خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
يسرنا أيها الأحبة أن نلتقيكم من جديد عند حلقة اخرى من برنامجكم الأسبوعي سير القصائد حيث روائع الشعر العربي التي رسمت لوحاتها ريشة الشعراء المبدعين على مر العصور في لحظات صدقهم وتساميهم فجاءت ملونة بألوان زاهية من عواطفهم الصادقة ومشاعرهم الجياشة لتبهر الأبصار وتخاطب العواطف حيناً والعقول حيناً آخر.
المحاورة: أيها الأحبة محبي الأدب ومتذوقي الشعر نرحب بكم مجدداً ونرحب في البدأ بضيف البرنامج الكريم الأستاذ الدكتور سعد الشحمان، دكتور أهلاً ومرحباً بك
الشحمان: السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم يسرني أن ألتقيكم وألتقي المستمعين الكرام من جديد
المحاورة: شكراً لهذا الحضور. دكتور في هذه الحلقة بودنا أن تتحدث لنا عن شاعر هذه الحلقة أبي الحسن الأنباري وقصيدته الرائعة في رثاء الوزير العباسي محمد بن بقية الذي قتل مصلوباً على يد عضد الدولة العباسي وعن سر هذا الخلود الذي كتب لهذه القصيدة على قصرها في روائع الشعر العربي.
الشحمان: نعم إن شاء الله. أبو الحسن الأنباري في الحقيقة كنيته ولقبه وإسمه هو محمد بن عمر بن يعقوب وعرف بأبي الحسن الأنباري وفي الحقيقة هناك شخصيتان تعرفان بأبي الحسن الأنباري، شخصية شاعرنا وشخصية اخرى كانت بارزة في مجال الفقه والحديث. على كل حال أبو الحسن الأنباري الذي توفي سنة ۳٦۷ للهجرة وعلى رواية اخرى أنه توفي سنة ۳۸۰ للهجرة. كان هذا الشاعر في الحقيقة شاعراً مقلاً يعني لم تؤثر عنه من الأشعار سوى القليل على أن هذا القليل الذي وصلنا كان قد بلغ قمة الإبداع وقمة الروعة وخاصة قصيدته الشهيرة الرائعة والصادقة التي نظمها كما قلتم في رثاء وزير الخليفة العباسي عضد الدولة إبن بقية وهذا هو الشعر الوحيد الذي أطال فيه يعني هذه القصيدة الوحيدة التي نظمها هي هذه المرثية وبقية أشعاره هي عبارة عن مقطوعات شعرية قصيرة. أبدع في هذه القصيدة وهذه القصيدة خلدته وخلدت الوزير أبن بقية
المحاورة: طيب دكتور ما سر الخلود في هذه القصيدة؟
الشحمان: طبعاً بالدرجة الأولى هو روعة هذه القصيدة وروعة الصور الفنية والصور البلاغية التي أتى بها وصدقها، من المراثي التي تميزت بالصدق كما سنفهم من قصة هذه القصيدة التي كان سببها الول هو مقتل الوزير بن بقية على يد عضد الدولة العباسي علماً أن هذا الوزير كان من الشخصيات الكبيرة التي عرفت بالسخاء والجود وكان من أصحاب المروءة وإحتل مكانة كبيرة في قلوب الناس وأثر عنه أنه كان يقوم بالكثير من الأعمال التي كانت تصب في الصالح العام من مثل قضاءه لحوائج المساكين وكان يتولى الإشراف على حلقات تحفيظ القرآن الكريم وبنى الكثير من المساجد. وكانت علاقته بالشاعر علاقة متينة وعلاقة طيبة وكان الشاعر يفد عليه دائماً وينال عطاءه ولكن غضب الخليفة عليه بسبب سوء تفاهم حدث بينه وبين الشاعر بسبب إبن عم الخليفة وهو عز الدولة فعضد الدولة حكم على الوزير بالخيانة وطرحه في ساحة امام قصره وقتله قتلة شنيعة، يقال إنه إستدعى الفيلة فداسته الفيلة حتى الموت ولم يكتفي بذلك بل إنه قام بصلبه في مدينة بغداد على نهر دجلة...
