بسم الله الرحمن الرحيم أعزاءنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اهلاً ومرحباً بكم مرة اخرى في لقاء جديد يسرنا أن يجمعنا بحضراتكم عند محطة اخرى من المحطات الأسبوعية مع قصص الشعوب وحكاياها وأساطيرها وما تنطوي عليه من خفايا واسرار ودروس وعبر آملين أن تقضوا معنا اوقاتاً طيبة وممتعة مع ما أعددناه لكم في حلقتنا لهذا الأسبوع من برنامج حكايا وخفايا.
مستمعينا الكرام حكايتنا لهذا الأسبوع ليست من الأساطير في شيء بل هي قصة حقيقية حدثت بالفعل عام ۷۹ للميلاد وظلت مختفية حتى تم إكتشافها قبل ما يقرب من ألف وسبعمئة عام، يحكي لنا هذا الاكتشاف الكارثة الرهيبة التي إجتاحتها وأحاطت بإحدى المدن من كل جانب حتى غدت رماداً تذروه الرياح وعبرة لمن يعتبر، إنها مدينة بومبي الايطالية التي تدفقت عليها في غفلة من اهلها السيول والحمم البركانية فحولت أهلها الى أجساد حجرية وكأن الله تعالى شاء أن تكون عبرة للعالمين. علماً أعزاءنا أن في الكتب السماوية قصصاً عن مدن كاملة إختفت عن وجه الأرض بعد أن حلت عليها اللعنة الإلهية فأصبحت أطلالاً لشوارع وأسواق كانت تعج بالحياة والنشاط ثم توقف الزمن عندها فجأة، ومدينة بومبي هي احدى تلك المدن التي تطل لتلقم حجراً أفواه العديد من الباحثين والعلماء الذي يعتبرون قصص الكتب السماوية مجرد أساطير وخرافات فإليكم اعزتنا المستمعين القصة الحقيقية لما جرى في ذلك اليوم الأخير والمشؤوم من حياة مدينة بومبي الايطالية.
مستمعينا الأفاضل بومبي هي مدينة قديمة تقع في جنوب ايطاليا بالقرب من مدينة نابولي الحالية وقد بنيت على سفح بركان فيزوف الشهير وهو أحد البراكين القليلة في القارة الأوربية التي مازالت تتمتع بنشاط بركاني وربما تكون المئتا سنة الأخيرة من عمرها تمثل أوج النشاط والازدهار والرقي الذي بلغته في جميع مناحي الحياة فما وصل الى ايدي علماء التاريخ يثير الحيرة والتساؤل حول الحياة في العصور القديمة والتي توصف غالباً بالتخلف والانحطاط. فمدينة بومبي كانت تتمتع بنظام متناغم من التصميم المعماري كما كانت تتمتع بنظام رائع ومتطور للري وتوزيع المياه والصرف الصحي وكانت تزخر بالمنتديات العامة والثقافية وبرك السباحة والحمامات والمراكز الرياضية والمعابد والأبنية الحكومية الفارهة. وتزدان جدرانها بالرسوم الفسيفسائية التي أبدعتها انامل الفنانين القدماء والتي تصور جمال وأناقة سكان المدينة وسحر الحياة التي كانوا يتمتعون بها. كما كان بركان فيزوف هو سبب دمار المدينة فإنه كان ولقرون عدة سبب إزدهارها وغناها فتربة الحقول المحيطة بالمدينة كانت اغنى تربة زراعية في اوربا بسبب طبيعتها البركانية حيث يذكر المؤرخون أن سكان بومبي كانوا يزرعون ويحصدون محاصيلهم الزراعية ثلاث مرات في السنة كما كانت المدينة منتجعاً للأغنياء وعوائلهم، وهذه السياحة كانت تدر الأرباح الطائلة على سكان المدينة.
أعزاءنا في العشرين من شهر آب أغسطس عام ۷۹ للميلاد حدثت بعض الشقوق في الأرض وتحولت مياه الخليج الهادئة الى امواج عملاقة غاضبة، الحيوانات والطيور أصبحت مضطربة ويصعب السيطرة عليها ورغم جميع هذه العلامات والاشارات إلا أن سكان المدينة استمروا بحياتهم العادية، وفي اليوم السابق لثورة البركان كان هناك احتفال صاخب ومهيب في بومبي مكرس للإله فولكاناليا وهو إله النار والبراكين عند الرومان وإنشغل السكان بالسكر والعربدة حتى ساعة متأخرة من الليل حيث عادوا الى بيوتهم ليخلدوا الى النوم. في الساعات الأولى من اليوم التالي بدأ بركان فيزوف يطلق حممه الغاضبة الى السماء التي تلبدت بالدخان الأسود لتحيل النهار ليلاً، وبدأ الرماد الأسود يدخل على المدينة ليغطي سقوف منازلها وطرقاتها الحجرية. كان هناك العديد من السكان قرروا الهرب وترك المدينة منذ الساعات الأولى لثورة البركان وقد يكون بعضهم قد نجا لكن هناك آخرين قرروا البقاء واعتقدوا أن من سيحميهم من الموت ومن حمم البركان هو سقوف بيوتهم الحجرية. إستمر الرماد الأسود بالهطول على المدينة وعند منتصف الليل حدث الانفجار الفعلي للبركان وبدأ فيزوف يقذف الحمم النارية الى مسافات بعيدة مصحوبة بالغازات البركانية السامة والقاتلة واخذ المزيج الناري الأحمر للأحجار المنصهرة يتقدم ببطئ نحو المدينة وهو ما كان إيذاناً بموت جميع السكان فحتى هؤلاء الذين لم يدفنوا احياءاً تحت الرماد البركاني فإنهم ماتوا تحت سقوف منازلهم التي دمرتها الصخور الضخمة التي قذفها البركان او هلكوا خنقاً بسبب الغازات البركانية السامة.
