خبير البرنامج: الدكتور سعدي الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، حياكم الله أيها الأحبة. كل المراحب بكم في هذا اللقاء الذي يتجدد دوماً معكم عند محطة اخرى تجمعنا بكم عند ربوع الشعر العربي عبر روائعه على مر العصور وسيصحبنا في هذه الرحلة الدكتور سعدي الشحمان. تابعونا أيها الكرام.
المحاورة: سنعيش في هذا الأسبوع أجواء قصيدة تنتمي الى عصر إستثنائي متميز مر به التاريخ الاسلامي وعاش فيه ظروف فريدة سبقت بقليل سقوط حاضرة الخلافة العباسية بغداد، ألا وهو العصر الذي بلغت فيه الهجمة الصليبية على بلاد المسلمين ذروتها في العهدين الأيوبي والزنكي وما تلاهما من عهود وصولاً الى عهد المماليك. هذه القصيدة تحمل عنوان العزائم لشاعر عصره أبي عبد الله شرف الدين إبن القيسراني والقصيدة هي من نوع الشعر الجهادي الذي شاع في عصر الشاعر نتيجة للمخاطر التي كانت تحدق بالأمة الاسلامية آنذاك والمتمثلة بالهجمات والحروب التي كانت اوربا الصليبية تشنها بشكل مستمر على بلاد المسلمين والتي بدأت إعتباراً من أواسط العصر العباسي. وكان الهدف الرئيس منها مستمعينا الكرام إضعاف سلطة المسلمين والحد من زحفهم بإتجاه بلاد اوربا والقضاء على الاسلام الذي كان ومايزال يشكل الخطر الرئيس الذي يهدد العالم الغربي. وبطبيعة الحال فقد كانت المماليك الأوربية تشن هجماتها تلك تحت غطاء ديني وشعارات تبدو مقدسة في ظاهرها وتتمثل حسب إدعاءاتهم في تحرير القدس وإستعادة الأرض الموعودة. فلنعش أيها الكرام قبل أن يجمعنا اللقاء مع خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان لدقائق مع هذه القصيدة التي يبدو فيها الشاعر متأثراً بأسلوب الشاعر أبي تمام في لهجته الفخرية والتحدي الغالب على أسلوبه والشاعر أبي الطيب المتنبي في وصفه الدقيق للحروب والمواقع علماً أن شاعرنا إبن القيسراني نظم قصيدته هذه في الأصل في مدح احد حكام الأسرة الزنكية وهو نور الدين الزنكي، فلنستمع معاً بعد الفاصل.
هذي العزائم لا ماتدعي القضب
وذي المكارم لا ماقالت الكتب
وهذي الهمم اللاتي متى خطبت
تعثرت خلفها الأشعار والخطب
فصحت يابن عماد الدين ذروتها
براحة للمساعي دونها تعـــــب
مازال جدك يبني كل شاهقة
حتى إبتنى قبة أوتادها الشهب
لله عزمك ما امضى وهمك ما أفضى
إتساعاً لما ضاقت به الحقب
يا شاهد الطرف والأجفان هاجعة
والثابت القلب والأحشاء تضطرب
أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة
فؤاد رومية الكبرى لها يجب
ضربت كبشهم منها بقاصمة
أودى بها الصلب وإنحطت بها الصلب
قل للطغاة وإن صمت مسامعها
قولاً لصم القنا في ذكره إرب
ما يوم إنب والأيام دائلة
من يوم يغرى بعيد لا ولا كثب
أغركم خدع الآمال ظنكم
كم أسلم الجهل ظناً غره الكذب
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم أيها الكرام أينما كنتم وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامج سير القصائد من اذاعة طهران العربية. معنا في الستوديو خبير البرنامج الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، نرحب بكم دكتورالسلام عليكم
الشحمان:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. في الحقيقة أشعر بالسعادة لتجديد اللقاء بكم وبالمستمعين الكرام
المحاورة: هذا من دواعي سرورنا حياكم الله. دكتور كما تعلمون فإن شاعرنا في هذه المحطة من البرنامج هو الشاعر شرف الدين بن القيسراني الذي عرف بقصائده التي وصف من خلالها الحروب والمواقع التي خاضها المسلمون في عصره ضد الهجمات الصليبية فنرجو أن تسلطوا الأضواء أكثر على هذه الشخصية الشعرية والأدبية وايضاً كيف كان لونه الشعري اذا صح التعبير؟
