بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحايانا الخالصة لكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا معكم عند محطة اخرى من محطاتنا الأسبوعية بين رحاب حكايا العالم وخفاياه عبر برنامجكم حكايا وخفايا حيث نحرص على أن نجمع لكم في مادتنا التي نعرضها لحضراتكم بين المتعة والفائدة وبين قصص الشعوب وأساطيرها وبين غوامضها واسرارها. تعالوا معنا الى ما أعددناه لكم في هذا الأسبوع من غرائب العالم وغوامضه.
مستمعينا الأفاضل لابد أن اسم بحر الظلمات قد طرق أسماعكم وأنتم تطالعون التاريخ الحافل بمغامرات الانسان ومحاولاته لإكتشاف المجهول، إنه الاسم العربي في العصور الوسطى لما غدا اليوم يعرف بالمحيط الأطلسي، هذا المحيط الذي كان لغزاً مجهولاً بالنسبة للقدماء حيث كانوا يعتقدون أن نهاية العالم تقع خلفه وحيث دارت الكثير من القصص الأسطورية حول أسراره ومخلوقاته العجيبة حتى جاء كرستوفر كولومبوس عام ۱٤۹۲ ليكشف للعالم عن وجود قارة وحضارة عظيمة خلف هذا المحيط. ولكن هل كان كولومبوس حقاً هو الشخص الأول الذي تطأ قدمه أرض القارة الجديدة؟ وهل كان المسلمون هم المكتشفون الحقيقيون لقارة امريكا؟ أم قوم من القارة الأوربية يدعون الوايكينغ؟ هذا ما سنتعرف عليه على مى حلقتين من البرنامجز
أعزاءنا في يوم ربيعي من عام ۱٥۰٦ وفي احد القصور الفخمة في مدينة بلد الوليد الاسبانية تمدد رجل خمسيني على أحد الأسرة وهو يحدث بعينيه المرهقتين الى السماء الزرقاء المطلة من احدى النوافذ الصغيرة العربية الطراز، لم يكن هذا الرجل سوى كريستوفر كولومبوس يعاني سكرات الموت بسبب قلب مريض في تلك اللحظات الأخيرة والحرجة من حياته يبدو من المستحيل أن نجزم بما كان يدور في رأسه إلا أن إنجازه التاريخي الكبير لم يكن غائباً عن باله حتماً فرغم أن الرجل وحتى الرمق الأخير من حياته كان يظن بأنه إكتشف الساحل الغربي للهند لكنه مع هذا يبقى رسمياً المكتشف الأول للقارة الأمريكية وستظل هذه المعلومة التاريخية تدرس للطلاب الصغار في أرجاء العالم ولمئات السنين.
مستمعينا الكرام منذ منتصف القرن المنصرم ومع ولع الناس المتزايد بقصص ماوراء الطبيعة كالصحون الطائرة وقارة أطلنتس والغرائب الموجودة في بعض الحضارات القديمة أخذ بعض الباحثين يتحدثون عن اناس سبقوا كريستوفر كولومبوس بمئات وآلاف السنين في إكتشافهم لأمريكا وشاعت الكتب والمقالات التي تتحدث عن سفن فرعونية وسومرية وفينيقية ورومانية حطت رحالها في امريكا وأن حضارة امريكا الجنوبية والوسطى ماهي إلا إمتداد لحضارات العالم القديم. ومع هذا تبقى هذه الكتابات مجرد حبر على ورق بسبب صعوبة إثباتها فبعيداً عن قصص الصحون الطائرة والمخلوقات الفضائية والحضارات المتطورة البائدة يبقى إدعاء هؤلاء الباحثين يفتقر الى الدليل العلمي والتاريخي القاطع. وقد حاول بعض أصحاب هذه النظريات الاستناد في إدعاءهم الى بعض القطع الأثرية التي وجدت في امريكا والتي تحمل سمات حضارات العالم القديم إلا أن علماء الآثار يؤكدون أن اغلب هذه القطع مزورة وهناك ايضاً من يحاول الربط بين بعض اوجه الشبه بين الحضارات الأمريكية وحضارات العالم القديم كتلك التي يمكن ملاحظتها بين المعابد المدرجة في حضارات المايا والأنكا والأستك وبين الأهرام الفرعونية والزقورات السومرية والمعابد الهندوسية القديمة إلا أن هذا التشابه لايمكن أن يكون دليلاً على وجود اتصال بين هذه الحضارات كما أنه تشابه غير متكامل وهناك اختلافات جوهرية بين كل من هذه المعالم على حدة كما أن حضارة الهنود الحمر تختلف في بعض الأمور التي كانت تعتبر أساسية وبديهية في حضارات العالم القديم فالهنود الحمر لم يعرفوا مثلاً الخيول حتى ادخلها الاسبان معهم في القرن السادس عشر كما أنهم لم يعرفوا الدواليب والعجلات.
