أيها الإخوة الاحبة الافاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لم ينبأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأوصيائه الاثني عشر، حتى اخذ يبلغ المسلمين بهم، فطالما ذكرهم بالأسماء والالقاب والكنى والصفات، فتناقل ذلك المؤرخون والمحدثين والمفسرون والرجاليون، فدونوا النصوص الشريفة في كتب تنتمي الى مذهبي الشيعة والسنة، كلهم ذكروا آسم الامام محمد الباقر (عليه السلام)، منهم الكنجي الشافعي في (كفاية الطالب) والجويني الشافعي في (فرائد السمطين)، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودة)، والشيخ الصدوق في (إكمال الدين واتمام النعمة)، والخزار الرازي في (كفاية الأثر)... وغيرهم، منظماً اليهم اليعقوبي صاحب التاريخ المعروف، والحر العاملي في (اثبات الهداة)، وكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول)، ذكروا جميعاً عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري انه قال: كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والحسين في حجره، وهو يلاعبه، فقال: يا جابر، يولد لابني الحسين ابن يقال له «علي»، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين. ويولد لعلي ابن يقال له محمد، يا جابر، اذا رأيته فاقرأه مني السلام.
وفي رواية اخرى قال (صلى الله عليه وآله): يا جابر، يوشك ان تلحق بولد من ولد الحسين، اسمه كاسمي، يبقر العلم بقراً، اي يفجره تفجيراً، فإذا رأيته فاقرأه مني السلام.
ويكون اللقاء بين جابر، والامام الباقر... فيبلغه السلام فيجيب الامام (عليه السلام): على رسول الله السلام مادامت السماوات والارض، وعليك يا جابر بما بلغت السلام.
ايها الاخوة الأفضل... ينشأ الامام الباقر (عليه السلام)، وهمه الاعظم ان يتابع بعد شهادة جده الامام الحسين وشهادة ابيه الامام زين العابدين نهضة بعث الاسلام واحياء رسالة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وقد حانت الفرصة وحل التكليف الالهي المعهود اليه، حيث جاء في الحديث القدسي الشريف قول الله جل وعلا في الحسين (سلام الله عليه): بعترته اثيب واعاقب، أولهم سيد العابدين، وزين اوليائي الماضين، وابنه شبيه جده المحمود، محمد الباقر لعلمي، والمعدن لحكمتي.
وحقاً كان الامام الباقر كذلك، فاستثمر مرحلة انهيار السلطان الأموي الظالم، فنشر معارف رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلومه الالهية المقدسة، وأحيى ذكره المبارك في احياء سنته واخلاقه بين الناس والمحافل العلمية، وروى عنه مئات الأحاديث الشريفة، بل آلافها... في شتى شؤون الحياة، في المواعظ والاحكام والعقائد الحقة الرفيعة، وكل ذلك عن النبي (صلى الله عليه وآله).
ثم كان من الامام الباقر (عليه السلام) ان اخذ يذكر الامة ببعض معالي شؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيقول لهم: أوحى الله تعالى الى محمد (صلى الله عليه وآله) اني خلقتك ولم تك شيئاً، ونفخت فيك من روحي كرامةً مني أكرمتك بها حين اوجبت لك الطاعة على خلقي جميعاً، فمن اطاعك فقد اطاعني، ومن عصاك فقد عصاني...
وقال (عليه السلام): ان الله خلق محمداً (صلى الله عليه وآله) عبداً فأدبه، حتى إذا بلغ اربعين سنة اوحى اليه وفوض اليه الأشياء فقال: «وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا».
وقال (عليه السلام): ان اسم النبي (صلى الله عليه وآله) في صحف ابراهيم (الماحي)، وفي توراة موسى (الحاد)، وفي انجيل عيسى (أحمد)، وفي الفرقان (محمد).
قيل: فما تأويل ذلك؟
فقال: الماحي صورة الأصنام، وما حي الأوثان والأزلام، وكل معبود دون الرحمان. يحاد من حاد الله ودينه، قريباً كان او بعيداً.
حسن ثناء الله عزوجل عليه في الكتب بما حمد من افعاله. ان الله وملائكته، وجميع انبيائه ورسله، وجميع اممهم يحمدونه ويصلون عليه، وان اسمه المكتوب على العرش: (محمد رسول الله).
ونبقى مع الامام الباقر (عليه السلام) وهو يحدثنا حول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخصائص نبوته السامقة، فيقول:
في ظل قوله تعالى: «افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه»: فالنبي (صلى الله عليه وآله) على بينةٍ من ربه، وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب شاهد منه.
ويقول (عليه السلام): ان المساكين كانوا يبيتون في المسجد على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأفطر النبي (صلى الله عليه وآله) مع المساكين الذين في المسجد ذات ليلةٍ عند المنبر...، ولقد أتاه جبرئيل (عليه السلام) بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات، يخيره ... من غير ان ينقصه الله تبارك وتعالى مما اعد الله له يوم القيامة شيئاً، فيختار التواضع لربه جل وعز.
وقال الباقر (عليه السلام): ما أنزل الله تعالى كتاباً ولا وحياً الا بالعربية، فكان يقع في مسامع الأنبياء (عليهم السلام) بألسنة قومهم، وكان يقع في مسامع نبينا بالعربية.
وقد سئل (عليه السلام): ما لمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: له الجنة.
واخيراً ... يقول الامام الباقر (عليه السلام): ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يورث ديناراً ولادرهماً، ولا عبداً ولا وليدةً، ولا شاةً ولا بعيراً. ولقد قبض (صلى الله عليه وآله) وان درعه مرهونة عند يهوديٍ من يهود المدينة بعشرين صاعاً من شعير استلفها نفقةً لأهله! صلوات الله عليك وعلى آلك يا رسول الله عشت صادقاً واميناً، وتوفيت حميداً محيراً.
*******