خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين سلام من الله عليكم أيها الأحبة أينما كنتم وكل المراحب لكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم تحت أفياء دوحة الشعر العربي العتيدة حيث الروائع والقصائد التي إنتزعت الإعجاب من فم الزمان على مر العصور أملين أن تمضوا معنا أطيب الأوقات وأحلاها عند قطافنا لهذا الأسبوع.
المحاورة: ترى متى سينتهي ليل الصب العاشق والولهان؟ أما لهذا الليل من نهاية؟ ومتى سيكون غده؟ أحبتي أن أخوف ما يخافه ذلك المتيم أن يمتد ذلك الليل الى يوم الحساب فلاتكون له نهاية في الحقيقة. هذا ما عبر عنه شاعرنا العاشق الولهان أبو الحسن القيرواني في قصيدته التي غدت أشهر من نار على علم والتي رددتها الألسن وعارضها الشعراء على مر الدهور وتحولت الى مدرسة جديدة في عالم الغزل العذري الرقيق، رغم أنها أنشدت في الأصل لمدح أحد الحكام الذين كان لهم فضل غزير على الشاعر المغربي التونسي الذي جاب البلاد وتحمل النكبات والمصائب بسبب الكوارث التي عصفت بمواطنيه في القيروان الذين تفرقوا في الأرض أيادي، ثم قدم رغم كل تلك المآسي من علمه الغزير الى عالم الأدب ما قدم من آثار ومؤلفات. فلنصغي معاً أيها المحبون للأدب الجميل والأصيل من خلال أبيات من هذه القصيدة الخالدة قبل أن يجمعنا اللقاء بخبير البرنامج، تابعونا.
ياليل الصب متى غده
أقيام الساعة موعده
رقد السمار وأرقه
أسف للبين يردده
فبكاه النجم ورقّ له
مما يرعاه ويرصده
كلف بغزال ذي هلف
خوف الواشين يشرده
نصبت عيناي له شركاً
في النوم فعزّ تصيده
وكفى عجباً أني قنص
للسرد سباني أغيده
يمضي من مقلته سيفاً
وكأن نعاساً يغمده
فيريق دم العشاق به
والويل لمن يتقلده
كلا لاذنب لمن قتلت
عيناه ولم تقتل يده
يامن جحدت عيناه دمي
وعلى خديه تورده
خداك قد إعترفا بدمي
فعلام جفونك تجحده
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أحبتي يشرفني أن أستضيف في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور أهلاً ومرحباً
الشحمان: حياكم الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: ولي الشرف أن ألتقيكم وألتقي المستمعين الكرام مرة اخرى
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور. دكتور نرجو في هذه الحلقة الحديث عن أحد شعراء المغرب العربي، الشاعر والأديب والعالم أبي الحسن القيرواني الذي أغنى التراث الشعري العربي بقصائده وموشحاته وأشعاره الغزلية التي تتقطر رقة وعذوبة وإبتكاراً في الصور والمعاني على عادة شعراء الأندلس والمغرب.
الشحمان: نعم صحيح ما تفضلتم به، أغنى أبو اسحق الحصري الضرير الذي ولد في مدينة القيروان في بداية القرن الخامس الهجري وإستمر عمره في نفس هذا القرن. أغنى الأدب العربي شعره وأدبه ولغته ونقده. بالمناسبة هذا الشاعر التونسي الكبير يقال إن نسبه يتصل بأحد القادة المسلمين وهو عقبة بن نافع الفهري الذي كان له الفضل في تأسيس مدينة القيروان في شمال أفريقيا، وإبن أخت هذا الشاعر هو العالم والأديب المعروف أبو إسحق الحصري صاحب الكتاب الشهير الذي نعرفه جميعاً وهو زهر الآداب. كما ذكرت لتسميتي لهذا الشاعر، كان هذا الشاعر ضريراً وعاش معظم حياته في مدينة القيروان ولكن توفي في مدينة اخرى وهي مدينة طنجة. حفظ منذ طفولته القرآن والروايات وتعلم الأدب واللغة العربية على الشيوخ في عصره ولأنه