خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أيها الأحبة بين خمائل الأدب ورياض الشعر وأفياء القوافي نرحب بكم في هذه الحلقة التي ستجمعنا بكم بين أفنان الشعر عبر شاعر جديد وقصيدة اخرى خالدة معطرة لروعة السبك وجميل النظم وحسن القريظ فأهلاً ومرحباً بكم وندعوكم الى مصاحبتنا.
عشّاق الشعر والأدب قصيدتنا لهذا الأسبوع هي قصيدة الأمير والفارس والشاعر أبي فراس الحمداني التي عُرفت على مر الدهور وكر الدهور بإسم "أراك عصي الدمع" والتي سيجول في جنباتها ويصطحبنا معه في رحابها ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان ولكن بعد مقدمة حول الشاعر والقصيدة، رافقونا مشكورين.
المحاورة: أبو فراس هو الحارث بن سعيد الحمداني التغلبي، ولد خلال الربع الأول من القرن الرابع الهجري في مدينة الموصل بالعراق. نشأ يتيماً وعاش في ظل والدته التي تكفلت بتربيته هي وإبن عميها السلطان ماصر الدولة وسيف الدولة فغدا الفارس الأول في ميدان العقل والشجاعة والفراسة وجمع بين ريادة الشعر وقيادة العسكر فكان يتمتع بهيبة الأمراء ولطف الشعراء فلا الحرب تخيفه ولا القوافي تستعصي عليه، وقد إشترك في معارك إبن عمه سيف الدولة مع الروم حتى أسر مرتين ومن المؤكد أن شاعرنا أبي فراس كان على مذهب أهل البيت عليهم السلام محباً لهم مدافعاً عنهم في كل المواطن، يدل على ذلك قصيدته الشهيرة التي ألقاها على جسر بغداد والتي فضح فيها مساوئ خلفاء بني العباس وإنبرى للدفاع عن أئمة اهل البيت عليهم السلام الذين نالهم الكثير من الأذى والإضطهاد على يد هؤلاء الخلفاء حيث يقول فيها من جملة ما يقول:
لايضلين بني العباس ملكهم
بل وعلي مواليهم وإن زعمو
نادى النبي بها يوم الغدير لهم
والله يشهد والأملاك والأمم
ليس الرشيد كموسى بالقياس
ولامأمونكم كالرضا لو أنصف الحكم
تنشد التلاوة في أبياتهم سحراً
وفي بيوتكم الأوتار والنغم
مستمعينا الكرام او كقوله في هذه القصيدة الميمية الشعيرة التي يبدو فيها الشاعر اكثر صراحة في إعلام ولاءه لأهل البيت عليهم السلام وهجومه على اعداءهم:
الحق مهتضم والدين مخترم
وفيء آل رسول الله مقتسم
ياللرجال أما لله منتصر
من الطغاة أما لله منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم
والأمر تملكه النسوان والخدم
بأس الجزاء جزيتم في بني
حسن أباه العلم الهادي وامهم
المحاورة: أجدد التحية بكم من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران وأنتم مستمعينا الكرام برفقة هذه الحلقة من برنامج سير القصائد. نرجب بضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان الذي سيتكفل بمهمة إستعراض بعض من أبيات قصيدة الشاعر أبي فراس الحمداني مشفوعة بالشرح والتحليل والتفسير، اهلاً ومرحباً بكم أستاذنا الفاضل
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم من جديد في هذا اللقاء الذي يجمعنا معكم عبر رحاب هذه القصيدة الرائعة التي أنشدها الشاعر في لحظات تساميه وإشراقة روحه حتى تحولت بعض أبياتها الى حكم وأمثال تدور بها الألسن على مر العصور والدهور وسوف نعلق على ما نستطيع التعليق عليه على قدر مايسمح لنا الوقت.
