خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات أينما كنتم السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته يسعدنا أن نلتقيكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج سير القصائد حيث سيجمعنا اللقاء بكم في حلقة هذا الأسبوع مع رائعة أخرى من روائع الشعر العربي ألا وهي قصيدة أبي تمام الطائي التي يصف من خلالها بلغة حماسية فخرية الفتح الكبير الذي كان من نصيب المسلمين في موقع عمورية الشهيرة مع اعداءهم البيزنطيين فالنتابع معاً مستمعينا الفاضل هذه الحلقة
المحاورة: بداية مستمعينا أرحب بضيفي في الأستوديو الأستاذ الدكتور سعد الشحمان ليتكفل لنا مشكوراً بإستعراض بعض أبيات هذه القصيدة، دكتور أهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم وبالمستمعين الأفاضل
المحاورة: دكتور أرجو منك أن تتناول بعضاً من ابيات هذه القصيدة بالشرح والتفصيل طبعاً قبل ان تسلط الضوء على هذه القصيدة حبذا لو تحدثنا عن هذه الشخصية الشهيرة أبي تمام
الشحمان: الحقيقة أبو تمام الطائي هو أشهر شخصية معروفة في عالم الشعر والأدب وهو احد الشعراء الذين ولدوا في بلاد الشام ويعتبر من أعظم الشعراء العربية الذين أنجبتهم اللغة العربية وهو بالإضافة الى كونه شاعراً فهو جمع بين الجانب الشعري وبين الجانب العلمي في شخصيته وله كتب عديدة ألفها من مثل كناب الإختيارات من شعر الشعراء وكتاب الإختيار من شعر القبائل وأشعار الفحول وأشعار المحدثين وطبع من بين هذه الكتب كتاب الحماسة وهو الكتاب الشهير والمعروف بين علماء اللغة والأدب
المحاورة: أظن هو أشهر كتبه ايضاً
الشحمان: نعم ديوان الحماسة يعتبر أشهر كتبه ومن الكتب التي إعتمد عليها علماء اللغة والنحو في إستشهاداتهم أما بالنسبة الى القصيدة التي نحن بصددها فهي من القصائد المعروفة والخالدة في الشعر العربي، وصف فيها شاعرنا أبو تمام بقدرته التي عُرف بها في مجال الوصف بصورة عامة ووصفه الحضور بصورة خاصة، وصف من خلالها المعركة التي دارت رحاها بين المسلمين وبين الروم وهي المعركة التي عرفت في التاريخ بإسم معركة عمورية وهي منطقة تقع بين بلاد الشام وبلاد الروم وفيها فكرة طريفة ورائعة وهي أن الشاعر يحمل او يهاجم من خلال هذه القصيدة على المنجمين الذين نهوا الخليفة في ذلك الوقت عن خوض هذه المعركة مدعين أن الأخبار التي تفيد بها النجوم والكواكب تفيد بأن خوض هذه المعركة في هذا الوقت لابد وأن تكون نتيجته الفشل والهزيمة ولكن الحاكم في ذلك الوقت كذب مزاعم هؤلاء المنجمين وخاض هذه الحرب وحقق الإنتصار بالفعل على أعداء الإسلام والمسلمين وبذلك خابت ظنون المنجمين وكانت هذه الواقعة بمثابة تصديق للقول المعروف كذب المنجمون ولو صدقوا.
