خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحمن سلام من الله عليكم مستمعينا الكرام ورحمة منه وبركات تحايانا القلبية نهديها لكم ونحن نجدد اللقيا بكم عند محطة اخرى من محطات روائع الشعر العربي، ستكون المحطة الأخيرة من هذه الدورة من البرنامج على أمل أن نواصل تجوالنا على دروب الشعر العربي عند دورة اخرى ومحطات جديدة بإذن الله.
الى كم تجيل الطرف والدار بلقع
أما شغلت عينيك بالجزع أدمع
أأنت معيري عبرة كلما ونت
يحفزها برح الغرام فتسرع
وهل عريت أرض كسوت أديمها
بماء شؤوني فهي زهراء ممرع
فمن حر أنفاسي وفيض محاجري
مصيف ترائى في ثراها ومربع
ألم تر جرعاء الحمى كيف روضت
وسال بمحمر الشقائق أجرع
فهاتيك من دمعي وهتاك من دمي
فللعين ذا مبكاً وللقلب مجزع
جرى ماء جفني عن سويداء مهجتي
فمن اجل ذا وجه الرياض مجزع
أفي كل دار انت ماسح عبرة
اذا غاض منها مدمع فاض مدمع
كأنك فيها ناظر رسم منزل
حمتها عن النظارة نكباء زعزع
كأن على عينيك عارض مزنة
تصوّب عزاليها ولاتتقشع
المحاورة: الأبيات التي تنهات الى مسامعكم مستمعينا الأفاضل ليست لشاعر جاهلي وقف أمام الديار مستعرضاً ذكرياته مع الأحباء والأخلاء ولاهي من شاعر أموي لازال فيه حنين الى الوقوف عند الديار او عباسي راح يقلد الشعراء الجاهليين في وقفاتهم وترحالهم بل هي لشاعر معاصر، نعم إنها لأحد الشعراء المعاصرين، الشاعر العراقي المعاصر عبد المحسن الكاظمي شاعر البديهة والإرتجال وشاعر البداوة والمطولات. الشاعر الذي كتب عليه أن يعيش غريباً عن بلده وأن يعاني الغربة بكل آلامها وتباريحها اذ نزح الكاظمي عن بغداد بعد مطاردة المحتلين له وبعد أن أضطر أهله الى رمي جميع ما أنتجه من شعر في نهر دجلة خشية أن يقع شاعرهم تحت وطئة السلطات فغادر العراق الى الهند ثم استقر به المقام في مصر التي أحبها وأحبته وأكرمته كما لم يكرم شاعر آخر. حتى قال في ذلك:
فكم قائل سر نحو مصر ترى المنى
وأنت على كل البلاد أمير
فقلت لهم والدمع مني مطلق
أسير وقلبي بالعراق اسير
المحاورة: وقصيدته هذه تعد من نوع الشعر الوجداني الذي إعتاد شاعرنا الكاظمي نظمه وهو يعيش في غربته ومنفاه معبراً عن حنينه الى وطنه ومحاولاً كفكفة دموعه دون جدوى حتى لايبدو وكأنه ناقف حنظل على حد تعبير امرئ القيس او كأن بزن السماء قد غشيت عينيه فهي لاتنفك تسح ماتسح من فيضها الهادر. أيها الكرام مرة اخرى أرحب بكم في هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد وفي هذه الفقرة من البرنامج شرفنا بحضوره في الستوديو ضيف البرنامج الكريم الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور اهلاً ومرحباً بك
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: عليكم السلام والرحمة دكتور
الشحمان: لي الشرف أن ألتقيكم مرة اخرى
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا. دكتور نرجو أن تحدثونا في حلقة هذا اليوم عن عملاق الشعر هذا الشيخ عبد المحسن الكاظمي الذي يذكرنا بفصاحة الشعراء الجاهليين وجزالتهم وايضاً إبداع الشعراء العباسيين وصورهم المبتكرة البديعة لكن دون تقليدهم في معانيهم ومع إحتفاظ الشاعر بأسلوبه وطريقته الخاصة في نظم الشعر. نحن على أهبة الاستعداد لسماع ما ستتفضلون به في هذا المجال.
الشحمان: في الحقيقة أنتم خلال حديثكم سلطتم بعض الأضواء على شخصية الشاعر الكبير الشيخ عبد المحسن الكاظمي الذي كان من كبار شعراء العراق والعالم العربي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وإمتد عمره حتى الربع الأول من القرن العشرين وربما أكثر. عرف هذا الشاعر الكبير وكلما ذكر الشاعر عبد المحسن الكاظمي ذكر معه شعر الفطرة وذكر معه شعر الإرتجال وذكر معه ايضاً ..
