خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ها نحن ذا نلتقيكم من جديد بين رحاب الشعر والأدب ورياضهما الغناء حيث نحمل في جعبتنا لكم كل ما هو رائع وممتع ومفيد من روائع القصائد التي خلدها التاريخ على مر العصور لجمعها بين الأغراض والمضامين الرفيعة السامية وبين اللغة التعبيرية والبيانية المتدفقة بالسحر والفن الراقي والجمال. تعالوا معنا أيها الأحبة لنقدم لكم ما اعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع من قطوف شعرية، رافقونا.
أمتي هل لك بين الأمم
منبر للسيف او للقلم
أتلقاك وطرف مطرق
خجلاً من أمسك المنصرم
ويكاد الدمع يهمي عابثاً
ببقايا كبرياء الألم
أين دنياك التي أوحت
الى وتر كل يتيم نغم
كم تخطيت على أصداءه
ملعب العز ومغنى الشمم
وتهاديت كأني ساحب مأزري
فوق جباه الأنجم
أمتي كم غصة دامية خنقت
نجوى علاك في فمي
أي جرح في إبائي راعف
فاته الآسي فلم يلتئم
الا اسرائيل تعلو راية في
حمى المهد وظل الحرم
كيف أغضيت على الذل
ولم تنفض عنك غبار التهم
أو ما كنت اذا البغي إعتدى
موجة من لهب او من دم
كيف أقدمت وأحجمت
ولم يشتف الثأر ولم تنتقم
المحاورة: أيها الأحبة تناهت الى أسماعكم أبيات تعج بالشكوى والحسرات على ماضي الأمة المشرق بالمفاخر والأمجاد وحاضرها المفعم بالذل والخنوع والتنازلات. إنها أبيات من قصيدة من نوع الشعر الوطني الحماسي للشاعر السوري الكبير عمر أبو ريشة الشاعر الذي طالما تغنى في أشعاره بالوطن وطالما تفاعل مع قضاياه الكبرى وطالما إمتلأت قصائده بالغصص الدامية على الواقع المزري الذي تعيشه الأمة بعد ماضي حافل بالرفعة والأمجاد في كل المجالات. ومن جملة تلك القصائد مستمعينا الكرام هذه القصيدة الشهيرة التي ذاع صيتها ورددتها الألسن في كل مكان والتي عرفت بإسم "أمتي" وكان العامل الرئيس الذي أسهم في إنتشارها وذيوعها موهبة الشاعر الفذة في نظم الشعر أولاً وقدرته الفائقة في خلق الصور الشعرية وهي القدرة التي عرف بها شاعرنا أبو ريشة في جميع أشعاره ثم هذه الجزالة والمتانة التي تطالعنا في كل أرجاء القصيدة والتي تشهد للشاعر بقدرة فريدة من نوعها على التمكن من أساليب اللغة وأدوات التعبير دون أن يعتريه ضعف او فتور او تلكأ. عن الشاعر عمر أبو ريشة وإتجاهاته الشعرية وخصوصياته على صعيدي الأسلوب والمضامين سيحدثنا ضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في ستوديو البرنامج، أرحب بك دكتور أهلاً ومرحباً بك
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة
الشحمان: يملئني السرور لأن ألتقيكم مجدداً وألتقي المستمعين الكرام
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا، دكتور كما تعلمون شاعرنا لهذه الحلقة من البرنامج هو الشاعر السوري المعاصر عمر أبو ريشة الذي عرف بإتجاهاته الوطنية في أشعاره وبقدرته على خلق الصورة الشعرية والخيالية المؤثرة فأرجو دكتور أن تركز الحديث على هذا الجانب من شخصية الشاعر الشعرية.
الشحمان: نعم كما تفضلتم نقف إزاء شاعر متميز من الشعراء المعاصرين المؤسسين للحركة الشعرية المعاصرة في العالم العربي، الشاعر السوري عمر أبو ريشة، هذا الشاعر الذي جمع في شحصيته بين عدة اتجاهات، كان أديباً وشاعراً وكان في نفس الوقت تخصصه من الناحية الأكاديمية في الكيمياء وكان مهندساً صناعياً وايضاً جمع بين الأدب ونظم الشعر من جهة وبين العمل السياسي والدبلوماسي من جهة اخرى. يحتل هذا الشاعر مكانة متميزة في عالم الشعر في العصر الحديث في سوريا وفي العالم العربي بصورة عامة، يعتبر شاعراً من الدرجة الأولى وشاعراً موهوباً ومتمكناً وعاش في بيئة شعرية، في عائلة معظم أفرادها كانوا شعراء ومن بينهم والده الذي كان يعتبر من الشعراء المجيدين ووالدته التي كانت ذات نزعة صوفية وكانت أديبة ومحبة للشعر وكانت تنظم الشعر وخاصة الشعر الصوفي وكذلك إخوته وأخواته ايضاً ينظمان الشعر ولهم دواوين شعرية.
