خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم يسعدنا أن نجدد اللقاء بكم عند ضفاف قصيدة اخرى من قصيد الشعر العربي على مر العصور حيث اللغة الشعرية الحالمة والموحية التي تنقلنا بعيداً عبر أجواء السحر والجمال لتجعلنا نحلق في سماء المثل آفاق القيم والتفاني الروحي بعيداً عن عالم المادة وأغلال التراب، تابعونا مستمعينا الكرام عند ما أعددنا لهذا الأسبوع.
المحاورة: أيها الأحبة قصيدة "مذكرات رجل مجهول" من القصائد ذات الطعم السياسي التي يحفل بها ديوان أباريق مهشمة للشاعر العراقي المعاصر عبد الوهاب البياتي حيث يسرد لنا المذكرات اليومية لرجل بسيط من الطبقة المسحوقة التي لاتقوى ولاينبغي لها أن تتحدث أمام جلاوزة مولاها الحاكم عن معاناتها اليومية بل ليس مسموحاً لها أن تعلن تمردها حتى وهي في طريقها الى زيارة قبر مولاها الحسين حيث يلوح من بعيد رمز العزة والإباء والرفض والتمرد على ارادة الظالمين، إنها قصة كل انسان كادح بسيط مكتوب عليه أن يولد أعمى ويموت أعمى دافناً معه ذكرياته وكل ما كان يراوده من احلام بحضور غد سعيد ممكن تحقيقها للأجيال القادمة التي رمز لها الشاعر بشخصية رجل شاب يدعى سعيد. فلنتعرف معاً أيها الأخوة المستمعون على مذكرات هذا الرجل على لسان الشاعر.
أنا عامل، أدعى سعيد
من الجنوب
أبواي ماتا في طريقهما الى قبر الحسين
وكان عمري آنذاك
سنتين، ما أقسى الحياة
وأبشع الليل الطويل
والموت في الريف العراقي الحزين
وكان جدي لايزال
كالكوكب الخاوي، على قيد الحياة
أعرفت معنى أن تكون؟
متسولاً، عرياناً، في أرجاء عالمنا الكبير!
وذقت طعم اليتم مثلي والضياع؟
أعرفت معنى أن تكون؟
لصاً يطارده الظلال
والخوف عبر مقابر الريف الحزين!
وأن أمرغ ذكرياتي في التراب؟
فنحن، يامولاي، قوم طيبون
بسطاء، يمنعنا الحياء من الوقوف
أبداً على أبواب قصرك، جائعين
ومات جدي، كالغراب، مع الخريف
فدفنته في ظل نخلتنا وباركت الحياة
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة برنامجكم سير القصائد معنا في الستوديو خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، أحييكم دكتور وشكراً لهذا الحضور
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: وأنا ايضاً سعيد بلقاءكم ولقاء المستمعين الكرام
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور. دكتور سنستغل حضوركم في البرنامج لتحدثونا عن جانب مهم وبارز من الشخصية الشعرية للشاعر العراقي المعاصر عبد الوهاب البياتي ألا وهو توظيف الأقنعة والرموز الصوفية والتاريخية في المجال السياسي الذي نقصد منه تعبير الشاعر عن رفضه وإحتجاجه على الأنظمة السياسية القمعية الكابتة للحريات بلغة التاريخ ومايحفل به من رموز وأقنعة رافضة للظلم. تفضلوا
الشحمان: نعم هو كما تفضلتم، في الحقيقة يعتبر اللجوء الى توظيف الرموز والأقنعة المختلفة التاريخية والدينية والصوفية والأسطورية ايضاً، يعتبر أسلوباً من الأساليب التي لجأ اليها الشاعر العربي المعاصر هرباً من الواقع المتأزم الذي يعيشه في محاولة للبحث عن عالم أكثر روحانية وأكثر صفاءاً ونقاءاً، تنحسر فيه المادة وتتلاشى. وكان عبد الوهاب البياتي من الشعراء المؤسسين لتوظيف الأسطورة في الشعر أسوة بشعراء آخرين أكثروا من توظيف الرموز والأقنعة من مثل بدر شاكر السياب، خليل حاوي من لبنان وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل من مصر والكثير من الشعراء الآخرين. في الحقيقة الشاعر عبد الوهاب البياتي منذ طفولته عاش في بيئة صوفية، في بيئة تميل الى الأجواء الدينية والأجواء الصوفية في بغداد. قرأ منذ طفولته الشعرية أشعار كبار الصوفية وتأثر بها تاثراً كبيراً وهو نفسه يقول في هذا المجال "من الشعراء الذين قرأتهم بإهتمام بالغ الجامي وجلال الدين الرومي وفريد الدين العطار والخيام وطاغور والحلاج وغيرهم من هؤلاء الشعراء الذين حاولوا إستبطان العالم" أي