روي ان طالباً كان ينال من المجدد الشيرازي رحمه الله وينتقصه والسيد الشيرازي يسمع ذلك دون ان يرد عليه شيئاً حتى اشتكى عليه جماعة من أهل العلم وقالوا للسيد المجدد ينبغي اخراجه وفصله عن الحوزة، لكن المجدد اجابهم: (اتركوه وشأنه) وكان يجري عليه الراتب الشهري الذي يعطيه للطلاب وهكذا بقي هذا الطالب في حوزة سامراء العلمية.
وبعد سنوات جاء جماعة من معارف ذلك الطالب من طهران لزيارة العتبات المقدسة في العراق فاقترح عليهم المجدد بأن يأخذوه وكيلاً عنه الى بلدهم حيث انهم يحتاجونه هناك. فرحبوا بالفكرة مع علمهم بأنه ينتقص المجدد وكانوا متعجبين من سعة صدره رحمه الله.
وبعد سنوات اصدر المجدد الشيرازي فتواه الشهيرة بحرمة استعمال التنباك كما اتفق ان اصبحت لهذا الوكيل مكانة رفيعة في طهران عند الامة والدولة ولما لم ير ناصر الدين شاه طريقاً الا بالقاء التفرقة بين العلماء، لعله يتمكن من انقاذ الاتفاق الذي ابرمه البريطانيون الذين اعطاهم حق احتكار تجارة التبغ في ايران، وفي هذا السياق طلب الشاه من الوكيل المذكور ان يهييء مجلساً يدعو فيه كافة العلماء ويخبرهم بأن الشاه يريد ان يزورهم.
وهكذا فعل ذلك العالم فقد دعا العلماء البارزين في طهران وجاء الشاه وجلس وقال لهم فيما قال: التنباك ان كان حلالاً فحلال محمد (صلى الله عليه وآله) حلال الى يوم القيامة فكيف يحرمه المجدد؟ وان كان حراماً فلم كنتم تستعملونه قبل ذلك؟
فقال احد العلماء في جوابه: التنباك حلال في نفسه لكنه حرم بالعنوان الثانوي لأن استعماله اليوم ضرر على الاسلام والمسلمين، كما ان شرب الماء حلال لكن شربه للذي يوجب له الضرر حرام وهكذا فان حلال محمد حلال وحرام محمد حرام لكنه (صلى الله عليه وآله) جعل الى جنب هذا القانون قانوناً يحرم الحلال ويحلل الحرام، ففي الحديث (ما من شيء حرمه الله الا وقد أحله الله لمن اضطر اليه) فالحرام يصبح حلالاً للمضطر كما ان الحلال يصبح حراماً فيما اذا كان فيه ضرر وذلك طبقاً للقانون الذي وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قال (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام).
وبعد مناقشات حامية دارت بين الشاه وبين العلماء غضب الشاه وتوجه الى العلماء قائلاً: واخيراً ماذا تفعلون؟
فلم يستطع احد منهم مجابهة الشاه وتحدي غضبه الا هذا العالم (الذي كان في يوم ما طالباً في سامراء ينتقصى المجدد) فتوجه الى الشاه قائلاً: ان امام المسلمين المجدد الشيرازي حرم استعمال التنباك لأنه ضرر على المسلمين ونحن بأنتظار ان ينفذ الشاه حكم المجدد، فاذا نفد حكمه فهو المطلوب والا نحن ننفذه بالسيف. فغضب الشاه وخرج من دون ان ينال شيئاً.
وعندما وصل خبر هذا المجلس وما جرى فيه الى المجدد الشيرازي في سامراء فاستدعى المجدد اولئك الذين كانوا يقترحون اخراج هذا الطالب من الحوزة وفصله وقال لهم هل كنا نستفيد هذه الفائدة الكبيرة اذا كنا طردناه؟!
فاعترف الجميع باصابة نظر المجدد وانه كان ابعد نظراً ورؤية منهم.
*******
ذكر سماحة السيد جواد الكلبايكاني: ان والدة المرحوم آية الله العظمى الكلبايكاني سمع ان عالماً كان قد استفتى عند المرجع الكبير السيد البروجردي رحمه الله من نقلد في المسائل الفقهية التي تجوزون الرجوع فيها الى الفقية من بعدكم؟
فكتب السيد البروجردي في الجواب: تراجعون فيها الفقيه الكلبايكاني. وكان هذا العالم يريد تصوير تلك الورقة ونشرها للدعوة الى تقليد السيد الكلبايكاني بعد وفاة السيد البروجردي. فاستدعاه السيد الكلبايكاني ليحضر عنده ومعه تلك الورقة فلما قرأها السيد وضعها في صندوقه وقفله.
فقال له العالم: سيدنا اريدها انها ورقتي!
قال السيد: انها ورقتك ولكنها تتعلق بي، فان نشرتها قطعت الطريق امام الناس لتقليد غيري من المراجع الكرام اتركوا الناس ليختاروا المرجع الذي يقتنعون به، فالتقليد حر في مذهب اهل البيت (عليهم السلام).
*******