خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين. أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تحية عابقة بعطر المحبة وشذى المودة والوفاء نبعثها اليكم من أعماق قلوبنا التواقة دوماً لتقديم كل ماهو مفيد وممتع من عالم الأدب والشعر عبر برنامجكم الأسبوعي سير القصائد، ندعوكم للمتابعة.

أرى غربة الانسان سجناً

فكيف في سجن انسان غريب

يزور رهين سجين اهل قرباه

ولكني السجين بلا قريب

أبشر عند فتح الباب نفسي

بأن ستفوز بالفتح المبين

فمن لي أن أرى يأساً مريحاً

يخلصني من الأمل الكذوب

سأقتل حي آمالي سريعاً

وأرجع منه ذا سيف خضيب

فإن لخادع الآمال عقبى

تزيد مرارة القلب الكئيب

المحاورة: أحبتنا الكرام الأبيات السابقة التي أنشدناها لحضراتكم تمثل مقطعاً من قصيدة أنشدها الشاعر العراقي المعاصر أحمد الصافي النجفي، الشاعر الذي تميز بإسلوبه النقدي الساخر والذي تعرض للإعتقال والسجن بسبب مواقفه السياسية المعارضة لذلك جاء ديوانه حافلاً بالقصائد التي وصف من خلالها المعتقلات والسجون التي زجّ فيها. عن هذا الشاعر وأسلوبه وخصائصه ومضامينه الشعرية سيحدثنا ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعد الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الأستوديو، سلام عليكم دكتور.
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته والسلام على المستمعين الكرام في هذا اللقاء الجديد.
المحاورة: شكراً لحضورك دكتور وكلنا آذان صاغية للأستماع الى ما تتفضلون به عن شاعرنا لهذه الحلقة احمد الصافي النجفي وعن أسلوبه الشعري؟
الشحمان: حديثنا في هذه الحلقة من البرنامج يدور حول شاعر متميز من حيث الأسلوب ومن حيث المضامين التي طررحها في أشعارها، شاعر متميز ومتفرد من بين الشعراء المعاصرين الآخرين من حيث الأسلوب الساخر المرير الذي استخدمه في أشعاره ومن حيث نوع الأغراض التي طرحها في أشعاره وإن كانت أغراضه متنوعة بشكل عام. كما تفضلتم هو الشاعر أحمد الصافي النجفي الذي تميزت حياته بمقارعة الاستعمار وإبتلاءه هو بالأمراض والغربة والتشرد عن الوطن..
المحاورة: والإعتقالات..
الشحمان: نعم الإعتقالات المتكررة التي تعرض لها والتي انتجت بعض الدواوين التي وصفها في وصف سجنه وفي نظم الأشعار التي حارب من خلالها الاستعمار وعبر من خلالها عن كراهيته ونفوره من الاستعمار وخاصة الاستعمار الانجليزي ودفع الثمن غالياً بسبب مواقفه النضالية الحادة هذه، فقد إضطر طيلة حياته الى مغادرة وطنه العراق والهرب منه الى البلدان الأخرى ومنها بلاد الشام، سوريا وخاصة لبنان. هرب مرتين الى ايران وفي ايران بقي حوالي ثمان سنوات فتعلم اللغة الفارسية خلال فترة إقامته وعمل مدرساً للغة والأدب العربي ومترجماً ومحرراً في أمهات الصحف الفارسية التي كانت تصدر آنذاك في طهران وايضاً أكب على مطالعة الأدب والشعر الفارسي فقرأ المثنوي لجلال الدين ورباعيات الخيام ودواوين الشعراء من مثل حافظ ومنجهري وسعدي وغيرهم، كما تعرف على بعض الشعراء البارزين الذين كانوا معاصرين له من مثل ملك الشعراء بهار وعارف القزويني، وقام بترجمة رباعيات الخيام شعراً وترجمته معروفة جداً والبعض يعتبرها أفضل الترجمات التي قدمت عن رباعيات الخيام..
المحاورة: ترجمها شعراً؟
الشحمان: ترجمها شعراً وملك الشعراء بهار ايضاً قرض هذه الترجمة وأعجب بها كثيراً. وفي نفس الوقت فإنه لم ينقطع عن مطالعة الأدب العربي قديمه وحديثه. نتيجة لطبيعة حياة احمد الصافي النجفي نلاحظ أن هنالك غرضين رئيسيين كثر تطرق الشاعر لهما في دواوينه وهما كما قلنا تعبيره عن كرهه للإستعمار ومحاربته، وايضاً له أشعار كثيرة في وصف السجون التي تعرض لها والإعتقالات التي تعرض لها. له شعر طريف يمكن أن نسميه الحبسيات. الحبسيات كما تعلمون ليست بالفن الغريب على الأدب العربي وايضاً على الأدب الفارسي ومع ذلك فقد تميز الصافي بتنوع الأغراض يعني له قدرة عجيبة على الوصف. يقول عنه الناقد الكبير عباس محمود العقاد يقول "لايكفي أن يدرس الصافي اديب واحد بل يجب أن يدرسه مئة اديب لسعة آفاقه الشعرية". اسلوب الصافي تميز بأنه كان سهلاً ممتنعاً...
المحاورة: وايضاً أغراضه الشعرية متنوعة كما تفضلتم..
الشحمان: نعم تميز بتنوع الأغراض وتجنب التزويقات اللفظية والتركيز على المعاني والصور والأفكار الطريفة وإعتماد السحرية يعني الشاعر كان مطبوعاً على السخرية اللاذعة والنقد في طرحه للموضوعات والقضايا التي تطرق اليها وهي ما قلنا الوصف والسجن ومقارعة الاستعمار. من اهم اعمال الصافي الشعرية وأروعها "حصاد السجن" وهو ديوان ضم قصائد رائعة إمتزجت باللون الساخر الذي كان الشاعر يميل اليه، ومن أروع قصائده في هذا الديوان قصيدة "ألواح واشباح"، تجسدت في هذا الديوان قدرته الفائقة على الوصف ومناهضة الاستعمار وهو في داخل السجن ووصف الحالات النفسية المختلفة التي كانت تعتريه وربما كانت متضاربة بين امل وبين يأس وهو في السجن. هذا الأسلوب الذي إستخدمه قد نستطيع أن نسميه الكوميديا السوداء. فقط نكتفي بقراءة شعر من أشعاره التي عبر من خلالها عن كراهيته للإستعمار، يعني شيء عجيب كان في هذا الشاعر كان يكن كرهاً شديداً للاستعمار الأنجليزي خاصة بسبب الجرائم التي إرتكبها هذا الاستعمار في العراق وفي البلدان العربية. المآسي التي تسبب بها من خلال الإتفاقيات التي عقدها في ذلك الوقت والتي مانزال نعاني من آثارها حتى الآن، يقول الشاعر في احدى قصائده:

