خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا مستمعاتنا في كل مكان السلام عليكم باقة معطرة من ورد الشعر ورياحين القوافي وياسمين الصور الشعرية الفتانة والخلابة نقدمها اليكم بعد أن أسعدنا الحظ بتجديد اللقاء بكم محبي الشعر وعشاق القوافي عند درب آخر من دروب روائع الشعر العربي والأمل يحدونا في أن تمضوا معنا في محطتنا لهذا الأسبوع دقائق كلها متعة وفائدة، ندعوكم لمرافقتنا.
ياامي اليمن الخضراء وفاتنتي
منك الفتون ومني العشق والشهر
ها أنت في كل ذراتي وملأ دمي
شعر تعنقده الذكرى وتعتصر
وانت في حضن هذا الشعر فاتنة
تطل منه وحيناً فيه تستتر
وحسب شاعرها منها اذا إحتجبت
عن اللقى أنه يهوى ويدكر
وأنها في مآقي شعره حلم
وأنها في دجاه اللهو والسمر
فلا تلم كبرياها فهي غانية حسناً
وطبع الحسان الكبر والخفر
المحاورة: أيها الكرام تناهت الى أسماعكم الكريمة قبل الفاصل أبيات أخرى من قصيدة الشاعر اليمني المعاصر عبد الله البردّوني، الشاعر الكثيف الذي إستطاع بعيون روحه وبصيرة نفسه المكتشفة لمواطن الجمال في أصولها وحقيقتها أن يتملى جمال موطنه وأي موطن؟ إنه اليمن! اليمن السعيد الذي كرس الشاعر له وجوده وأحبه بكل اخلاص فغنى له ماشاء له الغناء وترنم بمرابعه الخضر ومياهه الرقراقة وجباله الشم وسهوله الفسيحة الملئى ببركة الخالق وخيراته حتى لايخيل لنا ونحن نجيل النظر بين أبيات قصيده أنه يتغزل بجارية حسناء تختال أمامه زهواً فلايجد بداً وهو الشاعر المتعشق للجمال من أن يطلق عقيرته بالشذو ليهدي لنا أجمل البيات معبراً عن حبه بل عشقه لهذه الغابة التي سلبت لبه وسحرت فؤاده، هذه الغابة التي من حقها أن تفخر بجمالها وتصد عن طلابها وتتيمهم بغنجها ودلالها فتتركهم في لوعة تحرقهم لواعج الحب وتضرعهم آهات الشوق والتعطش الى اللقاء والوصال.
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامج سير القصائد. اليوم نتحدث عن الشاعر عبد الله البردّوني هذا الشاعر المقتدر الذي استطاع أن يتجاوز عجزه ويصنع لنفسه عيوناً في القلب والروح تخترق المسافات وتغوص في عمق الأشياء ليكمل الحديث عنه وعن شعره وأسلوبه الذي تميز به بشدة عن سائر الشعراء في الصورة والمعنى ضيفنا الكريم الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان الذي شرفنا بحضوره في الستوديو. دكتور السلام عليكم
الشحمان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ولنا الشرف وتحياتي لكم وللمستمعين الكرام
المحاورة: حضوركم من دواعي سرورنا. دكتور اليوم إن شاء الله سنتحدث عن الشاعر اليمني عبد الله البردّوني.
