بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحياتنا لكم نبعثها لكم والفرح يغمرنا بتجديد اللقاء بكم عبر برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا وماأعددناه لكم من حكايا الشعوب وقصصها وأساطيرها ندعوكم لمرافقتنا أيها الأحبة.
أعزاءنا المستمعين من الحكايات الشعبية القديمة التي شاعت في اوربا عموماً وألمانيا خصوصاً في القرون الوسطى حكاية طريفة تحمل العنوان "المحتال تيل" وهي حكاية تحمل بين طياتها دلالات أخلاقية تكشف لنا العواقب الوخيمة التي تنتظر المحتالين الذين يعتاشون عن طريق النصب على الناس والاحتيال عليهم حيث تروي لنا هذه الحكاية مغامرات محتال عاش بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر. وكان يتفنن في الضحك على الناس وخداعهم والذين كان يحلو لهم العيش من غير عمل او مسؤوليات.
نعم مستمعينا الكرام ولد تيل في قرية صغيرة في ساجونيا، شب سليماً وكان عمره أربع عشرة سنة عندما إنتقل مع عائلته للعيش في قرية قريبة من مدينة مغديبورغ اذ مات والده بعد فترة قصيرة، ومن ذلك الوقت كان دائم الشجار مع أمه لأنه كان يحصل على مبلغ من عمله دون أن يعطيها شيئاً. بدأ مشوار تيل مع النصب والاحتيال عندما خطرت على باله فكرة أن يمد من الجزء الخلفي من بيته الذي كان يطل على النهر حبلاً وربطه في الضفة الثانية من النهر وعندما صار الحبل مشدوداً ومحكماً للغاية قام تيل بالعبور عليه من طرف الى طرف فتجمع اناس كثيرون وصاروا يتفرجون على الصبي وهو يرقص على الحبل بظرافة وخفة ويقفز. في هذه الأثناء جاءت أمه وأرادت أن تبعد إبنها عن تلك الألاعيب فحذرته ثم صعدت الى السدة وقصت الحبل المشدود الى النافذة، عندها سقط تيل في الماء وأثناء سقوطه كان يقوم بحركات دورانية في الهواء. أما الذين كانوا يتفرجون عليه من اطفال وكبار فقد بدأوا يضحكون ويهزأون وهم يصيحون تيل حمام الهنا، بالتأكيد لن تشعر بالحر ولا بالرغبة في معاودة ذلك!!
نعم أيها الأفاضل وبعد أيام قليلة سرى خبر في أنحاء القرية لأن تيل يستعد لإعادة ألعابه فرغب الجميع في أن يقضوا وقتاً من الضحك والترفيه عن النفس فذهبوا ليشاهدوا المغامر المتهور. ولم يقتصر الذهاب على الأطفال فقط وإنما قدم رجال القرية ونساءها ايضاً. كان تيل يوازن نفسه على الحبل بخفة وطرافة والجميع يتابعونه بأفواه مفتوحة وعيون محملقة. في أثناء ذلك صرخ تيل: دعوني أرى من يعيرني فردة حذاءه اليسرى، سأقدم لكم لعبة مسلية جداً.
نعم نزع جميع الأطفال احذيتهم لأنهم كانوا مبتهجين ومسحورين بتيل الذي جمع أربعين الى خمسين حذاءاً وشكها وسلكها في حبل ثم رماه بين جموع الفضولين وهو يقول: لأرى إن كنتم جاهزين ليأخذ كل منكم حذاءه!!
تدافع الجميع في البحث عن أحذيتهم، كان هناك أحذية كثيرة وكانوا يريدون إستردادها بعجلة، وبعد قليل تحلقت كومة من الناس وهم يتلاعنون ويصرخون ويتضاربون. فما كان من تيل إلا أن هرب من شباك السدة وهو في غاية السعادة ومن غير أن يفكر في العقاب الذي ستعده أمه له طيلة أربعة أسابيع كانت بالنسبة له قروناً من الزمن، فخلالها ظل تيل محبوساً في البيت في غرفة مظلمة، وعندما خرج من حبسه قرر أن يجول العالم مقتنعاً أن القرية صارت صغيرة على مغامراته، وهذا ما فعله بعد أن ترك ذكريات علقت في أذهان الناس عن ألاعيبه الساخرة في أماكن عدة.
نعم أيها الأفاضل اتجه تيل نحو إمارة أنهالت حيث ضمه الأمير الى خدمته ووضعه كحارس في برج مراقبة القلعة. في يوم من الأيام نسي الخدم أن يأخذوا طعاماً له، وفي اليوم نفسه تسللت قوى معادية الى الزريبة الخلفية للقلعة وسرقوا كمية كبيرة من الماشية، أما تيل فقد رابط في مكانه دون حراك ومن غير أية نية أن يعطي إشارة او صافرة إنذار ولكن الأمير ورجاله المحاربين تمكنوا من صد اللصوص وإستردوا المسروقات كلها وعند عودتهم الى القلعة توجه الأمير نحو تيل الذي كان يسترق النظرات من خلف النافذة، فقال تيل له: سمو الأمير إن معدتي كانت خاوية وخفت أن أنفخ في القرن الذي أعطيتني لأنه يصدر صوتاً قوياً يسبب لي طنيناً مؤلماً لمعدة خاوية.