أحارب جيش الانجليز لأنني

وقفت على نصر الحقيقة مخذمي

أحاربهم حربي لكل رذيلة

الى كل شيطان، الى كل أرقم

أخاف اذا ماتوا تموت أباليس

فأبقى بلا لعني لهم نصف مسلم

تحاربهم روحي وكفي ومنطقي

وإن هم نووا قتلي يحاربهم دمي

الشحمان: نعم أشعار كثيرة في الحقيقة وله أشعار اخرى في وصف مرارة السجن والهموم التي كان يعاني منها بإسلوبه الساخر المعتاد من مثل قوله:

سجنوني في غرفة قد تعرت

فكأني سجنت وسط القفار

جاعلاً من ترابها لي فراشاً

وغطاءاً يلفني من غبار

ثم زادوا على الغبار غطاءاً

من نسيج مضعضع منهار

فإذا نمت يكتسي من وجهي

بغريب الأصواف والأوبار

فتراني في الصبح أمضغ شعراً

وتراباً برغم حلق يسار

فكأني أكلت نصف فراشي

وكأني شربت نصف دثاري

وكأني والصوف كلل وجهي

نوع وحش ما مر بالأفكار

الشحمان: هذا اسلوب ساخر مرير يسخر من خلاله بالسجن.
المحاورة: نعم اذن هو شاعر وطني ومناضل
الشحمان: نعم كان شاعراً وطنياً مناضلاً من الدرجة الأولى حتى أنه قدم حياته في سبيل رسالته وفي سبيل قضيته هذه.
المحاورة: نعم بعد هذه الإجابة القيمة التي تفضلتم بها أشكرك جزيل الشكر دكتور
الشحمان: نرجو أن تكون إن شاء الله قيمة.
المحاورة: بالطبع هي إجابات قيمة وندعو مستمعينا الكرام متابعة ما تبقى من أبيات القصيدة التي كتبها الشاعر احمد الصافي النجفي والتي جملت العنوان "أرواح وأشباح" من ديوانه حصاد السجن، ندعوكم للمتابعة.
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام ويمضي شاعرنا الصافي النجفي في وصف الحالة التي أبتلي بها في السجن ليقدم لنا صورة صادقة للإنسان وهو يرفس تحت القيود وقد فقد حريته او كاد فيرى أن السبيل الأمثل لتحمل محنة السجن هو التحلي بالصبر والتحمل لأن لايتحول الى لعبة بيد الآمال الخداعة الكذبة، فلنستمع معا:

سيمسكني وقار اليأس

كي لاأراني لعبة الأمل اللعوب

وأغضي عن سنا الآمال طرفي

وأدخل ظلمة اليأس الرعيب

فإن أشعة الآمال تحكي

نصالاً واخزات للقلوب

تسامرني همومي في الدياجي

ويطربني فؤادي بالوجيب

فكم في السجن من ليل غضوب

وكم في السجن من يوم عصيب

وزاد عليّ ضيق السجن أني

حرمت فيه من الخلّ الأريب

فأدعو الله تعجيلاً بفك

للسجن او بسجن فتى لبيب

تمنيت الزيارة من قريب

وأن تك زورة الأجل القريب

المحاورة: وصلنا وإياكم أيها الأخوة والأخوات الى نهاية هذه الحلقة من برنامج سير القصائد. دكتور شكراً لحضورك في هذه الحلقة وإن شاء الله سنلتقي بك في حلقة اخرى من البرنامج
الشحمان: لاشكر على واجب
المحاورة: شكراً جزيلاً لكم عند قصيدة اخرى وشاعر آخر. دمتم موفقين وفي أمان الله.