مستمعينا الأفاضل مازلتم تتابعوننا عبر الحديث عن بحر الظلمات من خلال برنامجكم حكايا وخفايا يقدم لكم من طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
يبقى أن نذكر بأن العلماء لاينكرون بشكل قاطع وجود اتصالات بين العالم القديم والجديد فالهنود الحمر لم يهبطوا من السماء كما حاول أريك فون دنكن اثبات ذلك في كتابه الشهير عربات الآلهة وهم على الأرجح ليسوا سليلي حضارة أطلنتس الأسطورية ولكنهم حتماً عبروا الى القارة الأمريكية من منغوليا عن طريق الاسكا او هم من سكان الجزر النائية المتنقلين بقواربهم الصغيرة في المحيط الهادئ.
اعزاءنا المحيط الأطلسي كان معروفاً منذ القدم، عرفه الفينيقيون والرومان وخاضوا في عبابه وكان يعتقد في ذلك الزمان بأنه بحر لامتناهي ودارت حوله الكثير من الخرافات والأساطير وقد أسماه العرب ببحر الظلمات وبسبب هذه التسمية يقول ابن خلدون: ويسمى بحر الظلمات لأنه تقل الأضواء من الأشعة المنعكسة على سطح الأرض من الشمس لبعده عن الأرض فيكون مظلماً وهو بحر كبير غير منحصر لاتبعد فيه السفن عن مرئى العين من السواحل للجهل بسمت الرياح هنالك ولنهايتها اذ لاغاية من العمران وراءه وهذا مفقود في البحر الكبير لأنه منحصر ومنبعث الريح وإن كان معروفاً فيه فغايته غير معروفة لفقدان العمران وراءه فتضل السفن اذا جرت به وتذهب فتهلك.
نعم اعزاءنا وطبقاً لما كتبه ابن خلدون فإن السفن كانت تتحاشى التوغل الى داخل المحيط وكانت تبحر بمحاذاة الساحل لجهلها بمسالكه ولإعتقاد الناس آنذاك أن لاشيء خلفه وأنه نهاية العالم. وتدل بعض الكتب والوثائق التاريخية على أن المسلمين كانوا على معرفة بالمحيط ولعل خارطة العالم الشهير أبي عبد الله محمد الادريسي هي خير دليل على ذلك، فقد قام الادريسي برسم خارطته الشهيرة عام ۱۱٥٤ على كرة من الفضة عندما كان يعمل مستشاراً في بلاط ملك صيقليا جورج الثاني في شكل هو أشبه مايكون بمجسمات الكرة الأرضية العصرية الموجودة في المدارس. وفي خارطته تلك يظهر الأدريسي جزءاً من القسم الشمالي للمحيط الأطلسي حيث تظهر جلياً أنكلترا وأسكتلندا وايرلندا وجزر اخرى متناثرة حولهما. وفي كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق هناك فقرات أثارت اهتمام الباحثين حول مدى معرفة المسلمين بمجاهل المحيط الأطلسي او بحر الظلمات كما كانوا يسمونه حيث كتب الأدريسي عن بعثة بحرية أبحرت داخل الأطلسي ووصلت الى جزيرة سكانها بشرتهم حمراء وأجسادهم لاينبت عليها الشعر وهي صفة الهنود الحمر.
ماذكره ابن خلدون يعد دليلاً قاطعاً على محاولات الرحالة المسلمين لإكتشاف المحيط الأطلسي وربما يكون ما ذكره المؤرخ المسعودي في كتابه مروج الذهب هو أشهر ما كتب في هذا الصدد حيث يورد بعض الاشارات المقتضبة عن بعض المغامرين المسلمين ممن تحدوا اسطورة المحيط وأبحروا بسفنهم في مياهه لإكتشاف أسراره وأغواره ويبدو أن بعضهم قد نجا من الضياع والغرق في امواج المحيط الشاسع وعاد ليروي للناس قصصاً عن اراضي نائية تزخر بالثروات، وأحد هؤلاء الذين ذكرهم المسعودي بالاسم هو خشخاش بن سعيد بن أسود من مدينة قرطبة حيث أبحر في المحيط مع بعض الشباب المغامر وعاد بعد فترة من الزمن محملاً بالذهب والكنوز أي كما حصل بالضبط مع الاسبان بعد حوالي ستمئة عام وهو الأمر الذي حدا بالبعض من المؤرخين الى الاعتقاد بأن كولومبوس إستعان بالخرائط العربية القديمة لعبور المحيط الأطلسي والوصول الى امريكا فقبل إبحار كولومبوس بنحو سبعة أشهر أي في بداية الشهر الأول من عام ۱٤۹۲ سقطت غرناطة آخر المدن العربية الاسلامية في الأندلس، سقطت بأيدي الأسبان ومعها الكثير من المخطوطات والكتب العربية التي احتوت مواضيع في مختلف مجالات العلوم.
أعزاءنا الأفاضل كونوا بإنتظارنا حتى الأسبوع القادم بإذن الله حيث سنكمل الحديث عن القصص والحكايات والأساطير التي رويت على مر التاريخ حول بحر الظلمات والقارة الأمريكية الممتدة وراءه ومن الذي إكتشفها لأول مرة. من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران قدمكنا لحضراتكم برنامج حكايا وخفايا شكراً لمتابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.