بسم الله الرحمن الرحيم اعزاءنا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تحياتنا القلبية الخالصة تبعثها اليكم أعزاءنا المستمعين الأفاضل والبهجة تغمرنا لتجديد اللقاء بكم عند محطة اخرى من محطات عالم الغموض والخفايا، العالم المحاط بالأسرار والإبهام. عالم قصص الشعوب وحكاياها وأساطيرها عبر برنامجكم الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا فرافقونا.
مستميعنا مستمعاتنا سنواصل رحلتنا في محطتنا لهذا الأسبوع بين مجاهل ومتاهات المحاربات الأمازونيات، هذه الأسطورة التي إن لم تكن حقيقية بالمرة فأنما لابد أن تدل في أقل تقدير على رغبة دفينة عند بعض النساء في التحرر من سلطة الرجل والعيش بحرية بعيداً عن أغلال الإرتباط والإلتزامات التي تفرضها طبيعة الحياة الزوجية والتي جعلت من المرأة في الكثير من عصور التاريخ خادمة وتابعة للرجل الى حد الإذلال والقهر وربما المتاجرة بها ومصادرة ارادتها. الأمر الذي أدى الى خلق عقدة دفينة لدى البعض من النساء الجريئات اللواتي عبر عن رغبتهن العارمة في التحرر من سلطة الرجل بل ومعاداته وإضمار الحقد له الى حد التخلص منه كما نرى ذلك في هذه الأسطورة التي تعبر في الحقيقة عن شذوذ في الرؤية وتطرف في التعامل الى حد المغالاة وذلك في غياب الأطروحة الإلهية التي كرمت كلا من الرجل والمرأة وجعلت كلا منهما سكناً ولباساً للآخر وأوكلت لكل واحد منهما دوراً مقدساً ومسؤولية سامية يسهمان من خلالها في بناء الكون والحياة وتشييد دعائم مجتمع نزيه بعيد عن العقد والتراكمات.
مستمعينا الكرام في العصر الحديث نظر الناس الى قصة المحاربات الأمازونيات كأسطورة وخرافة قديمة لكن وجود الكثير من الكتابات والرسوم والنقوش في تراث الكثير من الأمم والشعوب القديمة والتي تحدثت بإطناب عن المحاربات الأمازونيات دفعت عدداً من الباحثين والآثاريين الى الإعتقاد بوجود بعض الجذور التاريخية الحقيقية للأسطورة. وكانت الأقوام البدوية القديمة الإثكيتيين والسرمتيين الذين إجتاحوا جنوب روسيا وآسيا الصغرى منذ القرن التاسع قبل الميلاد هم الأقرب الى أن يكونوا مصدر الأسطورة. وقد ذكر هيرودوت وغيره من المؤرخين القدماء بأن نساء هذه القبائل كن يشاركن مع الرجال في الصيد والقتال وأنهن كن فارسات وراميات بارعات كالرجال. لكن المفاجئة الصعقة كانت تنتظر الباحثين في أحد القبور حيث عثروا على هيكليين عظميين لأمرأتين مدفونتين وهما ترتديان بزة قتال كاملة والى جانبهن وضعت أسلحتهن وقد تبين بالفحص المختبري أن أحد الهيكلين يعود الى امرأة أمضت أغلب سني حياتها وهي تمتطي الخيل أما المرأة الأخرى فقد وجدوا داخل كتفها نصل سهم يبدو أنه أصابها بجرح خطير أثناء القتال في احدى المعارك وقد ماتت متأثرة بجراحها.
أعزاءنا هذه الإكتشافات الأثرية وغيرها دفعت الكثير من الباحثين الى التساؤل بجدية حول حقيقة أسطورة النساء المحاربات حتى أن بعضهم وضع نظرية مفادها أن الإغريق دخلوا حقاً في معركة مع نساء محاربات لكنهن لم يكن أمازونيات وإنما إسكيتيات ذهب عنهن رجالهن من اجل الغزو والحرب، هذه عادة كانت تتكرر لدى القبائل البدوية الإسكيتية اذ كان الرجال يغادرون لفترات طويلة تمتد لعدة سنوات وخلال هذه الفترة فإن النساء كانت تقوم محل الرجال في حماية القبيلة والدفاع عنهاز يبدو أن الإغريق قد إشتبكوا مع احدى هذه القبائل التي ذهب عنها رجالها للغزو.
