خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم
أحبتي كل المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم عند واحة غناء أخرى من واحات الشعر العربي عبر برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد حيث لنا في كل محطة من محطاته وقفة نجول فيها في رحاب قصيدة من روائع الشعر العربي على مر العصور وكر الدهور فتعالوا معنا إخوتنا محبي الأدب الرفيع لترافقونا عبر ما اعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع.
المحاورة: أحبتي القصيدة التي اخترناها لكم لهذا الأسبوع هي لأحد الشعراء المصنفين ضمن فئة شعراء الحكمة والفروسية وهو الشاعر صلاءة بن عمرو بن مالك المعروف بالأفوه الأودي الذي يعد من الشعراء القدامى في تاريخ الشعر العربي حتى قيل إنه سبق في نظم القصائد شعراء من مثل عدي بن ربيعة التغلبي المعروف بالمهلهل وامرئ القيس وعمرو بن قميئة الحارثي وغيرهم حيث كاد نقاد الشعر القدامى أن يتفقوا على أن الأفوه كان من كبار الشعراء القدماء في الجاهلية وكان سيد قومه وقائدهم في حروبهم وأنهم كانوا يصدرون عن رأيه وأن العرب تعده من حكماءها. ومع ذلك فإن الأفوه الأودي يعتبر من الشعراء المقلين ومعظم شعره يدور حول الحكمة والفروسية والفخر ومنها القصيدة التي اخترناها لكم لحلقة هذا الأسبوع والتي تعد حقاً من القصائد الفريدة من نوعها في الشعر الجاهلي من حيث المضمون وإن لم يكن الشاعر مصنفاً في طبقة شعراء من أمثال زهير بن أبي سلمى وطرفة وعنترة وغيرهم ممن كانت لهم تأملات في الكون والحياة ولكن الأفوه تفوق عليهم من حيث طرحه في قصيدته نوعاً من الفكر الناضج المتمثل في ضرب من الفلسفة الاجتماعية بشأن حاجة المجتمع الى النظام والى القائد الذي يضمن تطبيق هذا النظام ويحول دون انتشار الفوضى وسيادتها في هذا المجتمع كما يتضح ذلك جلياً في قوله الشهير:
لايصلح الناس فوضى لاسرات لهم
ولاسرات اذا جهالهم سادوا
تلف الأمور بأهل الرشد ما صلحت
فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
اذا تولى سرات القوم أمرهم
نما على ذاك امر القوم فإزدادوا
المحاورة: أحبتي قبل أن نجول في رحاب قصيدة الأفوه لنا وقفة مع ضيف البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان والذي سيتحدث لنا بمزيد من التفاصيل عن هذا الشاعر وحياته وخصائصه الشعرية. دكتور أهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم وعلى المستمعين الكرام
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: ويسرنا أن أجدد اللقاء بكم
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا. دكتور شاعرنا لهذه الحلقة هو الأفوه
الشحمان: نعم الأفوه الأودي، هذا الشاعر يعتبر من الشعراء الفرسان لكنه يختلف عن الشعراء الفرسان بنزعته الحكمية في أشعاره، ضمّن أشعاره بالكثير من الحكم التي نجدها بغزارة وبشكل واسع في القصائد التي وصلتنا عنه رغم أنها كانت قصائد قليلة بشكل عام وجميعها تدور حول الفخر والحكمة رغم أنه لم يبلغ في الحكمة مستوى شعراء آخرين اشتهروا في هذا المجال من مثل عمرو بن كلثوم ومن مثل زهير ابن أبي سلمى وطرفة بن العبد وغيرهم لأن أشعارهم إمتازت بالنزعة التأملية في الحياة والكون أما بالنسبة للحكمة التي وردت في أشعار الأفوه فإنها وردت ضمن أشعاره الفخرية. تحدث عن هذا الشاعر الكثير من النقاد ومؤرخي الأدب منهم السيوطي وابن رشيق في كتابه العمدة حيث يقول في حق هذا الشاعر "إنه يعتبر من الشعراء القدماء" وهذه ميزة وخصوصية يتميز بها الأفوه ويعتبر من مؤسسي الشعر حتى قيل إنه اول من أنشد القصائد يعني أول من نظم الشعر على شكل قصائد بعد أن كانت على شكل مقاطع قصيرة وهو أقدم من شعراء آخرين من مثل المهلهل وامرئ القيس وغيرهما رغم أنه لم ينفرد بخصوصية معينة ولم يترأس مذهباً شعرياً مثلاً كما نجد عند النابغة الذبياني او شعراء آخرين من مثل امرئ القيس ولانلاحظ في أشعاره معاني فيها الكثير من الابتكار وبالنسبة الى أسلوبه نلاحظ أن البساطة هي الغالبة على قصائده والألفاظ التي يستخدمها تعتبر من الألفاظ الشائعة والقريبة الى الذهن...
المحاروة: وبالنسبة للمضامين دكتور الحكمة هي الغالبة على أشعاره..
