خبير البرنامج: الدكتور سعدي الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل محبي الشعر وعشاق القوافي أينما كنتم حياكم الله وتحيانا القلبية الخالصة نبعثها لحضراتكم ونحن نجدد اللقاء بكم تحت أفياء خمائل الشعر وبين ربوع رياض القصائد عند واحة الشعر العربي مختلف أغراضه ومضامينه ومن مدح ورثاء وحكمة وغزل وفخر من خلال برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد الذي نستضيف في هذا اللقاء الدكتور سعدي الشحمان. أما الآن وفي البداية مستمعينا الكرام نستمع معاً الى بعض من الأبيات لشاعر هذه الحلقة وهو محمد بن حازم الباهلي، رافقونا.
ما الجود عن كثرة الأموال والنسب
ولا البلاغة في الإكثار بالخطب
ولا الشجاعة عن جسم وعن جلد
ولا الأمانــــة عن إرث أب فأب
لكنــــــها همم أدت الى تج
في كل ذاك بطبع غير مكتـسب
عن قدر يجري الى أجل بالعجر
والكيس والتضييع والطلب
والناس فيما أرى عندي بأنفسهم
لا بالقبور ولا الأسلاف والنسب
إني وإن تقف هممي دون
الجميل من الأخلاق والأدب
صبراً على الحق في مال سمحت به
وللزمان على اللئواء والكذب
المحاورة: أيها الأفاضل الأبيات التي تناهت الى مسامعكم قبل الفاصل هي من قصيدة لشاعر من العصر العباسي تميز بكل ما تميز به شعراء هذا العصر من رقة في الألفاظ والمعاني وعزوف عن المقدمات التقليدية للقصيدة العربية من غزل ووقوف عند الأطلال، إنه الشاعر المبدع والمبتكر والمجيد رغم قلة أشعاره محمد بن حازم الباهلي، شاعر المقطوعات الشعرية القصيرة وشاعر الهجاء من غير فحش والحكمة والفخر وربما الغزل في بعض الأحيان. الشاعر الذي إنعكست في أشعاره طبيعته العفيفة العازفة عن الإكثار من مال الدنيا حيث أغنته هذ الطبيعة عن التكسب في شعره والوقوف عند أبواب السلاطين والحكام. أيها الأحبة عن هذا الشاعر وشعره وقصيدته التي نحن بصددها في هذا الأسبوع يحدثنا خبير البرنامج الدائم الذي شرفنا بحضوره في الستوديو الدكتور سعدي الشحمان. دكتور حياكم الله.
الشحمان: حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: يسرني أن ألتقيكم مرة اخرى
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا دكتور. في البداية دكتور نرجو أن تتفضلوا بالحديث عن الشاعر وخصوصياته في شعره ومكانته بين شعراء عصره.
الشحمان: نعم شاعرنا لهذه الحلقة من البرنامج هو احد الشعراء العباسيين الذين عاشوا في بداية عصر الدولة العباسية وهو محمد بن حازم الباهلي الذي كان بغدادي الإقامة ولكن مولده ومنشأه كان من البصرة، يعتبر من الشعراء المتميزين في الحقيقة. فيه جملة من الصفات تميزه عن غيره من الشعراء ولعل اول هذه الخصائص التي تستوقفنا في شخصيته الشعرية أنه لم يكن يتكلف ويتعسف في أشعاره فهو يعتبر بشهادة النقاد من الشعراء المطبوعين ومن الشعراء المجددين ايضاً، حاله في ذلك حال معظم الشعراء العباسيين. لم يسلك سبيل الأقدمين من الشعراء...
المحاورة: له أسلوبه الخاص
الشحمان: نعم كان يستغني في أشعاره عن المقدمات التي يلج الشاعر بها الى موضوع قصيدته من مثل بدأ القصيدة بالنسيب او الوقوف على الطلل، كل ذلك عزف عنه الشاعر وهذه سمة من السمات التي تميز بها العصر العباسي. بالنسبة للأغراضه الشعرية كان معظم شعره في الهجاء والرثاء بالاضافة الى الحكمة كما تشهد بذلك القصيدة التي تفضلتم بإنشاد بعض من أبياتها اما بالنسبة الى المدح فقد كان مقلاً في المدح نظراً الى طبيعته التي أشرتم اليها فقد كان قنوعاً بمال الدنيا لذلك لم يقف على أعتاب وأبواب الحكام والسلاطين للتكسب على العكس من الكثير من الشعراء الآخرين في عصره لذلك قلّ المدح في شعره وهو نفسه يقول في هذا المجال مشيراً الى طبيعته..
المحاورة: قليلاً مانجد شاعراً بهذه الطبيعة.
الشحمان: نعم يقول:
أشد من فاقة وجوع
إرضاء حر على خضوع
يعني هو يفضل الفاقة والجوع على أن يذل الانسان الحر نفسه في سبيل المال. من ضمن الأغراض الأخرى التي أجاد فيها هو غرض الهجاء ولكن هجاءه اذا صح التعبير كان عفيفاً ومن غير فحش، وهذا الغرض نجده كثيراً في أشعاره حتى أنه أجاد في هذا الغرض وانتشر هجاءه وكان الشعراء وغيره من الشخصيات كانوا يرهبون لسانه ولكن هجاءه لم يكن مقذعاً اذا صح التعبير..