المحاورة: نعم شكراً لهذه الإيضاحات، نأخذ فاصل قصير ثم نواصل الحديث مع مستمعينا الكرام عن شاعرنا لهذه الحلقة أبي تمام الطائي، رافقونا مشكورين
المحاورة: أيها الأحبة قبل أن نعود الى ضيف البرنامج ليكمل لنا جولته بين أبيات القصيدة نقدم لكن خلال هذه الفقرة من البرنامج نبذة عن حياة الشاعر، هو حبيب بن أوس بن الحارث الطائي المعروف بأبي تمام عاش بين العام ۷۹٦ و۸٤۳ ولد بقرية جاسم من قرى حوران بسوريا. كان يحفظ ۱٤ الف أرجوزة من اراجيز العرب سوى القصائد والمقطعات وفي شعره قوة وجزالة وهو احد أعلام الشعر الذين أختلف في زعامتهم في الشعر وهما المتنبي والبحتري وله تصانيف منها فحول الشعراء وديوان الحماسة ونقائض جرير والأخطل. عانى أبو تمام شضف العيش وقسوة الحياة فترك الكتابة ليعمل في مهنة الخياطة ليساعد أباه العطار في مواجهة أعباء الحياة ولكن أبا تمام لن ينسى أبداً حبه للعلم والتعلم رغم إنشغاله بالعمل فكان يتردد عقب إنتهاءه من العمل على حلقات الدرس في مساجد دمشق بعد أن إستقرت به الأسرة عن سعة العيش ولينهل في نفس الوقت من علوم الدين واللغة والشعر وكان أبو تمام يهوى الشعر والترحال حتى قال في ذلك:
وطول مقام المرء بالحي مخلف
لديباجتيه فإغترب تتجددي
فإني رأيت الشمس زيدت محبة
الى الناس أن ليست عليهم بسند
المحاورة: مستمعينا الأكارم بعد تلك المقدمة عن حياة الشاعر والتي سنستمر بها بعد هذه الفقرة نعود الآن الى ضيفنا الكريم الأستاذ سعد الشحمان. نرحب بكم من جديد أستاذنا الفاضل وكلنا أذان صاغية للإستماع الى مزيد من الشرح والتحليل لأبيات قصيدة أبي تمام الشهيرة
الشحمان: أهلاً وسهلاً بكم من جديد. سنحاول أن نستعرض بعضاً من ابيات هذه القصيدة، يبدأ الشاعر هذه القصيدة بهذا البيت الرائع:
السيف أصدق أخباراً من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
يقول: الأخبار التي ينقلها السيف لنا هي أصدق من تلك الأخبار التي تنقلها الينا الكتب المؤلفة في علم التنجيم ففي حد هذا السيف يعني في حافة هذا السيف الفصل، الحد أي الفصل بين الجد واللعب
بيض الصفائح لاسود الصحائف
في متونهن جلاء الشك والريب
يمضي في وصف هذه السيوف فيقول إن الصفائج البيض يعني السيوف بيض وليست كالكتب المحبرة التي هي سود من كثرة ماكتب عليها من الأخبار وفي متون هذه السيوف يعني فيما ظهر منها إزالة للشك والريبة التي تعتري الإنسان. ويقول:
والعلم في شهب الأرماح لامعة بين
الخميسين لافي السبعة الشهب
يقول إن العلم الذي يتجلى لنا في الرماح اللامعة تشهد بين الخميسين أي بين الجيشين العظيمين هو العلم الذي يفيد اليقين وليس العلم المستخرج من السبعة الشهب أي الكواكب السيارة السبعة. ثم يمضي الشاعر الى علم التنجيم فيقول:
أين الرواية بل أين النجوم وما
صاغوه من زخرف ومن كذب
ثم يصف المعركة الكبرى:
فتح الفتوح تعالى أن نحيط به
نظم من الشعر او نثر من الخطب
يصف هذه المعركة بأنها فتح الفتوح وام المعارك وأكبر الإنتصارات التي حققها المسلمون في ذلك الوقت وهو فتح يقول فيه:
فتح تتفتح أبواب السماء له
وتبرز الأرض في أثوابها القشب
تتفتح أي تستبشر به السماء وتتلقاه وهي مفتحة الأبواب وتتلقاه والأرض بأثوابها الزاهية الجميلة. نرجو أن نكون قد وفقنا في إستعراض شيء من أبيات هذه القصيدة.
المحاورة: نعم نشكركم على هذه الإيضاحات. اذا تسمحون مستمعينا الأفاضل نكمل لكم من سيرة أبي تمام الذاتية، رحل أبو تمام الى مصر فأقام في مسجد عمرو بن العاص وقضى فيه خمس سنوات كان يعمل خلالها في سقاية الماء وكان يعمل من خلال الدروس التي تعقد في المسجد فألمّ بالفقه والتاريخ والشعر والحديث والفلسفة وتفتحت موهبته في نظم الشعر فأخذ يتكسب به ولكنه مع ذلك لم يحقق ما كان يرجوه من تحسين أحوال معيشته فإتجه الى الشام ثم الى العراق بعد أن ضاق عليه الرزق حتى قال في ذلك:
ينال الفتى من عيشه وهو جاهل
وارث الفتى في دهره وهو عالم
ولوكانت الأرزاق تجري على الحجى
هلكت اذن من جهلهن البهائم
أحبتنا المستمعين بعد أن طاف أبو تمام بلاد الله وأخذ ينشد الشعر في شتى البلاد ذاع شعره وإنتشر حتى سمع به الخليفة العباسي المعتصم فإستدعاه وقرّبه اليه فكان ذلك فاتحة خير عليه فتحسنت حالته حتى إستقر به المقام أخيراً في الموصل حيث توفي بها بعد أن أتعبه السفر والترحال وعبر عن حنينه الى موطنه قائلاً:
نقل فؤادك حيث شئت من
الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه
الفتى وحنينه أبداً لأول منزل
المحاورة: مستمعينا الكرام وبهذا نأتي الى ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج سير القصائد إنتظرونا في حلقة الأسبوع المقبل عند شاعر آخر وقصيدة أخرى دمتم في أمان الله.