المحاورة: ياله من مشهد مريع
الشحمان: نعم مشهد فضيع هزّ الشاعر الى درجة كبيرة خاصة وأن الشاعر كان يكن كثيراً من الحب والمودة والوفاء للوزير. وعندما سمع الناس هذا الخبر قيل إن بغداد إرتجت وبكى الناس بكاءاً مراً على وزيرها المقتول ورثاه الكثير من الشعراء وكان أبرزهم أبا الحسن الأنباري الذي بذهم بقصيدته هذه كما سنلاحظ عند قراءة أبيات منها. هذه هي مناسبة القصيدة في الحقيقة وهذا هو السر في روعتها. يعني هناك عاملان إجتمعا لينتجا هذه القصيدة، أولاً الشاعر نفسه وموهبته الشعرية وثانياً صدقه في هذه القصيدة وصدق التجربة الشعرية التي مر بها لذلك بعض النقاد يعتبرون هذه القصيدة بأنها مرثية العرب الأولى حتى يروى ولاأدري اذا كانت هذه الرواية صحيحة أم لا ولكن يروى أن عضد الدولة سأل الشاعر والشاعر بعد أن أنشد هذه القصيدة هرب وإستتر وقيل لمدة سنة كاملة إختفى خوفاً من بطش الخليفة وبعد ذلك توسط له الصاحب بن عباد عند عضد الدولة واعطاه الأمان فسأله عضد الدولة: ما حملك على أن ترثي عدوي؟
فقال الشاعر: حقوق وجبت وأياد سلفت فجاش الحزن في قلبي فرثيته بهذه القصيدة
المحاورة: اذن هو شخصيته شخصية مستقلة وليس شاعر البلاط
الشحمان: نعم شخصية مستقلة. وهناك ما أضاف الى روعة القصيدة هو جرأته فعلى الرغم من بطش الخليفة وخوف الناس من الخليفة إلا أنه نظم هذه القصيدة وأنشدها أما مرئى الناس وأمام...
المحاورة: نعم كان جريئاً في طرح أفكاره
الشحمان: نعم جريئاً في طرح أفكاره من خلال هذه القصيدة ويبدو أن الوقت قد أدركنا.
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لك دكتور أشكرك لهذه المعلومات القيمة التي تفضلت بها وأرجو أن نواصل المشوار معك ومع مستمعينا الكرام، إبقوا معنا
الشحمان: إن شاء الله بإذن الله تعالى
المحاورة: نعم أيها الأحبة صورة بالغة الروعة تجود لنا بها مخيلة الشاعر المبدع الأنباري عن المشهد المأساوي للوزير بن بقية وقد صلب على خشبته ممدود اليدين ليحول هذا المشهد الى مشهد بطولي فيه الكثير من الأنفة والإباء وكأنه يواصل سيرته في الحياة من رفعة وشرف وكرم ليجمع كل ذلك في حياته ومماته. فنتأمل أيها الكرام معاً هذا التصوير الفني الرائع:
علو في الحياة وفي الممات
لحق انت إحدى المعجزات
كأن الناس حولك حين قاموا
وفود نداك أيام صلات
كأنك قائم فيهم خطيباً
وكلهم قيام للصلاة
مددت يدك إحتفاءاً
كمدهما اليهم بالهبات
ولما ضاق بطن الأرض
من أن يضم علاك من بعد الوفاة
أصاروا الجو قبرك وإستعاضوا
عن الأكفان ثوب الساخيات
لعظمك في النفوس تبيت
ترعى بحراس وحفاظ ثقات
وتوقد حولك النيران ليلاً
كذلك كنت أيام الحياة
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام تتجلى لنا في الأبيات التالية العواطف والمشاعر الصادقة التي يكمن وراءها سر خلود هذه القصيدة وخير دليل على ذلك أنه نظمها وأنشدها في ظل اجواء مشحونة بالرهبة والخوف والترقب ذلك لأن الموقف يتطلب قدراً كبيراً من الجرأة والشجاعة فالخليفة العباسي هو عدو المرثي وعهد الوفاء بين الشاعر والمقتول يتطلب منه وهو الشاعر أن يعبر عن الحب والوفاء وأن يشير بالبنان الى الخصال الحميدة التي تحلى بها القتيل في حياته ورددتها الألسن وشهر بها بين القاصي والداني حتى ذاعت وغدت مضرباً للأمثال وعطرت سيرته بالذكر الحسن وهو ما ذكره الشاعر وقال في نفسه: فلأنطق بكلمة الحق ويكن ما يكون!
فلنستمع اذن للشاعر وهو ينطق بكلمة الحق هذه مختتمين بها حلقتنا لهذا الأسبوع:
وكنت لمعشر سعداً فلما
مضيت تفرقوا بالملحسات
غليل باطن لك في فؤادي
يخفف بالدموع الجاريات
ولو أني قدرت على قيام
بفرضك والحقوق الواجبات
ملئت الأرض من نظم القوافي
وبحت بها خلاف النائحات
ولكني أصبر عنك نفسي
مخافة أن أعدّ من الجناة
وما لك تربة فأقول تسقى
لأنك نصب هطل الهاطلات
عليك تحية الرحمن تترى
برحمات غواد رائحات
المحاورة: وصلنا وإياكم أيها الأخوة والأخوات الى نهاية هذه الحلقة من برنامج سير القصائد قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وفي النهاية أشكر ضيفي الكريم في الأستوديو الدكتور سعد الشحمان شكراً جزيلاً لكم دكتور لهذا الحضور
الشحمان: حياكم الله وحيا المستمعين الكرام
المحاورة: حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى في حلقة جديدة من سير القصائد في أمان الله.