البث المباشر

قصيدة "لاتعذليه" لأبي زريق البغدادي

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:40 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم مرحباً بكم في لقاء جديد يجمعنا معكم عبر برنامجكم الأسبوعي سير القصائد حيث عيون الشعر وفرائد القريض العربي وحيث الكلم الذي يتقطر حلاوة وتتناثر منه الصور الفنية الجميلة وتفوح منه المعاني السامية والمفاهيم الانسانية الرائعة. ندعوكم أيها الأحبة الى مرافقتنا في تجوالنا في هذه الحلقة عبر أرجاء قصيدة اخرى من روائع القصائد فتابعونا مشكورين.
المحاورة: أيها الأخوة والأخوات تعد قصيدة الشاعر العباسي إبن زريق البغدادي والتي عرفت بالعبارة الأولى التي بدأت بها أي "لاتعذليه"من نوع القصائد التي خلدت أصحابها ووضعتهم في مصاف الشعراء المبدعين رغم أنها تعتبر القصيدة الوحيدة التي ذكرت لهذا الشاعر فالتاريخ لم يروي لنا أشعاراً أخرى لإبن زريق سوى هذه القصيدة اليتيمة التي بلغت من الروعة والجمال في الشكل والمضمون والصورة والمعنى حداً بحيث صنف ناظمها كشاعر من شعراء العصر العباسي المجيدين. وفي الحقيقة فإن لهذه القصيدة الخالدة قصة طريفة سيحدثنا عنها وعن الشاعر الذي خاضها خبير البرنامج الذي شرفنا بحضوره في الستوديو، أرحب بضيفي في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان أهلاً ومرحباً بك دكتور
الشحمان: حياكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ويسرنا ان ألتقيكم من جديد
المحاورة: وهذا من دواعي سرورنا دكتور. أرجو أن تحدثنا عن هذه القصيدة التي إشتهرت بـ"لاتعذليه" وعن شاعرها إبن زريق البغدادي.
الشحمان: في الحقيقة إبن زريق البغدادي الذي عاش بين القرنين الرابع والخامس الهجريين يعتبر أحد الشعراء العباسيين وقد جمع بين فني الكتابة ونظم الشعر ولكن كما تفضلتم لم تروى عنه سوى قصيدة واحدة، هي قصيدة يتيمة تعتبر بالنسبة اليه او على الأقل لم تروى أشعار اخرى وربما كانت له أشعار أخرى ولروعة هذه القصيدة فقد تخلد إسمه في التاريخ بفضل هذه القصيدة التي تعتبر أشهر قصائد الحب واللوعة والإغتراب في الشعر العربي وهذا النوع من القصائد كثير في مسيرة الشعر العربي، كما أتذكر كانت لنا قصيدة تحدثنا عنها لأحد الشعراء في العصر الأموي وهو مالك الريب الذي نظم او أنشد قصيدة في رثاء نفسه، هذه القصيدة ايضاً تشبه تلك القصيدة من ناحية كونها القصيدة الوحيدة للشاعر ولكن هنا الموضوع يختلف
المحاورة: نعم وهي عبارة عن تجربة قاسية ومريرة
الشحمان: نعم حقاً كانت تجربة قاسية ومريرة وعادة التجارب القاسية والمريرة تنتج الأشعار والقصائد الرائعة والخالدة في التاريخ. هذا الشاعر يتميز بقصة ربما كانت فريدة من نوعها اذ أنه ترك وطنه ودياره بحثاً عن رزقه وترك في وطنه زوجة يبادلها وتبادله الحب والوفاء ووعدها بأن يعود محملاً بالرزق على أمل أن تتحسن معيشته في بغداد فشد الرحال نحو بلاد الأندلس ولكن الحظ العاثر لهذا الشاعر لم يحقق له حلمه في الرخاء وتحقيق الثراء وإجتمعت مع خيبة الأمل هذه المرض والألم والمعاناة من الغربة فعبّر عن هذه التجربة المريرة بهذه القصيدة:

