خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات. عند لقاء آخر يجمعنا بكم عند واحة اخرى من واحات الشعر العربي نتفيء من خلالها ظلال القوافي الوارفة حيث الكلمة الصادقة والصورة الجميلة والمعاني المؤثرة، ندعوكم أخوتنا المستمعين الى متابعتنا في رحاب قصيدتنا وشاعرنا لهذا الأسبوع.
المحاورة: أحبتي من منا لم يعرف الشخصية الجاهلية التي عرفت بكرمها وسخاءها اللامحدودين وبمروءتها التي ضربت بها الأمثال وذاع صيتها حتى بين الأمم غير العربية، إنها شخصية حاتم الطائي او إن شئتم فقولوا حاتم بن عبد الله بن امريء القيس الطائي الذي سيحدثنا عنه وعن شخصيته الشعرية والأخلاقية وبعض الملامح من حياته خبير البرنامج الذي شرفنا بحضوره في الستوديو، الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان. السلام عليكم وأهلاً وسهلاً بك
الشحمان: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته حياكم الله وأنا ايضاً لي الشرف لإستضافتي في هذا البرنامج.
المحاورة: نرحب كل الترحيب بضيفنا الكريم راجين من حضرتك دكتور سعدي أن تزودنا نحن والمستمعين الكرام بعض المعلومات حول شاعرنا لهذه الحلقة وهو حاتم الطائي.
الشحمان: نعم حاتم الطائي كما تفضلتم هو شخصية شهيرة ومعروفة تجاوزت حدود الجزيرة العربية شهرتها ودخلت ثقافة الشعوب الشرقية بصورة عامة من أوسع أبوابها والذي بلغت مستوى أسطورياً في بعض الأحيان في الآداب الأخرى في منطقتنا منها الأدب الفارسي والأدب الهندي وغيرهما من الآداب في البلدان الشرقية. هذا الشاعر الذي عرف بجوده وكرمه، في الحقيقة نحن نقف إزاء شخصية ليست شعرية فحسب إنما شخصية اجتماعية ايضاً عرفت بكرمها ومروءتها والمبادئ الخاصة التي كانت تؤمن بها. قيل عنه أنه كان ظفراً اذا قاتل غلب واذا غنم انهب واذا سؤل وهب واذا أسر أطلق. وقيل أنه قسّم ماله بضع عشرة مرة بينه وبين الناس، وكان قد أقسم أن لايقتل واحد امه أي هو وحيد أمه. هذا الشاعر اخذ من قبيلته طيء لقبه وفي المقابل قبيلته أخذت منه شهرتها. سوف نحاول التركيز على الجانب الشعري من شخصيته الذي عرف بنظم الشعر منذ مقتبل شبابه وعرف ايضاً بكرمه وسخاءه، هذا الكرم الذي يقال إنه ورثه عن أمه كما سترد الاشارة الى ذلك. ميلاد هذا الشاعر كان قبل حوالي ستة وأربعين عاماً قبل الاسلام لذلك كان على علاقة بشعراء كبار من مثل عبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني والحطيئة، في هذا المجال تروي احدى الروايات أنه مر عليه ذات ليلة، مر عليه عبيد وبشر بن خازم والنابغة فنحر لهم ثلاثة من ابله وهو يجهل من هم وعندما عرفهم اعطاهم كل الابل ولم يبق لديه إلا جاريته وفرسه. على كل حال حاتم الطائي توفي قبل أن يدرك الاسلام وكان له ولدان هما عدي وإبنته سفانة التي لها قصة معروفة مع النبي صلى الله عليه وآله، هي أسرت من ضمن أسرى المشركين في احدى المعارك والغزوات وعندما علم النبي صلى الله عليه وآله بأنها إبنة حاتم الطائي أطلقها من الأسر.
على كل حال شخصية حاتم الطائي يبدو لنا من أشعاره والله اعلم طبعاً أنه كان مؤمناً وموحداً وقال بعض المتتبعين لحياة هذا الشاعر إنه كان يعتنق الديانة المسيحية، وطبعاً هذه أخبار غير مؤكدة ولكننا نستشم من بعض القصائد التي قالها ربما كان موحداً على الحنيفية يؤمن بالله الذي وصفه بالرحمن في أحد أبياته التي يقول فيها:
كلوا اليوم من رزق الإله وأيسروا
فإن على الرحمن رزقكم غداً
الشحمان: القصص والروايات كثيرة حول هذا الشاعر الكبير لكن في مقدمة الكلام أشرت الى والدته ويبدو أنه ورث هذا الكرم والسخاء او كما نقول اليوم كان يحمل جينات منها في شخصيته فورث السخاء من والدته وايضاً إبنته سفانة ايضاً كانت كريمة وسخية. وحسب ما تتبعت أخباره أنه كان يؤمن بأنه الانفاق للآخرين ومساعدة الآخرين بلاحدود، كان من شأنه أن يصون عرضه ويحفظه من ظلم الآخرين وكان من شأنه ايضاً أن يعلي أسمه ويحقق له مجداً وشهرة بين الناس فمن هذا المنطلق كان يقول هو نفسه في أشعاره ونختار بعض الأبيات لكم في كرمه وافتخاره بكريم صفاته، يقول:
وعاذلة هبت بليل تلومني
وقد غاق عيوق الثريا فعردا
تلوم على إعطائي المال ظلة
اذا ظن بالمال البخيل وصردا
تقول ألا أمسك عليك فإنني
أرى المال عند الممسكين معبدا
ذريتي وحالي أن مالك وافر
وكل أمريء جار على ما تعودا
الشحمان: والى آخر الأبيات وللأسف الوقت يداهمنا ويضيق المجال في الحديث عن جميع جوانب هذه الشخصية الكبيرة التي جمعت بين الصفات الأخلاقية وبين القدرة على نظم الشعر المؤثر في هذا المجال.
