البث المباشر

الشاعر بلند الحيدري ۱

الأحد 21 يوليو 2019 - 11:33 بتوقيت طهران

خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أيها الأحبة من دواعي سرورنا أن نجدد اللقاء بكم بين العوالم الشعرية وآفاق القوافي على مر العصور حيث الإبداع والجمال وحيث قوة التأثير المستمد من اللغة الشعرية العجيبة في سحرها وإستقطابها للأرواح والنفوس، هذه اللغة التي لاتتأتى إلا لمن أودع الإله في ذاته قدرة ترك الإنطباع من خلال التحكم في الكلمات وإختيار الموحي والمؤثر منها. رافقونا أيها الأحبة عند ما أعددناه لكم في هذا الأسبوع من سير القصائد.
المحاورة: أيها الكرام من مصر الكنانة وشعراءها الذين تميزوا بالرفض والإحتجاج والتعاطف الى حد الاتحاد والإمتزاج مع قضايا الأمة ننتقل بكم الى أرض الشعراء منذ القدم، أرض الرواد السباقين دوماً في الآفاق الشعرية، أرض الرافدين التي أنجبت ومازالت كبار الشعراء الذين رسموا الخارطة الشعرية على مستوى العالم العربي وحددوا ملامحها وإتجاهاتها من مثل الشاعر الذي نحن بصدد الحديث عنه وعن شعره في حلقة هذا الأسبوع، إنه الشاعر الكبير الرائد بلند الحيدري شاعر المنافي وشاعر الغربة والتشرد والشاعر الذي لطالما شكى فقدان الانسان لهويته في ظل انظمة القمع والاستبداد ولطالما حارب ظاهرة الارهاب الفكري والقمع السياسي ضد النخبة المثقفة من الأمة سواء تمثلت بالشعراء أم الكتاب والمنظرين وكل من حملوا لواء تغيير الواقع المدان. كما نلاحظ ذلك في قصيدته التي اخترناها لحلقة هذا الأسبوع من سير القصائد والتي تحمل العنوان "أنت مدان ياهذا" ومنهم من يحلو له أن يسميها "الهويات العشر" فلنستمع معاً أيها الأحبة الى مقطع من هذه القصيدة قبل ان يجمعنا اللقاء بخبير البرنامج، رافقونا أيها الأحبة.

وخرجت الليلة

وكانت في جيبي عشر هويات

تسمح لي أن أخرج هذي الليلة

أسمي بلند بن أكرم

وأنا من عائلة معروفة

لم أقتل أحداً لم أسرق أحداً

بجيبي عشر هويات تشهد لي

فلماذا لاأخرج هذي الليلة؟

كان البحر بلا شطئان

والظلمة كانت اكبر من عيني انسان

أغمق من عيني انسان

ورصيف الشارع كان خلواً

إلا من صوت حذائي

أجمع ظلي في مصباح حيناً

وأوزعه حيناً

وضحكت

لأني أدركت بأني أملك ظلي

وبأني أقدر أن أرميه ورائي

أن أغرقه في بركة ماء وحل

أن أسحقه تحت حذائي

أن أخلقه بين ردائي

والظل ورائي

ما أكبر ظلك انساناً

يملك عشر هويات

في زمن لايملك أي هوية!!


