بسم الله الرحمن الرحيم احبتنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم في لقاء جديد يجمعنا بكم بين الآفاق اللامتناهية لقصص الشعوب وحكاياها واساطيرها عبر برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا حيث سنستكمل في هذه الحلقة القصص والحكايات والروايات المختلفة التي تناقلتها الألسن عبر العصور حول المحيط الأطلسي او ما كان يسمى قديماً ببحر الظلمات. وهل ما كان يمتد وراءه عالم او قارة قائمة بحد ذاتها؟ أم كان يمثل نهاية العالم حقاً كما كان يتصور الانسان في تلك الحقبة التاريخية؟ هذا ما سنعرفه في حلقتنا لهذا الأسبوع بإذن الله.
مستمعينا الأكارم إن الفايكينغ الذين أشرنا اليهم في أسطورة بحر الظلمات بإعتبارهم من الشعوب الذين قيل إنهم إكتشفوا المجاهل المحيطة بهم وربما النائية عنهم من مثل القارة الأمريكية على حسب بعض الروايات هم قبائل بربرية مقاتلة عاشت في شمال اوربا وتركز وجودهم فيما يعرف اليوم بالدول الأسكندنافية وقد إشتهروا بمراكبهم البحرية الطويلة وبمقاتليهم الأشداء الذين بثوا الرعب والخراب في أرجاء اوربا منذ مطلع القرن التاسع للميلاد. كلمة فايكينغ تعني القرصان في بعض اللغات الأوربية فقد كانوا بحارة ماهرين جابت سفنهم البحار والمحيطات من اجل المتاجرة مع مختلف الأمم والشعوب فوصلوا حتى البحر المتوسط وشمال افريقيا وكانوا يتاجرون بالبضائع والعبيد وقد عرفهم العرب وأسموهم درّس وكتب عنهم ابن فضلان في رحلته الشهيرة الى بلاد الصقالبة حيث أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله في بعثة دينية الى ملك البلغار ويعد كتاب ابن فضلان واحداً من أفضل المصادر التاريخية التي يعتمدها الباحثون الأوربيون عن الفايكينغ وشعوب شمال اوربا. وكذلك كتب عنهم الرحالة الجغرافي الايراني ابن سرتة في القرن العاشر للميلاد.
نعم اعزائي الأفاضل الفايكينغ هم اول من اكتشف البحار الشمالية وقد شيدوا مستعمراتهم في ايسلندا وغرينلاند منذ مطلع القرن العاشر للميلاد، ورغم أن الفايكينغ لم يتركوا أي كتب او وثائق تؤرخ رحلاتهم الاكتشافية تلك إلا أن بعض المؤرخين الأوربيين كتبوا عن تلك الرحلات وعن الصدفة التي كانت وراء أغلب هذه الاكتشافات حيث جنحت بعض السفن عن مسارها بسبب العواصف لتجد نفسها بعد عدة ايام أمام شواطئ جديدة فنزلوا فيها وأقاموا مستعمراتهم فيها بالتدريج. وقد ثبت لعلماء الآثار والتاريخ صحة ما ذكره المؤرخون حيث تم اكتشاف بقايا مستعمرات الفايكينغ في تلك الأصقاع إلا أن العلماء لم يستطيعوا معرفة وتحديد منطقة اخرى سمتها الوثائق القديمة بفنلاند ومعناها أرض الخمور حيث ذكرت المخطوطات القديمة أن شجيرات العنب كانت تنمو من تلقاء نفسها في تلك الأرض الخصبة.
أيها الكرام حول اكتشاف شجرة العنب روت احدى الوثائق أن أحد رجال الفايكينغ كان مبحراً من ايسلند الى غرينلند لزيارة والده فداهمت سفينته عاصفة هوجاء قذفت بها بعيداً عن مسار الرحلة وبعد عدة أيام وجد الفايكينغ انفسهم امام أرض جديدة مغطاة بالغابات الكثيفة الخضراء لكنهم لم ينزلوا الى الشاطئ لأنهم كانوا على عجلة من امرهم للعودة الى غرينلند قبل حلول فصل الشتاء. إلا أن قصتهم هذه أثارت فضولاً للناس وجعلت الكثيرين يتشوقون للوصول الى تلك الأراضي الخضراء وخاصة أن غرينلند كانت أرضاً جرداء تقريباً يصعب الحصول على الخشب فيها لذلك قام احد البحارة المغامرين واسمه ليس اريكسون بالابحار للبحث عن تلك الأرض الجديدة في حدود عام ۱۰۰۳ للميلاد وقد وصلها فعلاً وأقام فيها مستعمرة صغيرة وحاول إقناع المزيد من الفايكينغ بالقدوم اليها لكن محاولاته باءت بالفشل ولم تدم المستعمرة سوى سنوات قليلة وذلك أسباب عدة منها بعد المستعمرة عن المركز الرئيس للفايكينغ غرينلند وكذلك قلة عدد النساء في المستعمرة حيث نشب نزاع بين الرجال حولهن وايضاً بسبب هجمات سكان الأرض الأصليين من الهنود الحمر والذين أسماهم الفايكينغ بالبرابرة لذلك سرعان ما هاجر الفايكينغ المستعمرة وعادوا أدراجهم الى غرينلند.