الشاعر في هذه القصيدة في الحقيقة إتخذ من مخاطبة محبوبته والتغزل بها ذريعة وطريقاً لإستعراض إباهء وشجاعته وشرفه وكرامته ولابد أن نأخذ بنظر الإعتبار أنه انشد هذه القصيدة وغيرها من القصائد التي تعرف بالحبسيات وهو في أسر الروم ففي هذه القصيدة تتجلى لنا اخلاق هذا الفارس الأبي الذي تأبى أخلاقه أن يُذل وأن يُستعطف للآخرين فهو يرسم لنا صورة في غاية الروعة عن هذه الأخلاق الأبية ويبدأ قصيدته هذه بحوار يتخيله ويجري بينه وبين محبوبته التي تبدو متمنعة عليه وتبدو قاسية عليه بعض الشيء وإما أن يخاطب نفسه وإما محبوبته هي التي تخاطبه، يقول:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليه ولا أمر
بلى أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لايُذاع له سر
يقول مخاطب نفسه او تقول له محبوبته أرى أن دموعك صعبة وأراك توسلت بالصبر في سبيل إخفاء هذه الدموع ومنعها من الجريان. ترى هل لهذا الحب الذي تدعيه أمر عليك؟ ألا يجب أن يُطاع هذا الحب؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا لاتطيع هذا الحب؟ ثم لايلبث أن يعترض الشاعر بحبه ولوعته ولكن الفارس الأبي الذي لايرتضي لنفسه أن يكشف له سر وخفاء حتى يقول:
تكاد تضيء النار بين جوانحي يعني بين أضلعي يعني كلما أججت هذه النار لوعة الحب والتفكير بالمحبوب. ثم تمعن محبوبته في تجاهله وكانها تريد أن تزيد من لوعته وهو يعاني الأمرين من السجن وهي عليمة وعلى الرغم من أنها تعلم وأنا الفارس المعروف ومع ذلك فهي تتجاهلني وهي تتسائل مَن انت وهي عليمة بحالي على نكر يعني هل يمكن أن يُنكر حال فتى مثلي إشتهر بشجاعته وبطولته فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى قتيلك
أجبتها قائلاً بأني قتيل حبك وعشقك
فأمعنت في تجاهلها لي فقالت أي قتيل تقصد فالقتلى الذين صرعوا نتيجة حبي كثيرون.
المحاورة: نعم شكراً بهذا القدر نكتفي من الإيضاحات ونأخذ فاصل قصير ثم بعد ذلك نواصل الحديث عن هذه القصيدة، إبقوا معنا مستمعينا الكرام
المحاورة: نعم نعود الى الدكتور سعد الشحمان لنستأنف الحوار حول هذه القصيدة، أستاذ كما وضحتم قبل الفاصل عن بدايات هذه الفصيدة حبذا لو تكملون الحديث عنها.
الشحمان: نعم بكل سرور وكما قلنا بدأها بالتغزل وفي الأبيات الأخيرة من هذه القصيدة والكثير من الأبيات تركناها لأن الوقت لايسمح لنا. يشير الى أسره وكيف أسر يقول:
أسرت وماصحبي بعزل لدى الوغى
ولافرسي مهر ولا رضه غمر
يقول: أنا الفارس الشجاع حتى أسري كان بشرف وعزة وشجاعة، أسرتي حين أصحابي في القتال لم يكونوا عزلاً من السلاح ولم يكن فرسي بالفرس الضعيف ولم يكن صاحب هذا الفرس بالغمر أي بالجبان
ولكن اذا حمّى القضاء على
امرئ ليس لديه بر يقيه ولابحر
يقول: إن أسري كان نتيجة القضاء والقدر المحتوم عليّ ولايمكن للبر بسعته والبحر بترامي أطراف أن يقي الإنسان من قضاءه وقدره.
ثم يقول:
يمنون أن خلّوا ثيابي وإنما
عليّ ثياب من دماءهم حمر
بهذا البيت الرائع يشير الى الروم الذين أسروه ومنوا عليه لأنهم تركوا ثيابه عليه في حين أن الشاعر يهزأ بهم يقول يهزأون مني لأنهم تركوا ثيابي في حين انني كنت ألبس ثياباً حمراً نتيجة الدماء التي سالت منهم لذلك يقول أنا إنسان شجاع وقومي يحتاج اليّ في المعارك المختلفة حتى يقول:
سيذكرني قومي الى جدّ جدهم أي اذا خاضوا الحروب وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر، سوف يحتاجوني في الحروب كما يحتاج الإنسان الى القمر والى البدر التمام في الليلة الظلماء فيفخر هنا بقومه وقبيلته ويقول نحن اناس نطلب السيادة والشرف دائماً وليس لنا حلول وسط في هذا المجال فإما أن نترأس الناس ونجلس في صدر العالم او في غير هذه الحالة نفضّل أن نختار الموت.
نحن أناس لاتوسط عندنا لنا
الصدر دون العالمين او القبر
المحاورة: نعم اذن في نهاية القصيدة يفخر بقومه وبنفسه. شكراً جزيلاً بكم أستاذ سعد الشحمان على هذه الإضاءات حول قصيدة شاعر هذه الحلقة من البرنامج أبي فراس الحمداني، شكراً جزيلاً لكم
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: ونشكر مستمعينا الكرام لحسن متابعتهم لهذه الحلقة من برنامج سير القصائد حتى الملتقى اطيب التحيات المنى ودمتم في امان الله.