أيها الاخوة الأكارم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. من يكون يا ترى اقرب الناس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) واشدهم ملازمةً من وصيه الامام علي (عليه السلام)؟! لقد ولد في الكعبة المعظمة، ولم يفتح عينيه، حتى أتي به الى النبي (صلى الله عليه وآله)، فما إن نظر اليه مبتهجاً به وحاكاه حتى كان اول ما فتح عينيه الشريفتين على محيا المصطفى (صلى الله عليه وآله).
فلازمه ولم يفارقه؛ إذ جاء به رسول الله الى بيته بعد ان طلبه من عمه ابي طالب (رضوان الله عليه)، فرباه في كنفه وظله القدسي، وكان يقول: انا اديب الله، وعلي اديبي.
واصبح له كظله، لم يبتعد عنه، لا في سفر ولا حظر، لا في سلم ولا قتال، حتى قبض النبي ورأسه في حجر علي (سلام الله عليهما)، فمد امير المؤمنين يده اليمنى تحت حنك النبي، ففاضت نفسه فيها، فرفعها الى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه ومد عليه ازاره، واستقبل بالنظر في امره وقد انسل من تحت ثيابه وقال: اعظم الله اجوركم في نبيكم، فقد قبضه الله اليه. فارتفعت الاصوات بالضجة والبكاء.
ايها الاخوة الافاضل ... ما جرى ذكر شريف على لسان امير المؤمنين (عليه السلام) بعد ذكر الله تبارك وتعالى كما جرى ذكر النبي (صلى الله عليه وآله)، لا سيما بعد رحيله، بين في ذلك خصائصه وشرائف خصاله، ومكارم فصائله، في حياته الشريفة، خصوصاً بعد مبعثه المبارك، مبيناً انه يذكر ذلك عن مشاهدة ومعايشة، لا عن رواية ونقل، فيقول (عليه السلام): انا وضعت في الصغر بكلاكل العرب. وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة.
وضعني في حجره وانا ولد يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه... ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن ان كان فطيماً اعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن اخلاق العالم، ليله ونهاره. ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر اُمه، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كل سنة بـ «حراء»، فأراه ولا يراه غيري، ولم يصبح بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وانا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة.
ونبقى ايها الاخوة الأعزة مع امير المؤمنين علي (صلوات الله عليه) وهو يصف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأدق وصف واجله وابينه واشرفه، حيث يذكر ارومة النبي (صلى الله عليه وآله) ومحتده الشريف وانسلاله النجيب عن الأحناف الموحدين من طريق الأنبياء والمرسلين (صلوات الله عليه وآله) وعليهم أجمعين.
فيقول في الأنبياء (عليهم السلام): فاستودعهم في افضل مستودع، واقرهم في خير مستقر، تناسختهم كرائم الأصلاب، الى مطهرات الأرحام، كلما مضى منهم سلف، قام منهم بدين الله خلف، حتى افضت كرامة الله سبحانه الى محمد (صلى الله عليه وآله)، فأخرجه من افضل المعادن منبتاً، اعز الأرومات مغرساً، من الشجرة التي صدع منها انبياءه، وانتجب منها امناءه... عترته خير العتر، واسرته خير الأسر، وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم، وبسقت في كرم، لها فروع طوال، وثمرة لا تنال، فهو امام من اتقى، وبصيرة من اهتدى، سراج لمع ضوؤه، وشهاب سطح نوره، وزند برق لمعه، سيرته القصد، وسنته الرشد، وكلامه الفصل، وحكمه العدل، وفي موضع آخر يقول (عليه السلام): اختاره من شجرة الأنبياء، ومشكاة الضياء، وذؤابة العلياء، وسرة البطحاء، ومصابيح الظلمة، وينابيع الحكمة.
ما زلتم في اذاعة طهران واما حول مبعث النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله)، فقد بين امير المؤمنين (عليه السلام) الكثير الكثير في خطبه الشريفة، منها قوله: بعثه والناس ضلال في حيرة، وخابطون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبالغ (صلى الله عليه وآله) في النصيحة، ومضى على الطريقة، ودعا الى الحكمة والموعظة الحسنة.
وفي خطبة اخرى يقول: حتى بعث الله محمداً (صلى الله عليه وآله) شهيداً وبشيراً، ونذيراً، خير البرية طفلاً، وانجبها كهلاً، واطهر المطهرين شيمة، واجود المستمطرين ديمة.
كذلك قال (عليه السلام) في بيان بركاته: حتى اورى قبساً لقابس، وانار علماً لحابس.
ثم قال مخاطباً الباري جل وعلا: فهو امينك المأمون، وشهيدك يوم الدين، وبعيثك نعمة، ورسولك بالحق رحمة.
وتزدحم بين ايدينا - ايها الاخوة الاحبة- خطب امير المؤمنين وكلماته في ذكر اوصاف النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وبركاته وآثاره الشريفة وخصاله الفريدة، لكننا نقف اخيراً على هذه العبارة التي هي من فرائد التعبير، حيث قال فيه، «طبيب دوار بطبه، قد احكم مراهمه، واحمى مواسمه، يضع ذلك حيث الحاجة اليه، من قلوب عمي، وآذان صم، والسنة بكم. متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحيرة...».
اجل والله، فقد كان المصطفى (صلى الله عليه وآله) معاجاً لاسقام الارواح، وكان دواراً بطبه، إذ هو الحريص على شفاء المرضى بالمؤمنين رؤوف رحيم، يمر عليهم ويقدم لهم الشفاء الكامل، فيفتح العيون العمياء، بإعدادها لقبول انوار العلم والهداية، ويفتح الآذان الصماء، لقبول المواعظ الحسنة، ويعالج الألسن البكماء، فيعدها للتكلم بالحق والقول بالصدق، متتبع قلوب الجهال، وضمائر الضلال، بدوائه إذ تلك مواضع الغفلة عن الله تبارك وتعالى.
فصلى الله عليك يا رسول الله شافياً ومعافياً، وشفيعاً مرضياً، وجعلنا الله لك من المحبين والموالين، لك ولآلك الميامين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******