المراجع والمصادر المهمة في هذا المجال.
كما قلنا دعبل الخزاعي عُرف بولاءه لأهل البيت عليهم السلام والجهر بحبهم يعني كان شاعراً يتميز بالجرأة لذلك فقد أنشد بحقهم أجمل القصائد وأحسنها على الإطلاق يعني نلاحظ أن شعره في مدح اهل البيت ورثاءهم يعتبر من أرقى الأشعار التي نظمها في هذا المجال. أما بالنسبة الى قصيدته الرائعة الخالدة...
المحاورة: التائية؟
الشحمان: التائية او مدارس آيات فتعتبر إحدى قمم البلاغة العربية. إمتازت هذه القصيدة بقوة التعبير وروعة الأداء وبالعاطفة والأحاسيس الصادقة ويبلغ عدد أبياتها ۱۲۱ بيتاً. يقول دعبل في قصة هذه القصيدة، يقول دعبل دخلت على سيدي الإمام الرضا عليه السلام في خراسان وقلت له: يابن رسول الله إني قلت فيكم ياأهل البيت قصيدة وآليت على نفسي أن لاأنشدها أحداً قبلك وأحب أن تسمعها مني فقال الإمام الرضا: هاتها!
فأنشد مدارس آيات وبعض الأبيات الأخرى ويقول حتى بلغت قولي:
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً
وأيديهم من فيئهم صفرات
يقول: عندما بلغت هذا البيت بكى أبو الحسن أي الامام الرضا عليه السلام وقال لي: صدقت ياخزاعي.
يقول: واصلت إنشادي للقصيدة حتى بلغت قولي:
اذا وتروا مدوا الى أهل
وترهم أكفاً عن الأوتار منقبضات
يقول: فبكى الامام الرضا عليه السلام عندما أنشد الشاعر هذه القصيدة ثم وضع الامام الرضا يده على رأسه وتواضع ثم رفع رأسه أليّ وقال: ياخزاعي قد نطق روح القدس على لسانك. هذه نبذة مختصرة عن قصة القصيدة ومناسبتها
المحاورة: وبهذا القدر نكتفي شكراً لكم على ما قدمت من الإيضاحات وشكراً لحضوركم وشكراً لهذا الحديث عن تائية الشاعر دعبل الخزاعي
الشحمان: شكراً لكم وللمستمعين الأكارم
المحاورة: وإن شاء الله سنلتقيكم في حلقات مقبلة من هذا البرنامج مع شاعر جديد وقصيدة جديدة اخرى. اعزائنا الكرام بهذا نصل وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى ودمتم في أمان الله.