المحاورة: الدكتور سعدي الشحمان نشكرك جزيل الشكر على حضورك معنا في الستوديو
الشحمان: وأنا أشكركم ايضاً على حسن الاستضافة
المحاورة: شكراً لكم، مستمعينا تحدثنا حول الشاعر حاتم الطائي، لاتتركوا المذياع إبقوا معنا لنواصل برنامج سير القصائد الذي تستمعون اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، بعد الفاصل ندعوكم إن شاء الله للعيش مع اجواء القصيدة.
المحاورة: أعزائي حكاية قصيدة حاتم الطائي التي سنتوقف عندها اليوم هي حكاية القصيدة التي جعلته يفوز بقلب ماوية حيث تروي الحكايات العديدة التي وصلتنا أن ماوية كانت أشبه بالملكة فتتزوج من تشاء هي ولاتنتظر أن يخطبها احد ويروي أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني هذه القصة حيث يذكر في هذا المجال أن ماوية كانت من عائلة ثرية وكان لها الحق أن تختار زوجها. وفي ذات يوم أرسلت الى كل من الشاعر النبيني والنابغة الذبياني وحاتم الطائي وكان الثلاثة يطمعون بالزواج منها فقالت لهم ليقل كل منكم شعراً يذكر فيه خصاله وأفعاله وفضائله وأن أقرر بعد ذلك وأتزوج اكرمكم وأشعركم، وأنشد الثلاثة أمامها ففاز حاتم حيث كان الأكرم والأشعر، فكانت ابيات الرائعة التالية التي سننشدها على مسامعكم أعزتنا المستمعين بعد الفاصل.
أماوية قد طال التجنب والهجر
وقد عبرتني في طلابكم العذر
أماوية إن المال غاد ورائح
ويبقى من المال الأحاديث والذكر
أماوية أني لااقول لسائل
اذا ماجاء يوماً حل في مالنا نزر
أماوية إما مانح فمبين
وإما عطاء لاينهنه الزجر
أماوية مايغني الثراء عانفة اذا
حشرجت نفس وضاق بها الصدر
اذا أنا دلاني الذين أحبهم
بملحودة زنج جوانبها غبر
وراحوا عجالاً ينفضون أكفهم
يقولون قدمنا اناملنا الحفر
أماوية إن يصبح صداي بقفرة
من الأرض لاماء هناك ولاخمر
تري أنما اهلكت لم يك در
وأن يدي مما بخلت به صفر
أماوية أني رب واحد امه
أجرت فلا قتل عليه ولاأسر
أماوية أن المال مال بذلته
فأوله سكر وآخره ذكر
وقد علم الأقوام لو أن حاتماً
أراد ثراء المال كان له وفر
المحاورة: أعزائي الأفاضل ويمضي الشاعر بالافتخار بشخصيته وبمكارم الاخلاق التي جبلت عليها وخاصة في مجال عدم التعلق بالمال مذكراً بأن المال لايمتلك بحد ذاته قيمة ذاتية وإنما هو مجرد وسيلة لإغاثة الملهوف ولذلك فإن على الانسان أن لايتملكه الطغيان والغرور والتكبر على الآخرين بسبب إمتلاكه للأموال الطائلة وأن لايدفعه هذا الشعور بالإستغناء الى ظلم الآخرين لأن ما كان فانياً لاينبغي أن يكون ركيزة يرتكز عليها الانسان ويعتمد عليها بل عليه أن يستغله لتحصيل الذكر الطيب وترسيخ القيم الأخلاقية الرفيعة في نفسه كما يحدثنا الشاعر عن ذلك حينما يعلن قائلاً:
وأني لا آل بمال صنيعة
فأوله زاد وآخره ذخر
يفك به العاني ويؤكل طيباً
وما إن تعريه القداح ولا الخمر
ولاأظلم إبن العم إن كان إخوتي
شهوداً وقد أودى بإخوته الدهر
غنينا زماناً بالتصعلك والغنى
كما الدهر في أيامه العسر واليسر
لبسنا صروف الدهر ديناً وغيضة
وكلاً سقاناه بكأسيهما العصر
فما زادنا بغياً على ذي قرابة غنانا
ولاأزرى بأحسابنا الفقر
فقدماً عصيت العاذلات وسلطت
على مصطفى مالي أناملي العشر
وماضر جاراً ياإبنة القوم فإعلمي
يجاورني أن لايكون له ستر
بعيني عن جارات قومي غفلة
وفي سمعي عن حديثهم وقر
المحاورة: أحبتنا الأفاضل انتظرونا في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله عند قصيدة اخرى وشاعر آخر عبر برنامجكم سير القصائد. نستودعكم الله ودمتم في رعايته راجين أن تكونوا قد أمضيتم معنا دقائق أزاحت عنكم كدر الحياة وجددت نشاطكم واقبالها عليكم بين خمائل الشعر ورياضه.