كان ضريراً، والمرجح أنه فقد بصره وهو طفل، ولأنه كان ضريراً حدى به ذلك الى أن يولع بتقليد الشاعر الكبير أبي العلاء المعري في شعره وفي نثره وفي رسائله علماً أنه كان معاصراً لأبي لعلاء المعري. الحادثة الأكبر التي أثرت في حياة أبي اسحق القيرواني حدثت في مقتبل شبابه ومارست تأثيرها على شعره وعلى أدبه هي الفتنة المعروفة بفتنة بني هلال، اذ غزت القبائل العربية المعروفة ببني هلال مدينة القيروان وحدثت فتنة في هذه المدينة أدت الى تشريد أهل مدينة القيروان الذين هم في الحقيقة أهل الشاعر وشتتهم كما تفضلتم بذكر ذلك قبل إنشاد قصيدة الشاعر وهذه النكبة التي حدثت في مدينة الشاعر آلمت الشاعر إيلاماً كثيراً كما حدث لبقية شعراء عصره. نظم في ذلك قصيدة طويلة رثى فيها أهل مدينة القيروان، يقول في هذه القصيدة:
موت الكرام حياة في مواطنهم
فإن هم إقتربوا ماتوا وما ماتوا
ياأهل ودي لا والله ما إنتكثت
عندي عهود ولاضاقت مودات
لأن بعد ثم وحال البحر دونكم
لبين أرواحنا في النوم زورات
الشحمان: على كل حال القصيدة طويلة جداً ولاأريد أن أنشدها كلها ولكن بودي أن أشير الى القصيدة الشهيرة التي تفضلتم بإنشاد بعض من أبياتها وفي الحقيقة أصفها بأنها الاسم الثاني للشاعر يعني متى ما ذكرت قصيدة ليل الصب ذكر القيرواني ومتى ذكر القيرواني ذكرت هذه القصيدة. وهي كما ذكرتم في الحقيقة أنشدها في مدح أحد الحكام وهو ابن طاهر صاحب مدينة مرسية وإشتهرت وذاعت ماشاء لها الذيوع ونسج على منوالها الكثير من الشعراء العرب. له أعمال اخرى هذا الشاعر والأديب الكبير، وله دواوين كثيرة وله قصيدة تشتمل على ألفين وخمسمئة وواحد وتسعين بيتاً نظمها في رثاء ولده الذي توفي وهو في العاشرة من عمره، يقول فيها:
إني أحبك حباً ليس يبلغه فهم
ولاينتهي وصفي الى صفتي
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي
بالعجز مني عن إدراك معرفتي
الشحمان: وبهذا البيت اختم كلامي وأرجو أن تكون هذه المعلومات مفيدة لكم وللمستمعين الكرام.
المحاورة: نحن ممتنون لك دكتور على هذه المعلومات التي زودتمونا بها نحن والمستمعين الكرام راجين منكم أن تأذنوا لنا العيش في أجواء قصيدة الشاعر التي قدم لنا من خلالها أروع الأمثلة والنماذج في فن الغزل، تابعونا مستمعينا الكرام بعد الفاصل.
إني لأعيدك من قتلي
وأظنك لا تتعمده
بالله هب المشتاق كراً
فلعل خيالك يسعده
ما ضرك لو داويت ضنى
صب يدنيك وتبعده
لم يبق هواك له رمقاً
فليبكي عليه عوده
وغداً يقضي او بعد غد
هل من نظر يتزوده
ياأهل الشوق لنا شرق
بالدمع يفيض مورده
ما أحلى الوصل وأعذبه
لولا الأيام تنكده
بالبين وبالهجر سيا
لفؤادي كيف تجلده
المحاورة: في ختام لقاءنا هذا نسأل الله تعالى أن لايبتلي أحداً بمثل هذا العشق المبرح للقلوب والمضني للأفئدة والأرواح والمدلهم ليله بغياهب اليأس والقنوط وإن كان لابد من العشق فليكن عشقنا لبارئنا المعشوق الواحد الأحد فلاشك في أن تحمل الأهوال في هذا النوع من الحب سيكون في عين الله وسنحتسب فيه الأجر العظيم والثواب الجزيل. في نهاية هذه الحلقة لايسعني إلا أن أشكر ضيفي في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان، شكراً لهذا الحضور وهذه الايضاحات حول شاعرنا لهذا الأسبوع أبي الحسن القيرواني.
الشحمان: شكراً جزيلاً لكم
المحاورة: مستمعينا الكرام حتى اللقاء القادم أترككم في أمان الله.