المحاورة: اذن هو ترعرع في أسرة ذات طابع أدبي
الشحمان: ذات طابع أدبي وطابع شعري فليس من بديع القول أن يصبح شاعرنا ايضاً ويتميز من بين أفراد أسرته في هذه الموهبة والمقدرة على نظم الشعر وخلق الصور، كان متميزاً بخلق الصور والأخيلة والإستعارات. كان هذا الشاعر له أسلوبه الخاص في نظم الشعر، كان ينظم القصيدة على نمط معين ثم يفاجئ المستمع والمتلقي في نهاية القصيدة ببيت مفاجئ يعبر به في هذا البيت عن كل قدراته الشعرية وكل ما يمتلكه من صور وأخيلة شعرية فكان له أسلوبه المميز والمنفرد في هذا المجال كما نرى ذلك في احدى قصائده وفي معظم قصائده في الحقيقة. لاحظوا هذه الأبيات التي نظمها من احدى قصائده وحشد فيها كماً هائلاً وكبيراً من الصور الشعرية والأخيلة الشعرية اللطيفة والمتميزة، يقول:
إنها حجرتي لقد صدأ النسيان
فيها وشاخ فيها السكوت
أدخلي بالشموع فهي من الظلمة
وكر في صدرها منحوت
وإنقلي الخطو بإتئاد فقد
يجفل منك الغبار والعنكبوت
عند كأسي المكسور حزمة
أوراق وعمر في دفتيها شتيت
الشحمان: تلاحظون أنه يستخدم تعابير متميزة بالنسبة الى الفترة التي عاش فيها ومن هذه الناحية يعتبر من المجددين في الشعر العربي وربما كان هو الممهد لظهور الشعر الرمزي في وقتنا الحاضر. اذا تعدينا هذا الجانب من شخصية عمر الشعرية يعني الجانب الخيالي ودخلنا عالم الواقع نجد في قصائد هذا الشاعر نبرة الإعتزاز والفخر فنلاحظ أن القصائد الوطنية تشكل جزءاً هاماً من شخصيته ومن ديوانه كما تفضلتم وأنشدتم أبياتاً من قصيدته الرائعة "أمتي"، وتميز بالإضافة الى ذلك بالتفاعل مع قضايا أمته بإنشاده للشعر الوطني وطرح الهموم التي تعيشها مجتمعاتنا في أشعاره وهو نفسه ايضاً من الناحية الشخصية تميز بحالة الأنفة والإعتزاز بالنفس..
المحاورة: وبنزعة وطنية
الشحمان: نزعة وطنية واضحة وكان من الشعراء الذين لم يرتضوا لأنفسهم الذل ولم يرتضوا أن يمدحوا الآخرين بالمجان ..
المحاورة: يعني لم يكن متكسباً بالشعر
الشحمان: طبعاً لم يكن متكسباً، طبعاً بالمفهوم الحديث يعني لم يكرس شعره لمدح بعض الحكام والسلاطين بل نلاحظ أن الإعتزاز بالنفس هي النبرة الطاغية على أشعاره في هذا المجال. حتى أنه يقول في هذا المجال له بيت شهير، يقول:
ما أرخص المجد اذا زارني
ولم يكن لي معه موعد
الشحمان: لأنه لم يرتض لنفسه أن يصل الى المجد عن طريق الإعتبارات المادية. ترك لنا الشاعر الكثير من الأعمال الأدبية والكثير من الدواوين والمسرحيات الشعرية التي أسهمت في إغناء مسيرة الشعر المعاصر. هذا قصارى ما نستطيع قوله حول هذا الشاعر الكبير.
المحاورة: شكراً لكم دكتور على هذه الإيضاحات التي تفضلتم بها حول شخصية شاعرنا لهذه الحلقة عمر أبو ريشة. راجين منكم أن تسمحوا لنا الآن بمواصلة تطوافنا في أرجاء قصيدة الشاعر الوطنية "أمتي"، نستمع الى باقي الأبيات من هذه القصيدة.
إسمعي نوح الحزانا وإطربي
وأنظري دمع اليتامى وإبسمي
ودعي القادة في أهواءها
تتفانى في خسيس المغنم
رب وا معتصماه إنطلقت
ملأ أفواه البنات اليتم
لامست أسماعهم لكنها
لم تلامس نخوة المعتصم
أمتي كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه
إن يك الراعي عدو الغنم
فإحبسي الشكوى فلولاك لما
كان في الحكم عبيد الدرهم
أيها الجندي يا كبش الفدا
ياشعاع الأمل المبتسم
ماعرفت البخل بالروح اذا
طلبتها غصص المجد الظمي
بورك الجرح الذي تحمله
شرفاً تحت ظلال العلم
المحاورة: مستمعينا الكرام في نهاية هذه الحلقة من برنامحكم سير القصائد لايسعني إلا أن أشكر ضيفي الكريم الدكتور سعدي الشحمان، دكتور شكراً جزيلاً لكم
الشحمان: حياكم الله وأنا ايضاً أتقدم لكم بالشكر الجزيل
المحاورة: حياكم الله دكتور وإن شاء الله سنلتقي بكم مستمعينا الكرام وبالدكتور سعدي الشحمان في الحلقة المقبلة من هذا البرنامج، الى اللقاء.