وهنا كانت نظرية اخرى حول المحاربات الأمازونيات تزعم بأن جزيرة كريت اليونانية هي الموطن الحقيقي للأسطورة وأنها ظهرت خلال الحقبة التاريخية التي تعرف بالمينوسية والتي إمتدت على الجزيرة منذ الألف الثالث وحتى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد. وعلى الرغم من أن العلماء لم يستطيعوا حتى اليوم فك رموز الكتابة المينوسية لكن الاثار التي عثروا عليها من تلك الحقبة كشفت عن مجتمع تقوده النساء او على الأقل يتساوى فيه النساء والرجال بشكل كامل فالجداريات والنقوش داخل القصور وبيوت المينوسيين أظهرت الرجال والنساء وهم يشاركون في الألعاب الرياضية معاً على قدم المساوات كما أن آلهة المينوسيين كانت جميعها انثوية. وبدا جلياً أن النساء كانت لهن اليد العليا في أمور الدين والدنيا في ذلك المجتمع الغامض الذي تعتبر لوحاته ونقوشه من أرقى وأجمل ما وجد من آثار في حوض البحر الأبيض المتوسط.
أعزاءنا وأياً كان أصل أسطورة الأمازونيات فلابد أن نذكر بأن هناك الكثير من الأشياء والظواهر التي تحمل اسم الأمازون في عصرنا الحالي، ربما يكون أشهرها نهر الأمازون والغابات المحيطة به في البرازيل، وقد سمي كذلك لأن مكتشفه الإسباني فرانجسكو ديئوريلانا عندما وصل الى مايعرف اليوم بحوض نهر الأمازون عام ۱٥٤۲ زعم أنه شاهد في الأدغال القريبة من النهر مجموعة من النساء المحاربات فتبادر الى ذهنه أنهن محاربات الأمازون اللواتي ذكرتهن الأساطير الإغريقية لهذا اطلق على النهر والغابات المطرية المحيطة به اسم المازون.
ولكن مهما يكن من شيء تبدو لنا الأمازون او النساء المحاربات حادثة تاريخية حقيقية في أصلها، جرت احداثها في القوقاز الشمالي وأن إطلاق كلمة الأمازون لاعلاقة له بمنطقة الأمازون المعروفة في البرازيل لأن الأسطورة تفيد بأن هؤلاء النساء كن يعمدن الى قطع وكي أحد أثداء بناتهن كي لايعيقها في المستقبل عن استخدام القوس والسهام في الرماية وقد رواها العديد من المؤرخين الإغريق وقد سجلها الكثير من الباحثين الأجانب ونقلوها عن الروايات الشعبية للرواة الشراكسة في القوقاز فجاءت كلها متماثلة بخطوطها العامة لافرق بين رواية واخرى إلا في تفاصيل جزئية مما يدل على صحة هذه الحادثة ولو على مستوى أصلها وبغض النظر عن الإضافات والمبالغات التي لحقت بها عبر العصور وعلى أثرها في التاريخ القديم لشعوب شمال القوقاز عموماً والشراكسة منهم بشكل خاص لذلك هي تتدرج تحت اسم الحكاية الشعبية التاريخية وذلك بعد تحليل مدلولاتها ومرامها التي يمكن أن نستنتجها من الأحداث في الرواية والتي أشرنا اليها في مقدمة هذه الحلقة من البرنامج.
اخوتنا المستمعين أخواتنا المستمعات نرجو أن تكونوا قد إستمتعتم وأفدتم معنا من حكايتنا هذا الأسبوع والتي كانت عن أسطورة المحاربات الأمازونيات وحقيقتها ومصادرها المختلفة. حتى نلتقيكم عند حكايا وخفايا اخرى من تراث الشعوب وثقافاتها نتمنى لكم اطيب الأوقات تقبلوا تحيات قسم الثقافة والأدب والفن من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران آملين منك التواصل معنا بملاحظاتكم ومشاركاتكم عبر بريد البرنامج الألكتروني adabfan۲۰۲۰@gmail.com شكراً لكم الى اللقاء.