المحاورة: المعاني المبتكرة نعم
الشحمان: نعم ورث هذه الموهبة الأدبية العريقة في نفسه من أسرته وقبل أسرته من الشريف الرضي الذي قيل أنه ينتمي الى هذا النسب من جهة امه الى الشاعر العباسي الكبير الشريف الرضي لذلك فلاعجب أن نرى هذا الإبداع وهذه الموهبة الشعرية الكبيرة حيث جمع عبد المحسن الكاظمي في خصائصه الشعرية بين الإرتجال والفطرة وبين الإبداع في نظم الشعر، لم يؤثر إرتجاله في الشعر على مقدرته الشعرية في التأثير وفي خلق الصور الشعرية البديعة. كما يبدو من لقب هذا الشاعر الكبير، ولد في الكاظمية بالقرب من مرقد الامامين الجوادين عليهما السلام، كانت أسرته في البداية تعمل في التجارة ولكن يبدو أنها بعد ذلك إهتمت بالأدب والعلم ونهض منها الكثير من العلماء والأدباء ومنهم شاعرنا الذي فاق أفراد أسرته في العلم والأدب. ولأنه كان يعيش في بيئة الكاظمية فقد درس العلوم الاسلامية وايضاً اطلع على الكثير من الآداب ومنها الآداب الفارسية ايضاً واستوعب الكثير من كتب اللغة فإجتمع عاملان في شخصيته، عامل الموهبة الفطرية وعامل تلقيه لهذه العلوم الأدبية. كما ذكرتم الحدث الأكبر في حياة الشيخ عبد المحسن الكاظمي معارضته في ذلك الوقت للمستعمرين الأنجليز ونتيجة لذلك أضطر الى ترك ومغادرة العراق وللأسف الشديد أكثر أشعاره في تلك الفترة فقدت لأنها أتلفت من قبل أسرته نتيجة خشيتهم على حياتها وحياة الشاعر. هاجر في البداية الى الهند وبعد ذلك مالبث أن توجه الى مصر واشتهر هناك أيما إشتهار في الأوساط الأدبية والشعرية في مصر وكانت له علاقات ومراسلات مع الكثير من الأدباء والشعراء في مصر في ذلك الوقت فعرفته البيئة المصرية بأنه أديب كبير صاحب نفس كبيرة كما يعبر هو نفسه عن ذلك في قوله:
لو على قدر همتي وإعتزامي
صال نطقي بلغت كل مرامي
همة ترهق النجوم وعزم
ضارب في الجبال والآكام
وإبائي يرى من الضيم
أن يحمل في الدهر منة للغمام
الشحمان: الكثير من الخصائص تميز هذا الشاعر ..
المحاورة: ايضاً يمكن دكتور لعامل الغربة تأثير على الشاعر وأشعاره في المنفى..
الشحمان: نعم أكيد. جاءت أشعاره بعد أن ترك وطنه وعانى الغربة، جاءت أشعاره وجدانية وعاطفية في الحقيقة جمع فيها الجزالة والفصاحة في الأسلوب، هذه الفصاحة والجزالة التي كان يفتقر اليها الشعر في تلك الفترة في الحقيقة بعد عهد العثمانيين. جمع بين هذه الصفة وبين الإبتكار وبين الموهبة العريقة والروعة في نظم الأشعار فلم يكن شاعراً مقلداَ في الحقيقة. كان شاعراً عصامياً استطاع أن يقدم لنا الكثير منها هذه القصيدة التي تفضلتم بقراءة أبيات منها، تعتبر من روائع الشعر العربي المعاصر..
المحاورة: يعني هذه القصيدة تنبع من عاطفة جياشة جداً
الشحمان: حتى قال عنها المرحوم الدكتور مصطفى جواد، قال "لو كان الأمر بيدي لأعتبرتها معلقة ثامنة من معلقات الشعر العربي". الحديث طويل عن مثل هذه الشخصية
المحاورة: ولكن هذه الجملة تعتبر ايضاً شهادة لمكانة عبد المحسن الكاظمي في الشعر العربي المعاصر.
الشحمان: نعم نكتفي بهذا القدر من الحديث عن هذا الشاعر
المحاورة: نعم شكراً جزيلاً لكم دكتور وعلى ما يبدو داهمنا الوقت ومع الأسف الشديد الكلام لازال باقياً عن عبد المحسن الكاظمي هذا الشاعر العراقي ولكن بسبب ضيق الوقت نحن مجبرون أن نودعكم دكتور ونودع مستمعينا الكرام. على العموم نتقدم اليكم بجزيل الشكر لهذا الحضور
الشحمان: وأنا أقدم لكم شكري على حسن الإستضافة وأقدم شكري الى المستمعين الكرام الذين تحملونا طيلة هذه الفترة.
المحاورة: شكراً لكم دكتور
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: حضوركم في البرنامج كان من دواعي سرورنا. على العموم مستمعينا الأفاضل حتى الملتقى في حلقة جديدة من برنامجكم سير القصائد وحتى المجموعة الجديدة من هذا البرنامج نترككم في رعاية الله وحفظه.