أيها الكرام مازلتم تتابعون معنا مشكورين برنامج حكايا وخفايا في هذه الحلقة المخصصة لإستعراض أسطورة بحر الظلمات او جنة الفايكينغ حيث كان الباحثون يظنون لسنوات طويلة أن فيلند هي مجرد أسطورة وقصة خيالية من العصور الوسطى لكن في عام ۱۹٦۰ تمكن علماء الآثار من اكتشاف بقايا مستعمرة للفايكينغ في جزيرة نيوفاولند الكندية وكانت هذه المستعمرة تتكون من عدة أكواخ صغيرة استخرج العلماء منها مئات القطع الأثرية التي تدل بشكل قاطع على أن ساكني هذه الأكواخ كانوا من الفايكينغ وقد أدرجت اليونسكو هذه المستعمرة كجزء من التراث العالمي وحولتها السلطات الكندية الى متحف بعد أن اعادت ترميم الأكواخ وتأثيثها.
نعم اعزائي الأفاضل رغم اكتشاف هذه المستعمرة إلا أن البعض يعتقد أنها لم تكن سوى مخيم مؤقت وأن المستعمرة الحقيقية تقع الى الجنوب من الجزيرة بل أن البعض يذهب أبعد من ذلك ويدعي بأنها كانت تقع على سواحل الولايات المتحدة الأمريكية. أياً كان موقع فينلند الحقيقي فإن المستعمرة المكتشفة في شمال جزيرة نيوفاولند تؤكد بما لايقبل الشك أن الفايكينغ قد سبقوا كريستوفر كولومبوس والاسبان بقرابة الخمسين عاماً في اكتشاف القارة الأمريكية ويبدو أن السبب الرئيس لفشل الفايكينغ في الاستيطان والبقاء في امريكا يعود الى الاحتكاك مع سكان القارة الأصليين أي الهنود الحمر حيث أن الفايكينغ لم يكونوا يملكون في ذلك الزمان الأسلحة النارية التي مكنت الأسبان فيما بعد من هزيمة الهنود الحمر واستعمار القارة.
هكذا مستمعينا الأفاضل فإن اسطورة بحر الظلمات او جنة الفايكينغ المفقودة تعد من جملة الأساطير المتعلقة بالأراضي النائية والمجاهل الممتدة وراء البحار والمحيطات والتي حيكت حولها الحكايا والقصص والمغامرات بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لدى الانسان في تلك الحقب السحيقة الممتدة الى ما قبل القرون الوسطى ونظرة الشعوب اليها بعين الريبة والشك والتي دفعتهم في بعض الأحيان الى أن يتصوروا أن العالم ينتهي عند حدود المحيط الأطلسي او بحر الظلمات. وسواء كان المكتشف للقارة الأمريكية الممتدة وراء بحر الظلمات كولومبوس الاسباني او كانت هناك شعوب اخرى سبقته في هذا الاكتشاف الكبير الذي غير مصير العالم ومنهم المسلمون وجعله يسير في اتجاه آخر فإن من المسلم به أن فضول الانسان وتعطشه اللامتناهي الى اكتشاف ما حوله وما هو بعيد عنه لاينتهي عند حدود وستظل هذه الغريزة التي أودعها الخالق تعالى في اعماق كيانه ملازمة له حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
نرجو أن تكونوا أيها الأخوة والأخوات قد قضيتم معنا أوقاتاً حافلة بالمتعة والفائدة وعلى امل أن اجدد اللقاء بكم عند حكايا اخرى والمزيد من الأسرار والخفايا عبر برنامجكم حكايا وخفايا الذي قدم لحضراتكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران نستودعكم الرعاية الالهية راجين منكم أن تستمروا في التواصل معنا من خلال ملاحظاتكم واقتراحاتكم التي سننتفع منها بالتأكيد عبر البريد الألكتروني لقسم الثقافة والأدب والفن من اذاعة طهران وهو ADABFAB۲۰۲۰@GMAIL.COM حياكم الله والى اللقاء.