البث المباشر

الرثاء في شعر بهاء الدين زهير

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم أينما كنتم نحييكم أجمل التحايا ونبعث الى حضراتكم اجمل تمنياتنا لكم بأن تقضوا معنا أطيب الأوقات وأجمل اللحظات عند لقاء جديد يجمعنا معكم في سيرة أخرى من سير القصائد، رافقونا.
المحاورة: مستمعينا الأفاضل كثيرة هي القصائد التي قيلت في الرثاء وديوان الشعر العربي تزدخم ذاكرته بهذا اللون من الأغراض ولكن قليلة تلك القصائد التي أبدع فيها الشعراء ومارسوا التأثير فيها من خلال في نفس المتلقي حتى حملوه على أن يشاركهم وجدانياً في مصابهم بل ويذرف الدموع معهم وهو يتأمل هذه المواقف الانسانية الرائعة التي يتجلى فيها الصدق في العواطف والمشاعر ويبدو فيها الشاعر وهو يجسد لنا الجروح الغائرة المنقوشة في القلب والروح لفقد عزيز من اعزاءه فما بالك إن كان هذا العزيز فلذة الكبد وصنو الروح ونتاج عذابات السنين وضنى الأيام، هذا ما فعله شاعرنا لهذه الحلقة بهاء الدين زهير في قصيدته الرائعة الخالدة التي رثا من خلالها ولده الوحيد الذي إختطفته المنايا وهو في ميعة صباه فأطلق عقيرته بالنواح والتفجع والشكوى من قسوة الأيام وغدرها هاتفاً:

نهاك عن الغواية ما نهاك

وذقت من الصبابة ما كفاك

وطال سراك في ليل التصابي

وقد أصبحت لم تحمد سراك

فلاتجزع لحادثة الليالي وقل

لي إن جزعت فما عساك؟

فدعي قلب ما قد كنت فيه

ألست ترى حبيبك قد جفاك؟

لقد بلغت به روحي التراقي

وقد نظرت به عيني الهلاك

فيامن غاب عني وهو روحي

وكيف أطيق من روحي إنفكاك؟

أراك هجرتني هجراً طويلاً

وما عودتني من قبل ذاك

عهدتك لاتضيق الصدر عني

وتعصي في ودادي من نهاك

فكيف تغيرت تلك السجايا

ومن هذا الذي عني ثناك؟


المحاورة: أيها الأحبة لايسعنا إلا أن نرحب كل الترحيب بضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي تفضل بقبول دعوتنا للحضور في الستوديو، دكتور اهلاً ومرحباً بك
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة
الشحمان: وأنا ايضاً مسرور بهذا اللقاء الجديد الذي يجمعني بكم وبالمستمعين الأعزاء
المحاورة: هذا شرف لنا. لو تفضلت دكتور بالحديث في هذه الحلقة عن شاعر العصر الأيوبي بهاء الدين زهير، هذا الشاعر والكاتب المتميز الذي عرف برقة أسلوبه وعذوبة ألفاظه، هذه العذوبة والرقة التي تجلت لنا في بوضوح في قصيدته الرثائية الخالدة التي أنشدنا بعضاً من أبياتها.
الشحمان: نعم وأحسنتم الإنشاد. نعم حديثنا في هذه الحلقة يدور حول أحد الشعراء المتميزين الذين عاشوا في العصر المغولي والعصر المملوكي ويعتبر من الشعراء الذين تميزوا كما تفضلتم برقة الأسلوب وعذوبة الألفاظ والأنغام الموسيقية الساحرة التي يتميز بها شعره. هذا الشاعر يعتبر من الشعراء الذين ولدوا في مكان وعاشوا معظم حياتهم في مكان آخر، ولد في الحجاز بالقرب من مكة في اواخر القرن السادس الهجري وتوفي في السنة التي سقطت فيها بغداد، في سنة ٦٥٦ للهجرة. وكما ذكرت منذ صغره رحل عن موطنه الى مصر التي كانت مركزاً علمياً كبيراً في ذلك الوقت، في عصر المماليك ونزح مع أسرته الى مدينة قوص التي كانت من المراكز العلمية في العالم الاسلامي آنذاك. ومالبث نبوغه الشعري أن ظهر وتفتحت شاعريته حتى أن الحكام في هذه المدينة إلتفتوا الى موهبته الشعرية فأسبغوا عليه النعم والعطايا وهو بدوره أسبغ عليهم مديحه وخاصة على الأسرة الأيوبية وبشكل أخص على السلطان او الملك الصالح أيوب الذي تنسب اليه الأسرة الأيوبية التي كانت تحكم في ذلك الوقت. في الحقيقة قرأت في المصادر عن هذا الشاعر البهاء زهير فوجدت فقرة جميلة ولطيفة كتبها الكاتب والمؤرخ ابن خلكان في وفياته يقول عن هذا الشاعر "من فضلاء عصره وأحسنهم نظماً ونثراً وخطاً ومن أكبرهم مروءة. رأيته فوق ما سمعت عنه من مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة ودماثة السجايا. وكان متمكناً من صاحبه" يعني متمكناً عن الملك الصالح أيوب "كبير القدر عنده لايطلع على سره الخفي غيره ومع هذا كله فإنه كان لايتوسط عنده إلا بالخير ونفع خلقاً كبيراً بحسن وساطته وجميل سفارته" ويقول عن شعره، أن شعره كله لطيف وهو من السهل الممتنع. ونحن ايضاً نضيف الى قول إبن خلكان بخصوص شعره وأسلوبه الشعري أنه كان شعره يتميز بإستخدامه وتوظيفه للأوزان والبحور الخفيفة في معظم أشعاره اذا إستثنينا المدح والرثاء كما تفضلتم في الأبيات التي انشدتموها في الرثاء. وكما ذكرت فان أشعاره وأوزانه تتميز بالنغمات العذبة وتتميز بالجو الموسيقي والألحان السجية وأكثر من إستخدام النوع الذي كان يعرف في ذلك الوقت بالموشحات، هذه الموشحات التي كانت قد أتت من بلاد الأندلس الى بلاد المشرق في العالم الاسلامي وإهتدت اليها الفطر الموسيقية فإختار الشعراء في ذلك الوقت بحورهم من البحور اللطيفة والبحور التي تتميز بحظ كبير من الموسيقى ومن التأثير في نفس المستمع. على كل حال لانريد أن نطيل الحديث حول شعره او حول خصائصه الشعرية، أريد أن أقرأ هنا على مسامعكم بعض المختارات الشعرية..
المحاورة: تفضل مشكوراً
الشحمان: بالمناسبة هو تميز بكثرة شعره اولاً وخاصة في مجال الشكوى من الناس ومن الدهر والدعوة الى الإستغناء عنهم والزهد في حطام الدنيا ويظهر دائماً هذا الشاعر البهاء زهير انساناً أبياً ومترفعاً عن الناس فيقول في الزهد وعدم الأسف على مامضى، يقول:

لاتعتب الدهر في حال رماك

به إن إسترد فقدماً طالما وهبا

حاسب زمانك في حالي تصرفه

تجده اعطاك أضعاف الذي سلبا

والله قد جعل الأيام دائرة

فلا ترى راحة تبقى ولاترى تعبا

ورأس مالك وهي الروح قد سلمت

لاتأسفن لشيء بعدها ذهبا

ماكنت اول ممدوح بحادثة

كذا مضى الدهر لابدعاً ولاكذبا

ورب مال نما من بعد مرزأة

أما ترى الشمع بعد القط ملتهبا


الشحمان: وهنا احب أن أقرأ بعض الأبيات في الغزل الذي يعتبر ايضاً من الأغراض التي تطرق اليها الشاعر فيقول:

فياضبي هلا كان فيك إلتفاتة

وياغصن هلا كان فيك تعطف

وياحرم الحسن الذي هو آمن

وألبابنا من حوله تتخطف

عسى عطفة بالوصل ياواو صدغه

وحقك أني أعرف الواو تعطف


هنا يستخدم صناعة بديعية يقول عسى عطفة ياواو صدغه يعني الشعر الملتف شبهه بالواو والواو هي من حروف العطف ..
المحاورة: على مايبدو دكتور غزله عفيف ايضاً
الشحمان: نعم لأنه كان يتميز بعذوبة الألفاظ فهو من باب الأولى أن يتميز بهذه الخصائص في هذا المجال الغزل وايضاً القصيدة التي تفضلتم بإنشادها في مجال الرثاء.
المحاورة: نعم أتقدم بالشكر الجزيل لك دكتور على هذه المعلومات القيمة التي تفضلت بها حول شخصية الشاعر بهاء الدين زهير وايضاً حول شعره. أما الآن نتواصل معكم عبر جولتنا في رحاب قصيدة الشاعر في رثاء ولده، تابعونا

لقد حكمت بفرقتنا الليالي

ولم يك عن رضاي ولارضاك

فليتك لو بقيت لضعف حالي

وكان الناس كلهم فداك

يعز عليّ حين أدير عيني

أفتش في مكانك لاأراك

لقد عجلت عليك يد المنايا

وماإستوفيت حظك من صباك

أرى الباكين فيك معي كثيراً

وليس كمن بكى من قد تباكى

فيامن قد نوى سفراً بعيداً

متى؟ قل لي رجوعك من نواك

جزاك الله عني كل خير

وأعلم أنه عني جزاك

سقاك الغيث هتاناً وإلا

فحسبي من دموعي ما سقاك

ولازال السلام عليك مني

يرث من النسيم على براك


المحاورة: على امل أن يملأ الله أوقاتكم بالبهجة والسرور ويبعدكم عن كل فجيعة ومكروه نودعكم مستمعينا الكرام، وقبل أن اودعكم أشكر الدكتور سعدي الشحمان لحضوره في الستوديو، شكراً جزيلاً دكتور.
الشحمان: حياكم الله وأشكركم على هذه الإستضافة.
المحاورة: إن شاء الله في الأسبوع المقبل سألتقي بك دكتور وبالمستمعين الكرام من خلال حلقة جديدة من سير القصائد فحتى ذلك الموعد في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة