اخوتنا الأعزة الأكارم.... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من ألصق برسول الله من حفيده وريحانته الحسين؟ استلمه النبي (صلى الله عليه وآله) من أسماء بنت عميس أول ما ولد فضمه الى صدره، بل الى قلبه وروحه، فصح عند الناس بعد حين قوله: «حسين مني وانا من حسين»، وبكى كثيراً عليه... ففهم الناس بعد حين انباءاته بشهادة ولده الحسين.
ولم يفارقه، وكان يلاعبه ويتصابى معه، ويشمه ... ثم بعد حين فهم الناس انه واخاه الحسن ريحانتاه من الدنيا.
وكم بكى (صلى الله عليه وآله) حين رآه، فسئل فأخبر بشهادة الحسين (سلام الله عليه) ودعا الى نصرته ولعن قتلته، فنادى في القوم: يزيد! لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه بالدموع وقال: نعي اليّ الحسين. حتى اذا اخذ (صلى الله عليه وآله) يجود بنفسه ساعة الاحتضار ضم الحسين الى صدره وقال لمن حوله: هذا من أطائب ارومتي، وابرار عترتي، وخيار ذريتي، لا بارك الله فيمن لم يحفظه بعدي.
قال ابن عباس: ثم غشي عليه طويلاً وافاق، وجعل يقبل الحسين وعيناه تذرفان ويقول له: اما ان لي ولقاتلك مقاماً بين يدي الله عزوجل.
ولم يقتل الحسين (عليه السلام) حتى ناشد الناس: انشدكم بالله الا صدقتموني ان صدقت، اتعلمون ان في الارض حبيبين كانا احب الى رسول الله مني ومن أخي؟!
قالوا: اللهم لا.
لم يترك الحسين (صلوات الله عليه) المدينة حتى ودع قبر جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) في زيارة تمازجت فيها الوحشة مع الأحزان، وقد هوى على ضريحه وهومت عيناه، فكانت منه لهفة واقبال ومعانقة وشكوى، وقد اخبره المصطفى قائلاً للحسين (ان لك في الجنة درجةً لا تنالها الا بالشهادة). فنهض وشد رحال سفره الى ارض الشهادة وهو يمضي على خطى الرسول الأعظم. يذكر بسيرته الشريفة، ووجوب المضي على هداه المبارك (صلى الله عليه وآله)، فقام خطيباً في الناس منادياً بهم: «ايها الناس، ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله ان يدخله مدخله». ويوم اراد صلوات الله عليه أن يخرج من مكة الى ارض كربلاء، قام خطيباً، فكان منه قوله: «رضا الله رضانا اهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حضيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده».
اخوتنا الأفاضل ... من تأمل في السيرة الحسينية الشريفة وجدها امتداداً للسيرة النبوية المباركة، فعلم معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حسين مني وانا من حسين» فهما (صلوات الله عليهما) في الخلق من نور واحد، وكل واحد هو من الآخر، ثم كان الحسين بعد رحيل المصطفى، قد احيى بنهضته وشهادته المقدسة دين الاسلام، واحيا ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقبل ذلك كان مذكراً بسنته وسيرته الطاهرة، حتى كتب (عليه السلام) قبل خروجه من المدينة في وصية له مبيناً بعض أسباب خروجه وتكليفه الالهي: «واني لم اخرج اشراً ولا بطراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (صلى الله عليه وآله)، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب...».
وإذا كان الناس قد نسوا، او تناسوا، من هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وعلى مبعث، وماذا أدى، ومن هم خلفاؤه، فقد كان الامام الحسين (عليه السلام) مذكراً قولاً وفعلاً بذلك، حيث كتب الى رؤساء الاخماس بالبصرة:
اما بعد، فإن الله اصطفى محمداً (صلى الله عليه وآله) من خلقه، واكرمه بنبوته، واختاره لرسالته، ثم قبضه اليه وقد نصح لعباده، وبلغ ما ارسل به (صلى الله عليه وآله)، وكنا اهله واولياءه، وأوصياءه، وورثته، وأحق الناس بمقامه في الناس.
هذا كان الامام الحسين (صلوات ربنا عليه) ايها الاخوة الاحبة- ملازماً لرسول الله كأنه يعيش في جوانحه، ومعانقاً له في حياته الى آخر أنفاسه الشريفة، هو وأخوه الحسن، فلما اراد امير المؤمنين انهاضهما عن صدر المصطفى قال له: دعهما يشماني واشمهما، ويتزودا مني واتزود منهم، فسيلقيان من بعدي زلزالاً، وامراً عضالا.
وبقي (عليه السلام) ملازماً للنبي بعد رحيله، مذكراً به حيناً، ومستذكراً له حيناً آخر، حتى كان يسأل أباه أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سيرة جده رسول الله، فيبين ذلك له في مبسوط من الحديث حول سيرته الشريفة في معاشرته للناس وفي مجلسه بينهم، واخلاقه العظيمة، حتى انتهى الى قوله (عليه السلام):
كان سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أربعة: على الحلم والحذر، والتقدير والتفكر. فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، واما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر... وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدى به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده فيما أصلح امته، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والآخرة.
*******