خبير البرنامج: الدكتور سعدي الشحمان
المحاورة:بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين. أيها الأخوة والأخوات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. كل المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا معكم عند دروب عيون الشعر العربي وقصائده الغراء عبر برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد راجين أن تقضوا معنا أطيب الأوقات وأحلاها بين رياض الشعر وعبقات القوافي. إصحبونا أيها الكرام.
المحاورة:أيها الأحبة قبل أن يجمعنا اللقاء مع خبير البرنامج الدائم الدكتور الأستاذ سعدي الشحمان ستكون لنا جولة بين أرجاء قصيدة الشاعر الأندلسي إبن حمديس الصقلي التي وصف من خلالها ليلة ماطرة، فهي اذن تعتبر من شعر وصف الطبيعة الذي عرف به شعراء الأندلس الذين عرفوا برقة أسلوبهم الشعري وطرافة معانيهم وجمال صورهم الفنية والتمثيلية. ولم يكن شاعرنا إبن حمديس مستثناً من هذه الخصوصية إن لم نقل فاق الكثير من الشعراء من أبناء جلدته في هذا اللون من الأغراض الشعرية. فلنستمع معاً أيها الأحبة الى مقطع من هذه القصيدة التي نظمها الشاعر على بحر الرمل ليزيدها هذا اللون الخفيف ذو الإيقاع الموسيقي المتميز جمالاً على جمال.
نثر الجو على الأرض برد
أي در لنحور لو جمد
لؤلؤ أصدافه السحب التي
أنجز البارق منها ما وعد
منحته عارياً من نكد
وإكتساب الدر بالغوص نكد
ولقد كادت تعاطى لقطه
رغبة فيه كريمات الخرد
وتحلي منه أجياداً اذا
عضلت راقتك في حلي الغيد
ذوبته من سماء أدمع
فوق أرض تتلقاه بخد
فجرت منه سيول حولنا
كثعابين عجال تطرد
وترى كل غدير متأقن
سبحت فيه قوارير الزبد
من يعاليل كضيد وضعت في
إشتباك الماء من فوق زرد
أرق الأجفان رعد صوته
كهدير القرم في الشول حفد
بات يشتاب بأبكار الحياة
بلداً يرويه من بعد بلد
فهو كالحادي راوياً إن ونت
في السرى صاح عليها وجلد
المحاورة:حياكم الله مستمعينا الأفاضل بعد الاستماع الى هذه الأبيات وهذه القصيدة الجميلة التي أبدع الشاعر فيها وقدم لنا صوراً وصعية وتمثيلية دقيقة لمشهد من مشاهد الطبيعة ألا وهو هطول المطر مصحوباً بالبرد ليلاً على ما حفلت به الطبيعة في الربيع من نبت وشجر. ومما زاد من جمال هذه الصورة منظر السماء المظلمة يشق ظلمتها البرق بنوره الساطع الخاطف بين الحين والآخر. إنها صورة رسمها لنا الشاعر إبن حمديس الأندلسي الذي سيحدثنا عنه وعن قصيدته هذه ضيفنا الكريم الدكتور سعدي الشحمان، اهلاً ومرحباً بكم دكتور.
الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم وعلى المستمعين الكرام
المحاورة:عليكم السلام والرحمة
الشحمان: في هذا اللقاء الذي يسرني أن يجمعني بكم من جديد في هذا البرنامج.
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور. في البداية دكتور هلا حدثتمونا أولاً عن الشاعر نفسه وعن هذا الغرض الذي اشتهر به وأبدع وهو وصف الطبيعة.
الشحمان: في الحقيقة وصف الطبيعة ليس ببدع من القول بالنسبة لشعراء الأندلس او شعراء المغرب كما أصطلح عليهم. يعتبر إبن حمديس من الشعراء البارزين، من جملة الشعراء القلائل البارزين في هذا المجال، في مجال وصف الطبيعة. خاصة وأنه ولد في جزيرة صقلية، هذه الجزيرة التي تميزت بجمال طبيعتها وسحرها الخلاب. ربما كانت نزعة إبن حمديس الى وصف الطبيعة نابعة من أنه قضى شبابه وطفولته في هذه الجزيرة الحالمة في البحر المتوسط والتي حلت بها فيما بعد نكبة سيطرة الافرنج عليها وهذه النكبة إنعكست على أشعار هذا الشاعر حتى وهو يتطرق الى بعض الأغراض التي تبدو او يفترض أن يكون فيها الشاعر بعيداً عن الحزن وعن النزعة التأملية لكنه مال الى هذه النزعة في بعض القصائد نتيجة لتأثره بهذه الحادثة التي تعتبر نكبة بالنسبة للمسلمين. على كل حال يعتبر إبن حمديس الذي عاش في القرن الخامس الهجري من الشعراء المبدعين والمبتكرين الذين قدموا لنا أحلى الأشعار في وصف الطبيعة بالاضافة الى الأغراض الأخرى والمضامين التي تطرق اليها وبالاضافة الى بعض الأشعار التي قالها في مدح الخليفة والحاكم في ذلك الوقت وهو المعتمد بن عباد. في الحقيقة تعرض هذا الشاعر للكثير من الأحداث خلال حياتها ومن بينها أنه قد سجن من قبل المعتمد نفسه وقال بعض الأشعار في هذا المجال. ترك لنا ديواناً شعرياً جميلاً، اتفق النقاد على أن اكثر قصائده في هذا الديوان هي من النوع الجيد. بطبيعة الحال معظم شعراء المغرب او شعراء الأندلس او شعراء شمال افريقيا بصورة عامة كانوا متأثرين بشعراء المشرق...
المحاورة: نعم كما نرى أغراضهم الشعرية شبيهة جداً..
الشحمان: شبيهة حيث تأثروا بعمالقة الشعر في المشرق الاسلامي ..
المحاورة: في الحقيقة كانوا قدوة لهم.
الشحمان: نعم كانوا قدوة لهم دون أن نغمط حق شعراء المغرب الذين هم ايضاً أبدعوا ولكنهم تأثروا في بعض المعاني بشعراء المشرق من مثل البحتري والمتنبي وابن المعتز ولاأريد أن اطيل كلامي حول شخصية هذا الشاعر.
المحاورة: طيب دكتور ماذا عن قصيدة هذا الشاعر التي إخترناها لمحطتنا في هذا الاسبوع من هذا البرنامج وماذا عن أشعاره الأخرى التي وصف من خلالها مشاهد الطبيعة الأندلسية الساحرة؟
الشحمان: في الحقيقة القصيدة الجميلة والسلسة والرائعة ذات الايقاع الموسيقي الجميل على الاذان التي تفضلتم بقراءة بعض من أبياتها والتي جاء على بحر كما تفضلتم بحر موسيقي إيقاعي خفيف هي من الأشعار التي وصف فيها إبن حمديس الطبيعة وقدم لنا صوراً فنية جميلة خاصة في هذه القصيدة التي أريد أن أقول إنها قصيدة تخصصية حيث صور فيها مشهداً خاصاً من مشاهد الطبيعة وهو مشهد هطول المطر والبرد في الليل وفي فصل الربيع حيث تبدو الموجودات غارقة في عتمة الليل لكن الشاعر استطاع أن يوصف لنا هذه الليلة المظلمة..
المحاورة: ويرسم لنا لوحة جميلة حقاً
الشحمان: لوحة جميلة تتخللها ظلال مضيئة اذا صح التعبير من البرق الذي كان يشق السماء في تلك الليلة. نعم أشعار وصف الطبيعة تكثر في أشعار وديوان إبن حمديس ومن ضمنها قوله:
طرقت والليل محدود الجناح
مرحباً بالشمس في غير صباح
في غير صباح، لاحظوا التشبيه الجميل.
فالقضيب إهتز والبدر بدا
والكثيب إرتج والعنبر فاح
والثريا رجح الجو بها
كبن ماء ضم للوكر جناح
وكأن الغرب منها ناشق
باقة من ياسمين او أقاح
هذه ايضاً صورة من الصور الشعرية الجميلة التي وصف من خلالها الطبيعة وربما كانت هناك أبيات اخرى.
المحاورة: نعم أكيد هناك كلام شيق حول هذا الشاعر والأشعار الكثيرة والحديث كثير حول هذا الشاعر ولكن مع الأسف الوقت لايسمح بالمزيد.
الشحمان: على كل حال هناك شعراء اندلسيون ربما نتطرق اليهم.
المحاورة: إن شاء الله في الحلقات المقبلة سنتعرف على شخصياتهم. مشكورين دكتور
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: وشكراً لطيب متابعتكم مستمعينا الكرام لهذه الحلقة من برنامج سير القصائد حتى الملتقى نترككم في أمان الله.