أيها الأحبة تستمعون الى برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران والقصة عن مدينة بومبي الايطالية او المدينة المنسية. أيها الكرام نقول في هذا المجال إن من المستحيل على الباحثين اليوم تقدير عدد الذين قتلوا نتيجة ثورة بركان فيزوف فبالاضافة الى بومبي هناك ثلاث مدن رومانية اخرى كانت تقع على سفح البركان وقد إختفت كلياً او جزئياً ربما تكون أشهرها مدينة هركولانيوم وقد لاتمثل العينات المتحجرة الموجودة اليوم لضحايا البركان إلا نسبة ضئيلة جداً من العدد الفعلي للقتلى ممن ماتوا أثناء محاولتهم الهرب في الحقول او إبتلعتهم امواج البحر الهائج. ومهما يكن من امر فلقرابة ألف وسبعمئة عام إختفت بومبي ولم يبق لها أي ذكر سوى اشارات متفرقة في كتب المؤرخين القدماء ربما يكون أكثرها دقة وتفصيلاً ما ذكره المؤرخ الروماني الشهير بوليني الصغير والذي كان شاهداً عينياً لإنفجار بركان فيزوف عام ۷۹ للميلاد ورغم محاولات الكثيرين خصوصاً الباحثين عن الكنوز لقرون عديدة الوصول الى بومبي المدفونة تحت ثلاثين قدماً من الرماد البركاني إلا أن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل حتى أن البعض بدأ يشك بوجود المدينة أصلاً ويظن أنها مجرد أسطورة قديمة، ولم يتم إكتشاف مدينة بومبي ثانية حتى عام ۱۷٤۸ ومنذ ذلك الحين أصبحت قبلة للسياح والزائرين بسبب طبيعتها المتفردة التي تمتاز بها بومبي عن بقية المدن التاريخية. فما تشاهده في بومبي هو الزمن الذي توقف عام ۷۹ للميلاد فكل المباني والشوارع تعود الى ذلك التاريخ ولم يجر لها أي اضافة او تعديل منذ ذلك اليوم.
أعزاءنا وفي الختام وللأمانة ينبغي أن نذكر شيئاً عن المدينة يعتبره انصار نظرية العقاب الإلهي دليلاً على أن الكارثة التي حلت بالمدينة هي عقاب من الله فعندما اكتشفت المدينة واخرجت أغلب مبانيها من تحت الرماد ذهل العلماء والباحثون لما رأوه مرسوماً على جدران بعض الأبنية فلقد كان هناك عدد كبير من الصور الإباحية بشكل علني على الجدران حتى أن من يراها يظن للوهلة الأولى أنه ينظر الى صور من مجلة إباحية حديثة علماً أن علماء التاريخ يقولون إن المباني المزينة بهذه الصور كانت بيوت دعارة وفجور وفسوق وإن من كان يعمل بها كانوا من العبيد وأغلبهم من اليونان وهو مايذكرنا بقول الله تعالى في محكم كتابه الكريم بشأن الأمم التي إرتكبت الفواحش واستكبرت وطغت ورفضت الإنصياع للأوامر الإلهية التي جاءت عبر رسلها حيث يقول الله سبحانه وتعالى "بسم الله الرحمن الرحيم قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لايشعرون" ويقول عز من قائل "أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض او يأتيهم العذاب من حيث لايشعرون" صدق الله العلي العظيم.
مستمعينا مستمعاتنا كونوا في إنتظارنا في حلقة الأسبوع المقبل عند حصاد آخر من قصص الشعوب وحكاياها عبر برنامجكم حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وفي هذا المجال تهمنا ملاحظاتكم واقتراحاتكم لشأن تطوير البرنامج وتقديمه لكم بالحلة المناسبة فنرجو التواصل عبر بريد قسم الثقافة والأدب والفن الألكتروني ADABFAN۲۰۲۰@GMAIL.COM شكراً على حسن المتابعة والى اللقاء.