الشحمان:إن شاء الله سوف نتحدث عنه وعن قصيدته بحسب مايسمح لنا المجال. إبن القيسراني او شرف الدين إبن القيسراني وبالمناسبة هناك شخص آخر يعرف بالقيسراني وهو فضل الله القيسراني وهو لايعنينا في هذا البرنامج وإنما يعنينا الشاعر شرف الدين إبن القيسراني الذي عاش في القرن السادس الهجري وهو يعتبر من الشعراء المشهورين في القرن السادس الهجري بالاضافة الى شاعر آخر ظهر في نفس الفترة التي ظهر فيها إبن القيسراني وهو إبن منير الطرابلسي الذي عرف بتشيعه وأشعاره التي مدح فيها أهل البيت عليهم السلام. على كل حال هذا الشاعر الذي وصفه النقاد بأنه من الشعراء المجيدين كما يظهر لنا ذلك من قصيدته التي قرأتم بعضاً من أبياتها وهو شاعر مقل بشكل عام وله ديوان شعر صغير. كان مولده في فلسطين ولكن عاش كل حياته في حلب، تخصص هذا الشاعر في هذا اللون من الشعر الذي يعتبر من الأغراض الطريفة في الشعر العربي وأكثر الشعراء تخصصوا في هذا المجال وهو شعر الجهاد نظراً لما تفضلتم به من كون العصر الذي عاش فيه كان عصراً إستثنائياً كثرت فيه الهجمات الصليبية من قبل اوربا المسيحية على البلاد الاسلامية بحجة تحرير فلسطين وبيت المقدس. عاش في ظل الدولة الزنكية التي لمع نجمها في تلك الفترة وبالاضافة الى الدولة الأيوبية عرفت بتصديها للهجمات الصليبية على بلاد المسلمين. عاصر حاكم هذه الدولة في ذلك الوقت نور الدين الزنكي حفيد الحاكم المعروف عماد الدين الزنكي، أشاد في شعره ببطولات هذه الأسرة الحاكمة وانتصاراتهم على الافرنج كما كان يقال في ذلك الوقت ويراد منهم الأوربيين. في الحقيقة كما قلنا كانت بلاد الشام وهي بلاد الشاعر كانت هي المستهدفة نظراً الى أنها كانت تقع في الخط الأول من المواجهة على الحدود بين بلاد المسلمين والبلاد الأوربية خاصة أن بيت المقدس يقع فيها فقد كان الشعراء في ذلك الوقت يلعبون دوراً كبيراً في بث الحمية في نفوس المسلمين وإستنهاض هممهم من أجل الجهاد ودعوتهم الى إسترداد المقدسات ومنهم شاعرنا إبن القيسراني في تسجيل الوقائع ووصف الأحداث التي وقعت في تلك الفترة. وكان بعض الشعراء يمدحون الحكام وبعض القادة العسكريين وضمن ذلك كانوا يصفون الحروب والمواقع بين المسلمين والصليبيين ومنها هذه القصيدة التي نحن بصددها، هذه القصيدة التي قالها الشاعر بمناسبة انتصار المسلمين بقيادة نور الدين الزنكي في معركة عرفت بمعركة أنب في منتصف القرن السادس الهجري واستطاع المسلمون أن يحققوا انتصاراً باهراً وصل الى حد قتل قائد الجيوش الصليبية في ذلك الحين.
المحاورة: اذن دكتور ماهي المعاني والمفاهيم والصور التي ركز عليها الشاعر في هذه القصيدة؟ عرفنا المناسبة في إنشاد هذه القصيدة ..
الشحمان:نعم كما قلنا وصف هذه المعركة والممدوح هو نور الدين الزنكي أما المفاهيم التي ركز عليها الشاعر في قصيدته هذه فهي مفاهيم دينية بالأساس تستمد وجودها من العواطف والأحاسيس الدينية للمسلمين فقام بتمجيد النصر الذي حققه المسلمون وأثنى على عزيمتهم الصادقة في مواجهة العدو ووصف المعركة وصفاً دقيقاً يذكرنا بالأوصاف التي كان يطرحها الشاعر أبي الطيب المتنبي وصور تعطش وحب المسلمين للقتال وتصوير الهزيمة التي لحقت بالافرنج في ذلك الوقت. وبشكل عام صور البطولات الاسلامية في زمن الحروب الصليبية وهو لون فريد من ألوان الشعر.
المحاورة: نعم بهذا القدر نكتفي وبهذه الايضاحات نشكركم بجزيل الشكر
الشحمان: حياكم الله
المحاورة: حياكم الله دكتور وحياكم الله مستمعينا الأفاضل ونشكركم لطيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج سير القصائد والتي تحدثنا فيها عن الشاعر شرف الدين بن القيسراني. حتى اللقاء المقبل من هذا البرنامج نترككم في رعاية الله.