الشحمان: في الحقيقة سوف نكمل الحديث عن هذا الشاعر الكبير عبد الله البردّوني نسبة الى القرية التي ولد فيها وهي البردّون في اليمن. هذا الشاعر الثوري الساخر في نفس الوقت في ثورته والجريء. رغم القيود الطبيعية التي طغت عليه اذ أشرتم الى أنه كان كفيفاً لكنه كان جريئاً في مواجهته حتى أنه زج في غياهب السجن رغم عدم قدرته على الإبصار. هذه هي النفسية التي يتمتع بها هذا الشاعر، الثورة، الغضب وإستخدام الأساليب الساخرة في نقده للأوضاع وخاصة الأوضاع السياسية في بلده اليمن والذي عاصر الكثير من أشكال الحكم ومنها الحكم الملكي ومن ثم الحكم الجمهوري. يتميز هذا الشاعر الكبير بأنه كان متفاعلاً الى حد الإلتحام مع قضايا بلده بشكل خاص، مع قضايا اليمن التي كانت وماتزال تحفل بالكثير من الأحداث السياسية فهو يعتبر من هذه الناحية يعني التطرق الى المواضيع السياسية والتعبير عن حبه لوطنه كما نلاحظ في الأبيات التي أنشدتموها من قصيدته من أرض بلقيس فهو من هذه الناحية يمثل علامة فارقة في مسيرة الشعر العربي المعاصر وخاصة في مجال التجديد في الأسلوب وفي المضمون على حد سواء. في الأسلوب هو إستطاع أن يطوع القصيدة العربية التقليدية للمقتضيات التي تتطلبها حركة الحداثة الشعرية في العصر الحديث من الزاويتين او الجهتين، من جهة الرؤية ومن جهة البنية يعني نبية القصيدة وفي نفس الوقت استطاع أن يحافظ على الشكل التقليدي للقصيدة الخليلية.
المحاورة: دكتور حب الوطن هذا الموضوع نراه متفشياً في أغلب القصائد وأغلب دواوين الشعراء من الماضي وحتى وقتنا الحاضر ولكن هذا الشاعر أتى بأسلوب جديد...
الشحمان: في مجال حب الوطن وفي مجال التفاعل مع القضايا والأحداث السياسية التي حدثت في وطنه فقد عاش وهو يدعو الى قيم الحرية والعدالة، عاش معتزاً بنفسه. نعم هذا الشاعر عاش معتزاً بآراءه واعلن حرباً لاهوادة فيها، الشاعر بطبيعته كان متمرداً على الواقع السياسي في اليمن وفي نفس الوقت كان ملتزماً الى أبعد الحدود وكان يرفض محاولات الإحتواء، إحتواءه من قبل النظام او من قبل بعض الأحزاب السياسية.
المحاورة: اذن لم يكن ينتمي الى حزب سياسي معين؟
الشحمان: لم ينتمي الى حزب معين
المحاورة: بل كان حراً في آراءه
الشحمان: نعم ولعله لهذا السبب عاش ها الشاعر الكبير، والعظماء دائماً هذا هو مصيرهم. عاش فقيراً ومعدماً حتى لايكاد يجد كفاف يومه. توفي في الغربة وفي بلد غير وطنه دون أن يعلم به أحد...
المحاورة: وهذا هو حال معظم الشعراء
الشحمان: نعم معظم الشعراء الكبار والعباقرة والنوابغ بصورة عامة. أحب هنا وقبل أن أختم حديثي وربما طال الحديث. في بعض الأبيات من قصيدته الشهيرة الرائعة والتي كانت بمثابة بوابة العبور الى الشهرة وهي قصيدة "أبو تمام وعروبة اليوم" عرض فيها قصيدة أبو تمام المعروفة "السيف أصدق أنباءاً من الكتب" يقول:
حبيب وافيت. حبيب هو أسم الشاعر أبو تمام
حبيب وافيت من صنعاء يحملني
نسر وخلف ضلوعي يلهث العرب
ماذا احدث عن صنعاء ياأبت
مليحة عاشقاها السل والجرب
ما أصدق السيف. يقول في بداية القصيدة:
ماأصدق السيف إن لم يمضه الكذب
وأكذب السيف إن لم يصدق الغضب
بيض الصفائح اهدى حين تحملها
أيدي اذا غلت يعلو بها الغلب
وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا فهم
سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا
الشحمان: لاأريد إطالة الحديث أكثر لأترك لكم المجال إن كان هناك مجالاً طبعاً
المحاورة: شكراً جزيلاً لكم على ما يبدو لم يكن هناك من الوقت لقراءة بعض الأبيات. على العموم نشكرك جزيل الشكر وشكراً على هذه الإيضاحات
الشحمان: حياكم الله سرني ان ألتقيكم من جديد
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا وإن شاء الله سنلتقي بكم وبمستمعينا الكرام في اللقاء القادم من سير القصائد حتى ذلك الحين نترككم في رعاية الله، الى اللقاء.