المحاورة: لم يكن لاذعاً
الشحمان: لم يكن لاذعاً ولامقذعاً. حتى قال هو نفسه في هذا المجال يخاطب أحد المهجوين:
وسار بالذم فيك شعري
وقيل لي محسن مصيب
ايضاً هناك أغراض اخرى اشتهر بها الباهلي منها رثاء الشباب، يؤثر عنه أجمل الأشعار في رثاء الشباب بأسلوب لطيف وأسلوب رقيق يتميز بالعذوبة حتى ان له أشعار جميلة وشهيرة في هذا المجال، له قصيدة قصيرة يقول فيها في رثاء الشباب:
لاحين صبر فخل الدمع ينهمل
فقد الشباب بيوم المرء متصل
جر الزمان ذيولاً في مفارقه
لم يبق له رسم ولاطلل
يصبي الغواني ويزهاه بشرته
وبين برديه غصن ناعم خضل
لاتكذبن فما الدنيا بأجمعها
من الشباب بيوم واحد بدل
الشحمان: أحسن فيها في مدح الشباب وفي ذم المشيب، من الناحية الشكلية والصورية اذا أردنا أن نشير الى شعره ايضاً اعتبره النقاد من شعراء المقطعات او من شعراء المقطوعات القصيرة، كان معظم شعره على شكل مقطوعات قصيرة لاتتجاوز الأربع أبيات او الخمس أبيات وهو يقول في هذا المجال:
أبى لي أن أطيل الشعر قصدي
الى المعنى وعلمي بالصواب
والإيجاز بمختصر قريب
حذفت به الفضول من الجواب
المحاورة: مشكور دكتور اذا تسمحون نأخذ فاصل ثم نواصل الحديث عن شاعرنا لهذه الحلقة محمد بن حازم الباهلي كونوا معنا مستمعينا الكرام.
سير القصائد
برنامج يأتيكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أنتم معنا في رحاب هذا البرنامج الذي يستعرض روائع الشعر العربي على مر العصور من خلال التعاون مع خبراء الأدب والشعر.
سير القصائد
يبث لحضراتكم مساءاً عند الساعة التاسعة وأربعين دقيقة من كل يوم اثنين ويعاد بثه في الساعة السادسة وأربعين صباحاً من يوم الأربعاء حسب التوقيت المحلي لمدينة طهران.
المحاورة: حياكم الله مستميعنا الأفاضل أما الآن بالعودة الى ضيفنا في الستوديو الدكتور شحمان، دكتور نرجو أن تعرجوا بحديثكم عن القصيدة التي إخترناها للشاعر محمد بن حازم الباهلي والتي تشكل الحكمة والزهد موضوعها الرئيس.
الشحمان: نعم رغم أن محمد الباهلي لم يشتهر بشعر الحكمة ولكنه اجاد في هذا الغرض عندما تطرق اليه، كما قلنا كان معروفاً بالهجاء وكان يعتبر من الشعراء الهجائين وعرف بأغراض اخرى ايضاً أما بالنسبة الى الحكمة فهو عندما تطرق الى هذا الموضوع بهذه المعاني الجميلة والصور الخلابة المؤثرة كما يشعر المستمع وهو يستمع الى هذه القصيدة التي قرأتم بعضاً من أبياتها، يشعر أنه أمام شاعر مبدع في الحقيقة، شاعر يجيد ابتكار الصور الطريفة والصور الجميلة ..
المحاورة: نرى أمامنا لوحة جميلة جداً.
الشحمان: نعم لوحة جميلة جداً يرسمها لنا الشاعر عن الحياة بما تحفل به من علاقات اجتماعية وبما تحفل به من اقبال وصد وإعراض، يوظف كل ذلك في سبيل أن يخلق المعاني والصور الجميلة...
المحاورة: دكتور ربما لأنه ايضاً ابتعد عن الحشو في حديثه وشعره لذلك نرى التأثير أسرع الى القلب والى العقل.
الشحمان: نعم صحيح أشرنا في البداية أنه يعتبر من الشعراء المطبوعين، الشعراء الذين كانوا بعيدين كل البعد عن التكلف وعن التعسف في نظم الشعر، كانت المعاني تتوارد على ذهنه فيصوغها في نفس اللحظة شعراً كما يحدثنا بذلك المؤرخون ونقاد الشعر لذلك فقد نجح في هذه القصيدة الحكمية الى حد كبير وترك تأثير جميل في نفس المتلقي.
المحاورة: مشكور الدكتور سعدي الشحمان، شكراً لهذه الايضاحات والتوضيحات حول الشاعر وقصيدته تحت عنوان الجود التي إخترناها لهذه الحلقة. مع الأسف الشديد لقد داهمنا الوقت
الشحمان: نعم كالعادة
المحاورة: نعم نشكركم مرة اخرى ونشكر مستمعينا الكرام
الشحمان: نعم إن شاء الله نحاول تعويض ذلك
المحاورة: إن شاء الله في الحلقات المقبلة ربما يتسنى لنا الحديث اكثر عن هذا الشاعر
الشحمان: ولنا عودة إن شاء الله
المحاورة: على العموم مشكورين والى اللقاء.