لاتعذليه فإن العذل يولعه

قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

الشحمان: وهي قصيدة يخاطب فيها زوجته وكما قلنا تعتبر هذه القصيدة من أشهر او ربما كانت أشهر القصائد من هذا النوع التي يعبر فيها الشاعر عن لوعته وعن إغترابه وعن خيبة الأمل التي تصيبه وعن إشتياقه وعن هذا الفراق الذي أقحم نفسه فيه إقحاماً، الفراق عن ذلك الشخص الذي كان يحبه ويبادله الوفاء. فالقصيدة هي عبارة عن خطاب يخاطب فيها الشاعر زوجته التي جلست في موطنها تنتظر زوجها واذا بزوجها لم يحقق النجاح واذا بالأخبار تصل اليها بأن زوجها قد قضى وتوفي في الغربة. في الحقيقة اذا تأملنا قصيدة إبن زريق البغدادي هذه لتكشفت لنا من الناحية الشكلية رقة التعبير فيها وصدق العاطفة وحرارة التجربة. هذه الخصائص بالتأكيد أدت الى خلود هذه القصيدة وإعتبارها من روائع الشعر العربي بالإضافة الى الأخيلة الشعرية الوثابة التي نراها في أرجاء القصيدة والصياغة البليغة والحساسة والمرهفة والنفس الشعري الممتد والإحساس الذي جمع بين الجمال والصدق بالإضافة الى القصة التي سردها لنا الشاعر، هذه القصة المأساوية التي تجعل المتلقي يتعاطف مع الشاعر في تلك التجربة التي مر بها. وهذا قصارى ما نستطيع أن نتحدث عنه بشأن هذه القصيدة وبشأن هذا الشاعر العباسي.
المحاورة: دكتور أقدم لك شكري الجزيل لهذه الإيضاحات التي تفضلت بها حول شخصية الشاعر إبن زريق البغدادي، شكراً جزيلاً لك دكتور وأرجو منك ومن مستمعينا الكرام التواصل معنا من خلال جولة سنقوم بها في رحاب قصيدة "لاتعذليه" للشاعر إبن زريق ولكن بعد هذا الفاصل، رافقوني أيها الأحبة.
المحاورة: مستمعينا مستمعاتنا القصيدة عبارة عن تجربة قاسية ومريرة، تجربة حب ولوعة وغربة وإفتراق وفشل ذريع واجهه الشاعر في مغامرة خاضها من اجل العثور على فرص أفضل للعيش بعد أن ضاق به هذا العيش في موطنه فشدّ الرحال من هذا الوطن تاركاً وراءه حبيباً وربما زوجة يبادلها العشق وتبادله الحب والوفاء على أمل أن يعود اليها محملاً بالأموال والرزق الوفير الذي من شأنه يجعلهما يعيشان في هناء وسعادة محاطين بحبهما وتعهدهما على المضي في مسير الحياة ولكن يشاء الانسان شيئاً وتشاء الأقدار شيئاً آخر فإذا بالشاعر يخفق إخفاقاً ذريعاً في تحقيق أمانيه ليتركه حظه العاثر ليعيش الفقر والغربة الى جانب المرض ومعاناة الأمرين من فرقة الحبيب الذي طالما توسل اليه في أن لايخوض مثل هذه المغامرة وأن يلبث في وطنه متوكلاً على الخالق الذي ضمن الأرزاق للجميع. هكذا روى لنا الشاعر تجربته المريرة الغربة والفراق والمرض ليسطر لنا ملحمة رائعة تصور لنا ضعف الانسان وعجزه وهوانه امام ارادة الأقدار فلنصغي معاً أيها الأحبة الى هذا النشيد المأساوي ولكن بعد هذا الفاصل.

لاتعذليه فإن العذل يولعه

قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

جاوزت في نصحه حداً أضر به

من حيث قدرت أن النصح ينفعه

فإستعملي الرزق في تأنيبه بدلاً

من عذله فهو مضنى القلب موجعه

يكفيه من لوعة التشتيت أن له

من النوى كل يوم ما يروعه

ماعاد من سفر إلا وأزعجه

رأي الى سفر بالعزم يزمعه

تأبى المطامع إلا أن تجشمه

للرزق كداً وكم ممن يودعه

وما مجاهدة الانسان توصله

رزقاً ولادعة الانسان تقطعه

قد وزع الله بين الخلق رزقهم

لم يخلق الله من خلق يضيعه


المحاورة: نعم ويواصل الشاعر إطلاق شكواه وأنينه من عبث الأقدار ومن ذلك الإحساس الممض القاتل بالندم لتفريطه بالنعمة التي كان يرفل فيها، نعمة القرب من الحبيب والتمتع بوصاله من دون أن يقطع الأمل بالعودة وإنتهاء هذه المحنة الرهيبة التي أوقع نفسه فيها. فلنصغي مستمعينا الكرام معاً الى الشاعر وهو يعبر عن هذه المعاني:

أستودع الله في بغداد لي قمراً

بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
ودعته وبودي لو يودعني

صفو الحياة وأني لاأودعه

وكم تشبت بي يوم الرحيل ضحى

وأدمعي مستهلات وأدمعه

رزقت ملكاً فلن احسن سياسته

وكل من لايسوس الملك يخلعه

ومن غدا لابساً ثوب النعيم

بلاشكر عليه فإن الله ينزعه

إعتظت من وجه خلي بعد فرقته

كأساً أجرع منها ما أجرعه

إني لأقطع أيامي وأنفقها

بحسرة منه في قلبي تقطعه

لايطمئن لجنبي مضجع وكذا

لايطمئن له مذ بنت مضجعه

عسى الليالي التي أضنت بفرقتنا

جسمي ستجمعني يوماً وتجمعه

وإن تغل أحداً منا منيته

فما الذي بقضاء الله يصنعه


المحاورة: نكتفي بهذا القدر من الأبيات التي إخترناها لكم من قصيدة إبن زريق البغدادي آملين أن نتواصل معكم في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله تعالى عند قصيدة اخرى وشاعر آخر. في النهاية أشكرك جزيل الشكر دكتور لحضورك ولهذه الإيضاحات
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: وإن شاء الله سألتقي بك وبالمستمعين الكرام في الحلقة المقبلة فحتى ذلك الموعد في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة