يقول العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي صاحب كتاب تفسير الميزان رحمه الله: حينما كنت في بداية شبابي مقيماً بالنجف الاشرف لدراسة العلوم الاسلامية، كنت بين حين وآخر أذهب للقاء المرحوم آية الله القاضي وهو من كبار علماء الاخلاق واساتذته في حوزة النجف الاشرف وذلك بحكم القرابة وصلة الرحم.
ذات يوم، كنت واقفاً عند باب مدرسة كان يمر بها المرحوم القاضي في طريقه. فلما اقترب دنا الي، فوضع يده على كتفي وقال:
«يا بني ان كنت تريد الدنيا فصل صلاة الليل، وان كنت تريد الآخرة فصل صلاة الليل».
وقد ترك هذا الكلام اثراً تربوياً عميقاً في نفسي فصرت من ذلك الوقت وبعد ما رجعت الى ايران لازمته مدة خمس سنوات ليلاً ونهاراً، ولم افرط بلحظة استطيع فيها الاستزادة من فيضه والتأسي وبكمالاته الروحية.
*******
كانت عائلة المرجع الكبير الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه الله في ازمة مالية، لأن المبلغ الذي قرره لها الشيخ مثلما قرر لبقية العوائل الفقيرة كفلتها المرجعية الشيعية لم يكف لتوفير جميع حاجيات المنزل في تلك الايام التي كانت اوضاع كثير من العوائل صعبة فطلبت زوجة الشيخ من أحد المقربين له ان يتكلم مع الشيخ ليزيد في المبلغ قليلاً كي تتمكن من القيام بشراء بعض الحاجيات. فلما جاء الوسيط وتكلم مع الشيخ لم يسمع جواباً منه، لا نفياً ولا اثباتاً.
وحينما عاد الشيخ الانصاري الى المنزل قال لزوجته: اغسلي ثوبي واجمعي لي الاوساخ (الغسالة) في ظرف. فغسلت زوجته الثوب وأتت بما أمرها سماحة الشيخ فقال لها الشيخ: اشربي هذه الاوساخ!
فقالت وهي مندهشة: كيف لي ان اشربها ونفس كل انسان تشمئز منها؟
فقال الشيخ: نحن والفقراء في الاموال الموجودة بيدي على السواء لا ميزة لأحد على احد فاذا اخذنا منها اكثر من حقنا فكأننا شربنا مثل هذه الاوساخ.
نعم لكي لا تغيب شمس المساواة والعدالة عن حياتنا يجب ان نكون هكذا دائماً.
*******
حكى احد العلماء انه ذهب في كربلاء المقدسة الى آية الله العظمى الشيخ مرتضى الانصاري رحمه الله يطلب منه مساعدة مالية لسيد جليل من كبار العلماء، كانت زوجته تقرب من وضع حملها وله عيال كثير.
فقال الشيخ الانصاري «ليس لدي مال الآن سوى مبلغ لمن يصلي ويصوم نيابةً لميت». فقال له الوسيط «سيد جليل ومتعفف، ولأنه كثير الاهتمام بدروسه ومطالعاته العلمية لا يتفرغ لهذه العبادة الاستيجارية».
يقول: فتأمل الشيخ الانصاري قليلاً ثم قال «اذن انا اصلي واصوم بدلاً عنه، خذ هذه الاموال». وهذا بالرغم من كون الشيخ مرتضى الانصاري لمكانته المرجعية كان كثير الانشغال وقليل الوقت، ولكنه تحمل ذلك بدلاً عن السيد المحتاج الذي لم يكن يعرفه بسبب التعفف.
وهناك قصة اخرى مشابهة لهذه القصة حصلت للسيد علي الدزفولي وكان شديد الفقر، فذهب للشيخ الانصاري مباشرةً ليطلب منه شيئاً لسد الفاقة.
فأجابه الشيخ: «ليس في يدي شيء اعينك به في الوقت الحاضر، ولكن اذهب عند فلان، خذ منه مبلغاً لصلاة استيجارية مدة عامين، وانا اصليها بدلاً عنك».
*******