خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته نحييكم أجمل تحية ونبعث بكم خالص الأماني ونحن نجدد اللقاء بكم عند ضفاف روضة اخرى من رياض الشعر العربي حيث باقات الأزاهير وأطباق الزهور والرياحين تحيط بنا من كل حدب وصوب لتملأ حياتنا عطراً وريحاناً وأريجاً عبقاً بشذى الكلمة الطيبة والحكمة البالغة المغلفة بالصور الفنية الساحرة والخلابة. ندعوكم أيها الأحبة الى أن تصحبونا في تجوالنا في هذا الأسبوع عبر ما قطفناه لكم من رياض الشعر العربي.
المحاورة: أيها الأحبة من الروائع الوصفية التي قدمها لنا شعراء العصر الجاهلي والتي تستوقف كل ناقد للشعر بجمال وصفها وقيمتها التاريخية والصور الفنية الراقية فيها، رائعة النابغة الذبياني الوصفية والمدحية في آن واحد والتي إرتقت قيمتها الفنية الى مستوى تنافس فيه المعلقات والتي بدأها بمقدمة وجدانية مؤثرة هي الأخرى عرفت بها على مر العصور حيث يرسم لنا الشاعر لوحة غامقة حافلة بالأحزان والهموم الذي ذهلت الشاعر حتى عن حليلته وذلك عندما يعلن قائلاً:
كليني لهم يا أميمة ناصبي
وليل أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس منقض
وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وصبر أراح الليل عازب همه
تضاعف فيه الحزن من كل جانب
المحاورة: نعم مستمعينا الكرام ولينتقل من هذه المقدمة الوجدانية الشاعر الى توظيف قدراته التعبيرية والبيانية وما أكثرها في شاعر مثل النابغة ليخرج لنا بأبيات تعد من أروع الشعر في المدح، أشعار تشعر منها الصدق بالنظر الى روعتها وقوة تأثيرها ولولا ذلك لتحولت الى أبيات مقيتة دميمة تثير القرف الملل والضجر كأكثر شعر المدائح، فلنستمع الى الشاعر لنرى هل تتفقون معنا في ذلك أم لا؟
عليّ لعمرو نعمة بعد نعمة
لوالده ليست بذات عقارب
حلفت يميناً غير ذي مثنوية
ولا علم إلا حسن ظن بصاحب
لأن كان للقبرين قبر بجلق
وقبر بصيداء الذي عند حارب
وللحارث الجفني سيد قومه
ليلتمسن بالجيش دار المحارب
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أرحب كل الترحيب بضيفي الكريم وخبير البرنامج الدائم الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الستوديو ليحدثنا عن شاعر هذه الحلقة من البرنامج الشاعر الجاهلي المتميز النابغة الذبياني وخاصة في قصيدته التي نحن بصددها والتي جمعت بين الوصف الوجداني الذاتي وبين المدح من جهة وبين وصف الحرب من خلال الإطراء على الممدوح بشجاعته وإمارات الظفر التي تصحبه دوماً خلال إنطلاقته بجيشه المنصور دوماً لخوض المعارك الضارية مع الأعداء، أرحب بكم ضيفي الكريم أهلاً ومرحباً بك
الشحمان: أحييكم بتحية الاسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة
الشحمان: وأحيي المستمعين الكرام وأنا مسرور جداً لتجديد اللقاء بكم وبالمستمعين الكرام. ولقد وصفتموني بأنني خبير دائم والدوام لله سبحانه وتعالى.
المحاورة: نعم دكتور شاعرنا لهذه الحلقة هو الشاعر الجاهلي المتميز النابغة الذبياني .
الشحمان: نعم حقاً هو يعتبر من الشعراء المتميزين والبارزين في مسيرة الشعر العربي ليس فقط في العصر الجاهلي، في الحقيقة لقبه ايضاً يدل عليه فهو النابغة الذي نبغ في الشعر وقيل لقب بالنابغة لأنه نبغ في الشعر فجأة وعندما بلغ الأربعين من عمره وحقاً كان كذلك، كان هذا الشاعر من الشعراء المقتدرين والشعراء الماهرين في أغراض عديدة من الشعر منها الوصف ومنها المدح ومنها ايضاً تصوير الحالات النفسية التي تعتري الانسان عندما يتهيب من شيء ما كما نلاحظ ذلك في إعتذارياته. وأذكر أننا قد تحدثنا في احدى الحلقات السابقة عن قصيدة من قصائد النابغة والتي كانت قصيدة إعتذارية إعتذر من خلالها من ملك الحيرة النعمان بن المنذر. على كل حال الشاعر النابغة الذبياني كان يحتل مكانة مرموقة وكبيرة وقد ظلمه من قال إن الشعر قد قضّ من مكانته، لم يكن الأمر كذلك في الحقيقة اذا أردنا أن ننصف الشاعر، كان شاعراً مرموقاً وكان معززاً ومكرماً لدى الملوك وكان ايضاً مكرماً ومحترماً لدى قومه وقبيلته بدليل سيرته وبدليل أشعاره.