حاولوا كشف العالم وحقيقته. هذه التجارب الأولى والمؤثرات الثقافية أسهمت في تكوين شخصية هذا الشاعر الثقافية والشعرية لذلك إطلع على الكثير من مصطلحات التصوف ووظفها توظيفاً ناحجاً في تجاربه الشعرية، من ضمن الأفكار التي تأثر بها الفكر الحلولي ويسمى الفكر الحلولي عن أصحاب نظرية وحدة الوجود من مثل إبن العربي والحلاج وغيرهم وهذه المصطلحات إنعكست في الكثير من أشعاره ووظفها بشكل جاف في أشعاره وأسقط هذه الرموز والأقنعة على تجاربه السياسية وكما نرى عبد الوهاب البياتي كان من الشعراء المعارضين وبسبب معارضته للنظام آنذاك أضطر الى الهرب من العراق والى معاناة الغربة فكان يتطلع الى العودة الى الوطن ويتطلع الى عالم جديد ونظيف فحاول توظيف هذه الأقنعة والرموز الصوفية. الحقيقة أحاول أن أركز حديثي حول الأقنعة والرموز الصوفية والدينية في شعر عبد الوهاب لأنها الأكثر حضوراً في شعره. من ضمن الشخصيات التي تأثر بها الشاعر الصوفي والكبير جلال الدين المولوي، أشار الى ديوانه المثنوي في القصيدة الرائعة التي نظمها وكتبها عبد الوهاب البياتي بعنوان مرثية الى ناظم حكمت يقول:
إصغي الى الناي يأن راوياً
قال جلال الدين
النار في الناي
وفي لواعج المحب والحزين
الناي يحكي عن طريق طافح
في الدم
يحكي مثلما السنين
الشحمان: ويستعير في هذا المجال، في مجال قصة المولوي مع شمس تبريز في قصيدة عبد الوهاب البياتي، قصيدته التي تحمل عنوان "قراءة في ديوان شمس تبريز" يستعير اسم امرأة لاتدل على شخصة تاريخية في الحقيقة وإنما هي من وحي خياله إسمها عائشة وربما إختار هذا السم لأنه يدل على الحياة وهو مشتق من عاش يعيش فيدل على الحياة وهنا يستعير بالإضافة الى الحياة تدل على الحب ايضاً، تدل على محبوبته التي يطمح اليها، تدل في شعره على وطنه. في قصيدة "قراءة في ديوان شمس تبريز" يستخدم هذا الرمز العرفاني الصوفي ويحاول أن يسقطه على تجربته العاطفية فيقول في هذا المجال:
قالت عائشة للناي الباكي من يقتل هذا الشاعر او يعتقه من نار الحب الأبدية ها هو ذا أوغل في السكر وأصبح بي مجنوناً وأنا أصبحت به ايضاً وكلانا مجنون سكران يبحث عن وجه الآخر في الحانة
الشحمان: في الحقيقة لاأعرف هل هناك المزيد من الوقت ام لا؟ هناك الكثير من الشخصيات الصوفية والحديث يطول عن الجانب الصوفي، هناك البياتي، أبو منصور الحلاج ايضاً هناك شيخ الاشراق شهاب الدين السهرودي ...
المحاورة: اذن دكتور نستطيع القول إن النزعة الصوفية كانت بارزة في قصائد البياتي
الشحمان: نعم وهو كذلك
المحاورة: كل الشكر والتقدير لكم ضيفنا الكريم الدكتور سعدي الشحمان على هذا التحليل الذي قدمته لنا حول هذا الجانب من شخصية الشاعر عبد الوهاب البياتي وهذه الخصيصة في شعره وهي النزعة الصوفية راجبن منك أن تسمحوا لنا بمواصلة التجوال في آفاق قصيدته "مذكرات رجل مجهول". تابعونا
وهجرت قريتنا، وأمي الأرض تحلم بالربيع
ومدافع الحرب الأخيرة، لم تزل تعوي، هناك
ككلاب صيدك لم تزل مولاي تعوي في الصقيع
وكان عمري آنذاك
عشرين عام
ومدافع الحرب الأخيرة لم تزل... عشرين عام
مولاي... تعوي في الصقيع
مازلت خادمك المطيع
وعصرنا الذهبي
مازال يغريني بقتلك
مولاي! أمثالي من البسطاء لايتمردون
لأنهم لايعلمون
بأن أمثالي لهم حق الحياة
وحق تقرير المصير
وإن في أطراف كوكبنا الحزين
تسيل انهار الدماء
من اجل انسان الغد الآتي، السعيد
من أجلنا، مولاي أنهار الدماء
تسيل من أطراف كوكبنا الحزين
الليل في بغداد، والدم والظلال
أبداً، تطاردني كأني لاأزال
ظمآن عبر مقابر الريف
المحاورة: أحبتي وصلنا وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من سير القصائد نشكركم لطيب المتابعة وأتقدم بجزيل الشكر لضيفي الكريم الدكتور سعدي الشحمان، شكراً جزيلاً لك دكتور
الشحمان: حياكم الله وأنا ايضاً أشكركم على هذه الإستضافة
المحاورة: شكراً لكم حتى الملتقى اطيب التحيات وفي امان الله.