الشحمان: نعم المضامين هي التي رفعت هذا الشاعر وهي التي ميزت أشعاره عن أشعار الآخرين وهي التي ميزت حكمه التي طرحها في أشعاره رغم أنه ينتزع نزعة تقريرية ولكن نوع الحكم التي طرحها في أشعاره ومن بينها هذه القصيدة التي نحن بصددها تتميز بالنضج في التفكير وطرح فكرة قلما طرحها الشعراء الجاهليين في ذلك الوقت وتعتبر نوعاً من الفلسفة الاجتماعية البسيطة التي يرى فيها الشاعر ضرورة وجود القائد في المجتمع لكي يهدي سفينة المجتمع الى بر الأمان ولكي لاتسود الفوضى في المجتمع ويرى أن المجتمع بدون وجود القائد او بدون وجود السراة كما يقول هو يعني المجموعة القيادية او المجموعة العقلائية في المجتمع فالمجتمع لايمكن أن يحقق النجاح في حياته ولايمكن أن ينتصر على اعداءه ويصبح لقمة سائغة عند الآخرين. له الكثير من الحكم في أشعاره وايضاً كما قلنا له أشعار في الفخر منها هذه الأبيات الشهيرة التي سأقرأ شيئاً منها والتي أخذ منها الكثير من الشعراء من معانيها وصورها، كمثل قوله:
نقود ونأبى أن نقاد ولانرى
لقوم علينا في مكارمة فضلاً
وإن بطاء المشي عند نساءنا
كما قيدت بالصيف نجدية بزلا
نظل غيارى عند كل ستيرة
نقلب جيداً واضحاً وشواً عبلا
وإنا لنعطي المال دون دماءنا
ونأبى فما نستام دون دم عقلا
الشحمان: وقيل إن معركة حدثت بين قبيلة الشاعر وهي اود. بالمناسبة أود أن أشير الى أنه من الشعراء الذين تنحدر أصولهم الى عرب الجنوب، يعتبر من الشعراء اليمانيين الذين هاجرت قبائلهم الى شمال الجزيرة العربية ..
المحاورة: يعني من العرب العاربة وليس من المستعربة.
الشحمان: نعم ولعل هذا هو السبب الى ميله الى هذا النوع من الشعر التي يضمنه الشاعر الشيء الكثير من الحكم. فمن ضمن ماقاله في هذه الواقعة التي حدثت بين قبيلته وقبيلة بني عامر حيث كتب الانتصار لقبيلة الشاعر، يقول:
ألا يالهفي لو شهدت قناتي
قبائل عامر يوم الصبيب
غداة تجمعت كعب الينا
حلائب بين أفناء الحروب
الشحمان: في الحقيقة الوقت لايسمح لنا بذكر المزيد من أشعاره
المحاورة: نعم على العموم نتقدم لكم بالشكر الجزيل دكتور لهذه الايضاحات
الشحمان: ونشكر لكم حسن الاستضافة
المحاورة: شكراً لكم هذا من دواعي سرورنا. بعد اذنكم دكتور سنكون مع أبيات اخرى من قصيدة الشاعر الأفوه الأودي ولكن بعد لحظات.
المحاورة: أحبتي ندعوكم للإستماع الى أبيات من هذه القصيدة التي إن دلت على شيء فإنها تدل على نضج في التفكير وبلوغ الى شأو بعيد من الحكمة، الحكمة الاجتماعية إن صح التعبير التي ترى وجود القائد والمرشد ضرورة كبرى لابديل للمجتمعات عنها إن أرادت هي المحافظة على كيانها وكرامتها ومكانتها بين المجتمعات الأخرى حيث يخاطب الشاعر قومه وهو يشعر بالاشفاق عليهم من هذه الفوضى التي تسودهم ويحس بالمخاطر وهي تهددهم من قبل الأعداء المتربصين بهم.
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم
وإن بني قومهم ما أفسدوا عادوا
لايرشدون ولم يرعوا لمرشدهم
فالغي منهم معاً والجهل ميعاد
كانوا كمثل لقيم في عشيرته
اذ أهلكت بالذي قد قدمت عاد
او بعده كقدار حين تابعه
على الغواية أقوام فقد بادوا
والبيت لايبتنى إلا له عمد
ولا عماد اذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة
وساكن بلغ الأمر الذي كادوا
وإن تجمعوا أقوام ذوو حسب
إصطاد امرهم بالرشد مصطاد
لايصلح الناس فوضى لاسراة
لهم ولاسراة اذا جهالهم سادوا
تلفى الأمور بأهل الرشد ما صلحت
فإن تولوا فبالأشرار تنقاد
اذا تولى سراة القوم أمرهم
نما على ذاك أمر القوم فإزدادوا
المحاورة: في نهاية هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد اتقدم بالشكر الجزيل للدكتر سعدي الشحمان، دكتور شكراً جزيلاً لكم
الشحمان: حياكم الله وشكراً على حسن الاستضافة
المحاورة: شكراً لكم دكتور إن شاء الله سنلتقي بكم وبالمستمعين الكرام في الحلقات القادمة من هذا البرنامج بإذن الله تعالى، في امان الله.