السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد حمل الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم على مدى حياتهم المباركة تحفاً الهيةً وبشارات نبويةً، كان اشرفها تبشير الأمم أن رسولاً خاتماً سيأتي في آخر الزمان يحمل الخير كله الى الناس جميعاً حتى مدى الحياة الدنيا ما يسعد به البشر في أولاهم واخراهم.
والبشارة ايها الاخوة الأعزة ذلك الخبر الذي يؤثر في بشرة الوجه فلما اخبر عيسى قومه بظهور النبي محمد (صلى الله عليه وآله) اثر كلامه في بشرة وجوههم وسروا بذلك النبأ، وقد روي عن رسول الله قوله: «إني عبد الله في الكتاب، وخاتم النبيين، وبشارة اخي عيسى ابن مريم».
ومن قبل السيد المسيح (عليه السلام) بشر الأنبياء السابقون بعضهم بعضاً، كما بشروا أقوامهم وأممهم، فسمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: انا دعوة ابراهيم، وبشرى عيسى ابن مريم، سأحدثكم بتأويل ذلك، دعوة ابراهيم دعا: «وابعث فيهم رسولاً منهم» (البقرة:۱۲۹).
وبشارة عيسى بن مريم: «ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه احمد» (الصف: ٦).
كما تعاهد الناس ذلك، ولكن البعض كتمه. والبعض الآخر أباحد....
روى ابن سعد في (الطبقات الكبرى) ان الزبير بن باطا - وكان اعلم اليهود- كان يقول: اني وجدت سفراً كان ابي يختمه علي، (أي يغلقه) فيه ذكر «احمد» نبي يخرج بأرض القرظ، صفته كذا وكذا، فتحدث به الزبير بعد أبيه والنبي لم يبعث، فما هم الا أن سمع بالنبي قد خرج بمكة حتى عمد الى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: ليس به.
وفيه أيضاً: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله في كتبهم، ويعلمونه الولدان بصفته واسمه، فلما ظهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسدوا، وبغوا، وقالوا: ليس به.
وفي (الطبقات الكبرى) كذلك، ان وفد نجران اختلفوا فيما بينهم عند المباهلة، فتجاسر احدهم فرده ابو الحارث بقوله: بل تعست انت، اتشتم رجلاً من المرسلين؟! انه الذي بشر به عيسى، وإنه لفي التوراة!
وقد صدع عبد المطلب (رضوان الله عليه) باسمه الرسالي الذي جرى على صحائف التنزيل والسنة الرسل والنبيين، فقال:
واصبح فينا احمد في أرومة
تقصر عنها سورة المتطاول
كما صرح العباس بن مرداس، ابن الخنساء بما اشتهر في النبوات السابقة فقال:
نبي اتانا بعد عيسى بناطق
من الحق فيه الفصل منه كذلكا
امين على الفرقان اول شافع
وآخر مبعوث يجيب الملائكا
والان اخوتنا الأفاضل مع البشارة العيسوية في كتاب الله تعالى؛ حيث جاء في سورة الصف: «واذ قال عيسى ابن مريم يا بني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه احمد..» (الاية: ٦). قال المفسرون هذه الآية الشريفة مع جملة آيات بعدها مسوقة لتسجيل أن النبي (صلى الله عليه وآله) رسول معلوم الرسالة عند المؤمنين، وقد بشر به عيسى (سلام الله عليه) من قبل ان يرسله الله بالهدى ودين الحق، فكان كلامه لقومه خيراً مرتقباً لانفتاح باب من الرحمة الالهية على الناس، فيه سعادة دنياهم وعقباهم، من عقيدة حقة او عمل صالح او كليهما، مما يفيد كون ما يأتي به النبي احمد (صلى الله عليه وآله) ارقى واكمل مما مضى، كما يفيد ان المبعوث كان معروفاً مرتقباً لديهم، إذ جاء في سورة الاعراف الآية ۱٥۷ قوله عز من قائل: «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم، فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون».
ايها الأخوة الاكارم ... طالما جرى الاسم الشريف (أحمد) على قراطيس الكتب وصفحات الصحف واطراف الألسن، حتى ورد مراراً على لسان المصطفى (صلى الله عليه وآله) بقوله: انا محمد، وانا احمد... ويقول: سماني في الانجيل احمد. وتداوله الشعراء فقال احدهم:
صلى الإله ومن يحف بعرشه
والطيبون على المبارك احمد
ولكن الكلمة لما جاءت في بشارة عيسى (عليه السلام) كانت بهذا اللفظ (بارقليطا) كما جاء في انجيل يوحنا قوله (عليه السلام) لقومه: أنا أسأل الآب (اي الخالق- في اليونانية) فيعطيكم (بارقليطا) آخر، ليقيم بينكم الى الأبد.
ومعنى بارقليطا: وزن افعل كلمة تفضيل من الحمد، في اليونانية يقابلها في العربية (احمد). وفي مناظرته لرأس الجالوت قال له الامام الرضا (عليه السلام):
في الانجيل مكتوب: ان البرة ذاهب، والفارقليطا يجييء من بعدي وهو يخفف الآصار، ويفسر لكم كل شيء.
ومن قبل ذلك سأل النبي اليهود: أسألكم بكتابكم الذين تقرأون، هل تجدون قد بشر بي عيسى ان يأتيكم رسول اسمه احمد؟
فقالوا: «اللهم وجدناك في كتابنا...» كما اوحى الله الى يعقوب فقال له: حتى ابعث النبي الحرمي الذي تبني امته هيكل بيت المقدس، وهو خاتم الأنبياء واسمه أحمد.
وفي الحديث القدسي خاطب الله نبيه عيسى بقوله: ثم اوصيك يا ابن مريم البكر البتول، بسيد المرسلين وحبيبي، فهو احمد، صاحب الجمل الأحمر، والوجه الأقمر...
وفي زيارة النبي (صلى الله عليه وآله) من البعد نقول مخاطبيه: السلام عليك يا محمد، السلام عليك يا احمد.... الأحمد من الأوصاف، المحمد لسائر الأشراف.
اجل، فقد جمع (صلى الله عليه وآله) المحامد كلها في اسمى درجاتها واعلى آفاقها واشرف خصالها، حتى استحكم العجز على واصفيه، واخرس البلغاء ومن اراد الثناء عليه فقال احد اليائسين في ذلك:
لا تجل في صفات احمد فكراً
فهي الصورة التي لن تراها!
*******