المحاورة: دكتور إجتمعت كلمة النقاد على أن النابغة أحد شعراء الطبقة الأولى إن لم يكن رأس هذه الطبقة طبعاً بعد أمرء القيس ..
الشحمان: نعم هذا حسب التصنيف الذي قدمه لنا نقاد الشعر وعلماء اللغة وقد صنفوا الشاعر في الطبقة الأولى وذكروه بعد امرء القيس مباشرة وهناك نقاد آخرون يقولون إنه يقف في رأس هذه الطبقة وقد قدم الشيء الكثير للشعر العربي وبالمناسبة يعتبر النابغة الذبياني علماً من أعلام الشعر السياسي إن لم يكن الرائد الأول لهذا اللون من الشعر الذي كان الشعراء فيه يدافعون من خلال هذا النوع من الشعر عن قبائلهم.
المحاورة: حتى يقال إنه شاعر سياسي أرستقراطي
الشحمان: نعم لاشك أنه كان أرستقراطياً لأنه كان من شرفاء قومه وكان كما ذكرت لحضراتكم، كان معززاً ومكرماً لدى الملوك نظراً الى مكانته كشاعر بين القبائل العربية. النعمان بن المنذر ايضاً كان معروفاً عنه أنه كان يحب الشعر وكان يستقبل الشعراء في بلاطه كي يسهموا في شهرته بين القبائل العربية وربما بين البلدان والدول المجاورة لمملكة الحيرة. كان النابغة من ضمن الشعراء الذين عاشوا في بلاط النعمان بن المنذر حتى حدثت القطيعة المؤقتة بين الشاعر والملك عندما شدّ الشاعر الرحال الى بلاد الشام عند الغساسنة وبالتحديد عند ملك الغساسنة عمرو بن الحارث وذكرت روايات عديدة في هذا المجال حول سبب هذه القطيعة وأنا أويد الرواية التي تقول إنه ذهب كلف بمهمة من قبل قبيلته ذبيان ..
المحاورة: نعم أراد أن يتوسط لهم
الشحمان: نعم الغساسنة أسروا طائفة من قومه وكان من ضمن الأسرى إبنة النابغة فكان من الطبيعي أن يسارع النابغة بالذهاب الى الملك عمرو بن الحارث ويتوسط لديه من خلال إنشاد بعض القصائد في مدح هذا الملك ومدح الغساسنة بشكل عام، ومن بين القصائد التي مدح بها الغساسنة هذه القصيدة التي تفضلتم بإنشاد بعض من أبياتها وهي قصيدة تمتلك قيمة فنية وأدبية وبلاغية وتاريخية ايضاً نظراً الى أنه يتحدث عن الغساسنة. وبالمناسبة الغساسنة كانوا على الديانة المسيحية في ذلك الوقت. وصف من خلال هذه القصيدة الرائعة والجميلة بعضاً من العادات والرسوم والشعائر التي كان يقوم بها الغساسنة بإعتبارهم مسيحيين في أعيادهم. على كل حال الحديث يطول عن هذا الشاعر الكبير ولايمكن أن تستوعبه خمس دقائق وأن شاء الله نحاول أن نعوض عن هذا الجانب في الحلقات المقبلة.
المحاورة: نحن ممتنون لكم لما تفضلتم به من حديث قيم حول الشاعر النابغة الذبياني وشخصيته والخصوصيات التي ميزته بقوة عن سائر الشعراء. والآن دكتور اسمحوا لنا أن نتواصل مع مستمعينا الكرام عبر تطواف آخر بين جنبات قصيدة هذا الشاعر الجاهلي.
وثقت له بالنصر اذ قيل قد غزت
كتائب من غسان غير أشايب
اذا ما غزو بالجيش حلق فوقهم
عصائب طير تهتدي بعصائب
يصاحبنهم حتى يغرن مغارهم
من الضاريات بالدماء الدوائب
تراهن خلف القوم خزراً عيونها
جلوس الشيوخ في ثياب المرانب
جوانح قد أيقن أن قبيله
اذا ما إلتقى الجمعان اول غالب
لهن عليهم عادة قد عرفنها
اذا عرّض الخطي فوق الكواثب
على عارفات للطعان عوابس
بهن كلوم بين دام وجالب
أذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا
الى الموت إرقال الجمال المصاعب
فهم يتساقون المنية بينهم
بأيديهم بيض رقاق المضارب
ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
المحاورة: شكراً جزيلاً لكم مستمعينا الكرام لطيب متابعتكم لهذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد قدمناها لكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. وفي النهاية أتقدم بالشكر الجزيل للدكتور سعدي الشحمان الذي كان برفقتنا في هذه الحلقة من البرنامج، دكتور شكراً جزيلاً لكم
الشحمان: حياكم الله وأنا ايضاً أشكركم على حسن الإستضافة
المحاورة: شكراً لكم دكتور وشكراً لكم مستمعينا، الى اللقاء.