ذهب الأمير والفرسان لتناول الطعام على طاولة كبيرة وعامرة أقيمت للإحتفال بالنصر وبينما هم منهمكون بتناول ألذ المأكولات وأطيب الأطباق أطلق تيل الاشارات الثلاث من صافرة الانذار وعند سماعها نهض الجميع لأخذ أسلحتهم تاركين المطعم خالياً وأصناف الأكل على الطاولات. عندئذ لم يكن صعباً على تيل نيل مراده ولذلك هبط من برجه بقفزات صامتة وعبء قسماً من تلك الطبخات والمأكولات اللذيذة في أكياس وفي جيوبه وعاد بهدوء الى مكانه.
إستشاط الأمير غضباً عندما احس بخديعة الصافرة فطرد الوغد المكار الذي لم يجد بداً من المغادرة والسير على غير هدى. وعندما شعر بالتعب قرر شراء حصان، وفي السوق عثر على حصان رخيص لأنه كان كبيراً في السن وقد أسيئت معاملته ولكن صاحبه كان نبيهاً وسريع الفطنة يريد بيعه بالغش والحيلة فطلب أربعة وعشرين قطعة نقدية.
فقال تيل له سأدفع لك الآن إثنتي عشرة قطعة والباقي يبقى ديناً عليَ. وافق الحوذي فدفع تيل المبلغ وأصبح مالكاً للحصان وبعد ثلاثة شهور أراد الحوذي أن يقبض الباقي الذي وعده تيل به فرد تيل عليه مستغرباً: ألم نتفق على أن يبقى ذلك المبلغ ديناً، لهذا بالضبط لايجب عليَ دفعه. غضب الحوذي وتجادل الاثنان ثم ذهب الى القاضي وأمامه رفض تيل أن يدفع أي مبلغ قائلاً: أنا اشتريت الحصان بشرط وهو ان أدفع له مبلغ إثني عشرة مسكوكة عداً ونقداً وأن أدين له بالإثنتي عشرة المتبقية فإذا دفعت له الآن فمن الواضح أني سوف لاأعود أدين له، وهذا ليس ما إتفقنا عليه فأنا رجل شريف وعليَ أن أحترم كلامي. إقتنع القاضي بهذه الحجة ولم يدفع تيل الدين أبداً.
مازلنا معكم مستمعينا الأفاضل وبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونسرد لكم حكاية الرجل المحتال تيل من ألمانيا.
مستمعينا الأفاضل بعد عدة حيل نادرة ومغامرات في ذلك البلد إنتهى تيل بالوصول الى مجلس أمير مدينة هيس، عندها سأله الأمير من أنت؟ فأجاب تيل بأدب وخيلاء: انا فنان كبير يامعالي الأمير! رسام لن تجد مثيلاً لي في كل المملكة.
أجابه الأمير وقد علت شفتيه إبتسامة الرضا: إبق اذن لتزخرف لنا جدران الصالة بالرسومات، تمثل لنا تاريخ أسلافنا وأجدادنا.
طلب تيل مئة مسكوكة مقدماً على الحساب ليشتري الأصباغ والأوان وليدفع لعدد من الرجال الذين سيساعدونه، ووضع شرطاً هو أن لايدخل أحد الى الصالة طيلة الوقت اللازم لإتمام العمل. وعندما إختلى تيل بمساعديه في الصالة التي سيرسمون فيها الرسومات المزعومة قال لهم تيل: ياأصحابي لقد جاءت الساعة التي سنبدأ فيها راحتنا، يمكنكم أن تناموا كل الوقت الذي ترغبون فيه فهنا لن نفعل شيئاً إننا سندع الوقت يمضي وإياكم أن يتحدث أحد عن عمل هنا.
مضت عدة أسابيع وفي صالة القصر لم يفعل أحد أي شيء أكثر من الراحة والأكل من أطيب المأكولات وأفخرها والتي كانت تأتيهم بأمر الأمير. وعندما حل اليوم الذي طلب الأمير فيه أن يشاهد اللوحة الفنية العظيمة قال تيل له: معالي الأمير إن رغباتكم أوامر لكن أريد أن أحذركم أن رسوماتي لا تبدو للعيان أمام ناظريها إن كانوا قد كذبوا في مناسبة ما من حياتهم.
فكر الأمير في الأكذوبات التي قد يكون إرتكبها خلال حياته ومع أنها كانت نادرة وقليلة ولكنه لم يكن تيل من معرفتها والاطلاع عليها، وصل الى الصالة وتيل في حالة كبيرة من القلق لكنه رفع ستارة كانت مخصصة لحماية الألوان وتغطية الجدران. فتح الأمير عيونه جيداً وأعاد فتحها كثيراً وهي مليئة بالدهشة، ترى ماذا رأى الأمير؟ هل رأى حقاً رسوماً أدهشته أم صدم برؤية شيء آخر؟؟
هذا ما سنتعرف عليه أيها الأخوة والأخوات في القسم الثاني من حكاية المحتال تيل حتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الإلهية وكونوا في إنتظارنا عبر برنامجكم حكايا وخفايا حتى الملتقى أطيب المنى والى اللقاء.