كتب الدكتور جهرازي استاذ جامعة طهران في زمن الشاه ورئيس مكافحة المخدرات والخمور في ايران انه ذهب برفقة الدكتور السويسري (أرشه تونك) امين عام المنظمة الدولية لمكافحة الخمور والمخدرات الى قم المقدسة للقاء المرجع الكبير آية الله العظمى السيد البروجردي رحمه الله، وكان الدكتور (أرشه تونك) قادماً الى ايران لمعرفة دوافع تحريم الخمر في الاسلام، دخلنا حسب الموعد على السيد البروجردي فكان زهده ومظاهر حياته المعنوية وهيئته الجذابة وجبهته العريضة ونظراته الودودة وترحيبه الحار وسؤاله عن حالنا قد أضفى على هذا اللقاء نسيم المعنويات التي لا توجد الا عند هؤلاء الروحانيين.
في البدء شكرته على منحه لنا هذا اللقاء ثم عرفت له الدكتور (ارشه تونك) وقلت إنه سافر الى اندونيسيا وجاء الى ايران، ولديه اسئلة بخصوص مهنته ومنصبه في مكافحة المشروبات الكحولية ثم قال الدكتور (ارشة): يا سيادة المرجع، لماذا حرم في الاسلام استعمال المخدرات وشرب الخمور؟
فأجابه السيد البروجردي: ان الانسان بسبب امتلاكه للعقل فهو اشرف المخلوقات، ولقد خلقه الله كذلك من أجل ان يتكامل نحو الخير والفضائل، ولم يكتف جل جلاه بتركيب العقل والشعور فينا بل ارسل الينا تعاليم للحفاظ على العقل وتنميته، من تلك التعاليم هو تحريم الخمور المسكرات والمخدرات لأنها تضعف دور العقل في الحياة، وكذلك فان العقل السليم ايضاً قد حرمها اذ يراها عدوةً لها وآفة لتكامل الانسان وسعادته.
فقال الدكتور ارشه تونك: أجل، هذا شيء معقول ولكن اذا لا يبلغ الشرب الى حد السكر وذهاب العقل والشعور فهل التحريم ينتفي؟
السيد البروجردي: كلا ... التحريم باق حتى للقليل الذي لا يؤدي الى السكر: فقال الدكتور: لماذا؟
فأجاب السيد: حينما علمنا أن الفاصل بين الانسان والبهيمة هو امتلاك الانسان للعقل وانعدامه لدى البهائم، وعلمنا ايضاً ان من واجب الانسان الحفاظ على هذه الوديعة الالهية بكل جد ومثابرة، فان اي خطر يهدد بالنفوذ الى داخل قوى الانسان ليخملها ويضعفها يكون حراماً، ومن المؤكد ان الخمر حتى القليل منه يودي الى خمول القوى وضعف المشاعر تدريجياً.
مضافاً الى ذلك فان الله تعالى خالق الانسان يعلم طبيعة هذا الموجود انه اذا بدأ بالقليل يفرط فيه ولا يتوقف عند حد. أما تجده كلما استولى على مال طلب المزيد واذا حصل على شهوة بحث عن الاكثر واذا وصل الى منصب فتش عن منصب اكبر، وهكذا فان اتباع خطوات الشيطان مقدمة للتخطي على خطى الشيطان، والبدء بالقليل (غير المسكر من الخمر) مقدمة للازدياد حتى بلوغ المسكر منه، بل وحتى الجلوس على مائدة الخمر من دون شربه يوسوس الشيطان لتناوله، فيتم الاستدراج حتى الاستيلاء الكامل، أليس كل من أصبح مدمناً على الخمر كان بادئاً اول ما بدأ بالجلوس مع المدمنين والنظر اليهم ثم البدء بالقليل منه؟
ثم تلا السيد البروجردي (قدس سره الشريف) بعض الآيات القرآنية حول تحريم الخمر.
فقال الدكتور السويسري (ارشه تونك) وكان معجباً بهذه الاجابة السديدة حول الحكمة من تحريم القليل من الخمر: «منذ عشر سنوات اشغل منصب رئاسة المنظمة الدولية لمكافحة الخمور والمخدرات، وخلالها التقيت بشخصيات كثيرة في العالم سواء الدينية او السياسية او الاجتماعية ودار بيننا حوار لمدة ساعات طويلة حول الخمر ومضارها، ولكني لم احصل على اجابات مقنعة كالتي سمعتها الآن من سماحتكم ان ما ذكرتموه يكفي سنداً للاتكاء عليه في مهمتي لمكافحة هذا الادمان الضار، ان الحقيقة التي عثرت عليها في هذا اللقاء هي ان اتباع نصائحكم خير سبيل لنيل اهدافنا باسمي وباسم المؤسسات الدولية العاملة في تحقيق هذه الاهداف أشكر سماحتكم وأتمنى ان نتوفق في هذا الطريق بقيادتكم».
ويختم الدكتور چهرازي كاتب هذا المقال: وهكذا ودعنا آية الله العظمى السيد البروجردي والعجب يغمرنا من ذلك الوجه المبتسم المشع نوراً وصاحب الصدر الواسع والثغر المرحب وما حوله من اثار الزهد وبساطة العيش.
وكان صديقي الدكتور (ارشة تونك) السويسري شديد التأثر حين وداع السيد البروجردي.
ولما رجع الى سويسرا بعث لي رسالة يقول فيها: بلغ سماحة السيد سلامي واعجابي وشكري واشتياقي.
*******