المحاورة: تحياتي لكم أيها الكرام من جديد وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم الأسبوعي سير القصائد. يشرفني في الستوديو حضور الدكتور سعدي الشحمان، دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
المحاورة: حياكم الله دكتور أرحب بكم دكتور في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا ويجمع المستمعين الكرام بكم، راجين دكتور أن تحدثونا هذه المرة عن أحد الشعراء المصريين المعاصرين الذين كانت لهم الريادة في الشعر وهو الشاعر بلند الحيدري الذي طالما طرق اسمه أسماعنا في عالم الشعر الذي يحاول الشاعر من خلاله معالجة أزمة الهوية لدى الانسان العربي المعاصر وأزمة المثقف الذي يبدو لاحول ولاقوة له إزاء الأنظمة الشمولية الكاتمة للأنفاس وأزمة الشاعر نفسه الذي عانى تجربة النفي والتشرد والتغرب المريرة ردحاً كبيراً من حياته. تفضلوا
الشحمان: نحن في هذه الحلقة من البرنامج نقف إزاء أحد الشعراء الرواد في مسيرة الشعر العراقي المعاصر وفي مسيرة الشعر العربي بشكل عام فهو يقف في مستوى واحد وجنباً الى جنب مع شعراء الريادة والتجديد في الشعر العربي والإنعطاف نحو ظاهرة الشعر الحر مثل نازك الملائكة وبدر شاكر السياب
المحاورة: والبياتي
الشحمان: نعم عبد الوهاب البياتي. هذا الشاعر الكبير الذي يدل أسمه على أنه ينتمي الى أصول كردية يقال إنه ولد في منطقة بين مدينة اربيل والسليمانية وكان من عائلة عريقة اذ أن جده من والدته كان يشغل منصب شيخ الاسلام إبان عهد الامبراطورية العثمانية وكان والده ضابطاً كبيراً في الجيش العراقي وينتمي الى عشيرة معروفة برزت منها عدة شخصيات منها شخصية الزعيم السياسي المعروف جمال الحيدري وكذلك اخيه مهيب الحيدري وأخوه صفاء الحيدري ايضاً كان من الشعراء الكبار الذين قدموا عدة دواوين شعرية طبعت في العراق رغم أنه كان يتصف بنزعة وجودية متمردة. عاش هذا الشاعر الكبير حياة مفعمة بالتشرد ومفعمة بالأحداث الكبيرة فقد توفي والده، وبالمناسبة ولد هذا الشاعر سنة ۱۹۲٦ يعني في ثلاثينيات القرن الماضي وتوفي والده سنة ۱۹٤٥ والشاعر لايزال في مطلع شبابه والقضايا السياسية أدت الى أن تسمح لهذا الشاعر أن يسير في جنازة والده وعاش فترة من حياته في تشرد في بغداد...
المحاورة: بسبب إنتماءاته السياسية لم يسمحوا له ..
الشحمان: نعم وهو ايضاً كان يحمل نزعة متمردة وكان يعارض النزعة البيوقراطية لعائلته فعمل مدة ككاتب للعرائض أمام وزارة العدل في ذلك الوقت عندما كان خاله وزيراً للعدل في ذلك الوقت وكان هذا تحدياً منه لعائلته. اما بالنسبة لثقافة هذا الشاعر والحديث يطول عن ثقافته لأنه في الحقيقة كان من الشعراء المثقفين فلم يقتصر نتاجه على الشعر وإنما تطرق الى عدة مجالات وقدم الكثير من الدراسات خاصة الدراسات النقدية ولكن الشيء الوحيد الي لم يتطرق اليه هي قضية ريادته في الشعر فلم يتحدث في هذا المجال ربما لطبيعته المتواضعة لكن الشعراء الآخرين مالبثوا أن إعترفوا بشاعريته وبموهبته الشعرية والعطاءات التي قدمها للشعر العربي وخاصة في مجال التجديد وفي مجال خوض تجربة الشعر الحر مثلاً عبد الوهاب البياتي الشاعر الكبير يقول عنه في هذا المجال "إن بلند الحيدري مبدع في أساليبه الجديدة التي حققها وفي طريقته التي لايقف فيها معه إلا شعراء قلائل من العراق". الشاعر الكبير الرائد بدر شاكر السياب ايضاً يقول فيه "هناك عدة شعراء أكن لهم كل تقدير وإعجاب وعلى رأسهم بلند الحيدري الذي كان ديوانه خفقة الطين" وهو الديوان الأول الذي أصدره بلند، كان اول ديوان صدر من ثلاثة دواوين وهذه الدواوين الثلاثة كانت فاتحة عهد جديد..
المحاورة: وهذه الأقوال دكتور بحد ذاتها تعتبر شهادة فخر لهذا الشاعر..
الشحمان: شهادة فخر لهذا الشاعر الكبير الذي لم تحدث عن نفسه كثيراً..
المحاورة: وهذه ربما تعتبر ميزة جيدة في شخصيته ايضاً
الشحمان: نعم نعم من المزايا الجيدة كما تفضلتم والتي إعترف له بها الكثير من زملاءه الشعراء والأدباء. وفي الحقيقة عندما نتحدث عن الشاعر بلند الحيدري فإننا نضطر التحدث عن نزعة التمرد، نزعة الإحتجاج ضد الواقع وضد السياسة في الكثير من الدول العربية، السياسات القمعية وسياسات الارهاب الفكري التي تمارس ليل نهار ضد النخبة وضد المثقفين وعلى رأسهم الشعراء والأدباء. هو يتحدث كثيراً في أشعاره عن الغربة، عن التشرد ويتحدث عن أزمة الهوية كما تفضلتم، يتحدث عن المنفى فهو عاش تجربة المنفى حتى وفاته وتوفي وهو في المنفى فإنعكست هذه التجارب المرة التي مرت به في حياته وتركت خطوطاً واضحة في حياته الشخصية وحياته الشعرية إنعكست بشكل ناضج في نتاجاته الشعرية التي قدمها هذا الشاعر الكبير. وأستطيع أن أعبر عنه أنه يعتبر كالشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى من حيث أن النقاد وصفوه أنه كان من عبيد الشعر وأنه لم يقدم شعره إعتباطاً وإنما كان يبذل كل جهده في التدقيق والعناية بالشعر قبل أن يقدمه للقراء فهو يذكرنا بهذا الشاعر الجاهلي وبهذه المدرسة الشعرية لذلك قال عنه زميله وصديقه الأديب الفلسطيني الكبير جبرى ابراهيم جبرى، يقول عنه إنه "كالفنان الحاذق لايلقي بالألوان على لوحته جزافاً ولايرسل الخطوط أنى إتجهت، أنه يورد تفاصيله مرتبطة متماسكة فتنمو القصيدة بين يديه نمواً من الداخل ككل الأعضاء الحية فإذا بها في النهاية وحدة كاملة لها اول ووسط ونهاية".
المحاورة: شكراً جزيلاً لك دكتور وارجو المعذرة على المقاطعة مع الأسف الشديد لقد داهمنا الوقت. على العموم أشكرك جزيل الشكر
الشحمان: وشكراً لكم إن شاء الله نكمل حديثنا في الحلقة القادمة
المحاورة: حياك الله دكتور. في الحلقة المقبلة ايضاً نخصص الحلقة حول هذا الشاعر العراقي المعاصر بلند الحيدري. حتى الملتقى أطيب المنى ودمتم في رعاية الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة