جاء رجل الى الميرزا محمد تقي الشيرازي يريد منه شيئاً من المال وحيث لم يكن المال متوفراً آنذاك للميرزا، اعتذر منه، فأخذ الرجل يسب الميرزا في وجهه والميرزا ساكت لا يتكلم فأراد جماعة من الجالسين تأديبه لكن الميرزا اشار اليهم بعدم التعرض له وقال ان الفقر اوجب الحدة فيه فاتركوه وشأنه، فقام الرجل وذهب.
وبعد ايام جيء الى الميرزا بأموال لأجل قضاء صلوات وصيام عن الاموات، ففرق الميرزا الاموال في مواردها وابقى حصة منها لذلك الرجل وأوصى بها من يوصلها اليه حتى يقضي عن الميت صلاتة وصومه، فاعترض على الميرزا جماعة من الحاضرين وقالوا شيخنا هل السب من الكبائر الموبقة؟
قال: نعم.
قالوا: وهل انتم تشترطون العدالة فيمن يقضي صلوات الاموات وعباداتهم؟
قال: نعم.
قالوا: فان هذا الرجل قد سبكم قبل ايام فهلا اسقطه سبه عن العدالة؟
فتوجه الميرزا اليهم، وقال: نعم اني اشترط العدالة فيمن يقضي صلوات الاموات وصيامهم، والسب ايضاً من الكبائر المسقطة للعدالة لكن سب مثله لمثلي لا يوجب سقوط عدالته!!
واراد بذلك انه قد سبه اضطراراً من جهة فقره لا انه قد سبه عن عمد. والميرزا زعيم المسلمين ينبغي له ان يعفو عن المذنبين والمعذورين تحت ضغط الحياة.
*******
عرف العلامة الشهيد السيد اسماعيل البلخي باستقامته الجهادية وشعره الثوري وقد بقي في السجن سنوات طويلة في افغانستان، وكتب اكثر ديوانه الشعري في زنزانته. ولكن حياته لم تقتصر على جهاده السياسي واشعاره الثورية وصبره في المعتقل واخيراً استشهاده الاليم على ايدي الفسقة من مرتزقة السلطان داوود، بل له اخلاق اجتماعية عالية ايضاً.
كتبت ابنته نقلاً عن الرجل الذي كان مرافقاً لوالدها انه قال: كنا مدعوين الى بيت احد المؤمنين في العاصمة الافغانية (كابل) وبعد ان تناولنا وجبة الطعام قدم صاحب المنزل للسيد البلخي رداءً وكيس حلاوة وظرفاً فيه بعض المال.
فقال صاحب المنزل: سيدنا فصل الشتاء على الابواب، اقبل مني هذه الهدية البسيطة.
فأخذ السيد ذلك الظرف ثم خرجنا جميعاً نمشي في الطريق. وفي الاثناء وقع نظر السيد البلخي على فقير رث الثياب، يبدو عليه مسيس الحاجة الى مساعدة وتقدم الفقير نحوه ايضاً فسلم وقبل يده، وبادله السيد بالسؤال عن حاله بأدب وعطف.
فقال الرجل الفقير: الشتاء قادم وليس لدي في المنزل فحم للدفء، وعائلتي سوف تهلك في برد (كابل). وهنا أخرج السيد ذلك الظرف واعطى الفقير كل ما في الظرف وقال له: خذ هذا وأسرع لتسر عائلتك وتدفيء بيتك. فلم يصدق الفقير ما رآه من الكرم وهذا العطاء الكبير، فشكر السيد بلسان عاجز وهو يكرر كلمة الشكر ويودع.
فقال له السيد: لا تشكرني أنا، فإن صاحب هذا المال هو هذا الرجل واشار الى مضيفه ثم قال ادع له واطلب من الله عزوجل ان يرزقه مالاً اكثر.
وبذلك اعطى السيد البلخي درساً في السخاء والتقدير لأهل العطاء.
*******
قال السيد مهدي امام جماراني وهو ممثل الامام الخميني في دائرة الاوقاف ان احد الشيوعيين قال لي: «انني أحب من بينكم انتم العلماء السيد دستغيب الشيرازي»! سألته لماذا؟
قال: كنت نائماً على منصة الاستراحة في السجن الانفرادي ايام الشاه. وكان الوقت منتصف الليل اذ فتحوا باب السجن رفعت رأسي واذا بسيد معمم كبير السن، قصير القامة، ضعيف البنية ادخلوه معي. فأخفيت رأسي تحت اللحاف ونمت ولم ابال بشيء!.
وقبل طلوع الشمس بدقائق، شعرت ان يداً تمسح على رأسي بلطف، فتحت عيني فسلم علي السيد العجوز، وهو يقول بلسان جميل ايها الاخ العزيز قم لا تفتك صلاة الصبح». فرفعت صوتي في وجهه غاضباً، وقلت له: «انا شيوعي، لا أصلي».
فقال السيد بهدوء تام: «اعذرني، لقد ازعجتك، أرجوك ان تعفو عني».
واصلت نومي، ولما أفقت فيما بعد أعاد السيد اعتذاره الي وطلب مني المسامحة الى درجة من التواضع حتى خجلت من طريقتي التي واجهته بها فقلت له نادماً: لا بأس، والآن تعال فوق المنصة، وانا اجعل مكاني على الارض لأنك رجل مسن. لكنه رفض وقال:
«انك اسبق مني في السجن، وقد تحملت الاذى اكثر مني، فأنت احق بهذه المنصة».
فلم يقبل السيد ذلك المكان الافضل في السجن، ولقد انجذبت الى شخصيته الاخلاقية، فتأصل حبه في قلبي طوال معاشرتي له في السجن، لذلك فهو احب الاشخاص عندي بين كل العلماء!
هذا وقد اغتيل الشهيد السيد دستغيب في مدينة شيراز حيث القيت عليه قنبلة يدوية اثناء ذهابه لاقامة صلاة الجمعة عام 1402 للهجرة.
*******