بسم الله الرحمن الرحيم أحبتنا المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات ونبعث لحضراتكم أحلى التحايا وأطيب الأماني في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا معكم عند جولة اخرى عند آفاق القصص والحكايا والأساطير التي نسجتها مخيلة البشرية على مر العصور وكان لها نصيب من الواقع وحظ من الحقيقة من خلال الرموز والدلالات والخفايا التي تحفل بها، ندعوكم أيها الأخوة والأخوات الى مرافقتنا مع ما اعددناه لكم في هذا الأسبوع.
أعزائي المدن المفقودة عندما يتخلى عنها سكانها ويتركونها خالية تغدو وكأنها بلدة أشباح وذلك نتيجة لهجرة جماعية او كوارث بيئية او بسبب الحروب لكن ليست كل المدن مثل المدينة التي سنذكرها والتي حفت بها الأسرار والألغاز على مر التاريخ، إنها المدينة التي عرفت على مر التاريخ بإسم أطلانتس والتي تعاقبت عليها كما تزعم الأسطورة حضارات إختفت لفترة طويلة من الزمن، مدن بأكملها وبكل مبانيها وقلاعها كانت تختبأ تحت الرمال وبعضها في أعماق الغابات تنتظر أن يكتشفها أحد لتعود للحياة بعد آلاف السنين وبعضها لم يتم العثور عليه أبداً وبقي أسطورة.
أعزاءنا الحديث عن مدينة اطلنتس يعود الى زمن قديم أقدم مما يمكن أن نتصور فقد ورد ذكرها لأول مرة في محاورات أفلاطون حوالي العام ۳۳٥ قبل الميلاد ففي محاوراته الشهيرة المعروفة بإسم تيماوس يحكي كريتياس أي أفلاطون حقيقة تاريخية وهي أن الكهنة المصريين استقبلوا الحكيم الإغريقي صولون في معابدهم ثم أنه يشير الى أنهم أخبروا صولون عن قصة قديمة تحويها سجلاتهم تقول إنه كانت هناك امبراطورية عظيمة تعرف بإسم أطلنتس تحتل قارة هائلة خلف أعمدة هرقل المعروفة اليوم بإسم مضيق جبل طارق وأنها كانت اكبر من شمال افريقا وآسيا الصغرى مجتمعتين وخلفها سلسلة من الجزر تربط بينها وبين قارة ضخمة اخرى. في نفس المحاورة وصف كريتياس أطلنتس بأنها جنة الله سبحانه وتعالى على الأرض ففيها تنمو كل النباتات والخضار والفواكه وتحيا كل الحيوانات والطيور وتتفجر فيها ينابيع المياه الحارة والباردة وكل شيء فيها نقي وجميل وشعبها من ارقى الشعوب وأعظمها اذ كان يتمتع بخبرات هندسية وعلمية تفوق بعشرات المرات مايمكن أن نتخيله في عصر أفلاطون فقد وصف كريتياس إقامتهم لشبكة من قنوات الري والجسور وأرصفة الموانئ التي ترسو عندها سفنهم وأساطيلهم التجارية الضخمة. ثم يتحدث كريتياس عن الحرب بين الأثينيين والأطلنطيين ويصف كارثة مروعة محقت الجيش الأثني وأغرقت قارة أطلنتس كلها في المحيط. الى هنا تنتهي المحاورة لتبدأ المشكلة، مشكلة لغز قارة اطلنتس ومدينتها.
أعزاءنا في البدأ تعامل الباحثون مع محاورة أفلاطون بصفتها رواية مثالية لوصف المدينة الفاضلة وأنها مجرد خيال لاأكثر وما لبث العلماء أن تدخلوا في الأمر والسبب الذي جعل العلماء يفكرون في قصة أطلنتس هو أن فكرة وجود قارة وسيطة تربط بين أفريقيا وأمريكا كانت تثير إهتمام العلماء الذين كانوا يتسائلون دوماً عن سر وجود تشابه حضاري مابين العالمين القديم والجديد ويبحثون عن سبب علمي ومنطقي لوجود نفس النباتات والحيوانات في قارتين تفصلهما مساحة مائية هائلة وفي الوقت نفسه كانت هناك الظواهر الحضارية المدهشة التي يجدها العلماء وسط أماكن لن تشتهر أبداً بالحضارة مع وجود أساطير متشابهة في تلك الأماكن تشير الى أن الآلهة جاءت من حضارة اخرى وصنعت كل هذا. ثم جاء وجود أطلنتس ليضع تفسيراً لكل هذا الغموض فقد كان وجود قارة متحضرة في هذا الزمن القديم يريح عقول الجميع ويفترض وجود شعب متطور بنى حضارته في قلب الأرض ونشر أجزاءاً منها في كل القارات. لكن أين الدليل على وجود أطلنتس ذات يوم؟ فقصة أفلاطون ما زالت تتأرجح بين الخيال والحقيقة فليس هناك تأكيد على هذه القصة عند المصريين القدماء انفسهم ولايوجد دليل على أن أثينا كانت يوماً بهذه القوة التي تمكنها من التصدي بحضارة متطورة كحضارة اطلنتس وفي نفس الوقت فأن هناك من العلماء من يؤكد وجود اطلنتس ويشير الى أن أفلاطون أخطأ في التاريخ والزمن فحسب وحجتهم في هذا هي كشف حقيقة وجود مدينة طروادة الشهيرة. طروادة هذه مستمعينا الأفاضل مدينة أسطورية ذكرها الشاعر الإغريقي الشهير هوميروس في ملحمتيه الشهيرتين الإلياذة والأوديسة حوالي عام ۸٥۰ قبل الميلاد أي قبل أفلاطون بخمسة قرون وظل الدارسون يعتقدون أن طروادة مجرد خيال من بنات أفكار هوميروس حتى جاء الألماني هنرش شوليمان عام ۱۸۷۱ للميلاد لينتشل طروادة من التراب في ايسارليك في شمال غرب تركيا وبعد هذا تم اكتشاف قصر التيه او معبد اللابرانت الذي جاء ذكره في أسطورة وحش المينوتور الشهيرة وتم عام ۱۹۰۰ ميلادي اكتشاف أن التيه حقيقة فعلاً فلماذا لاينطبق هذا على أطلنتس مادامت طروادة وقصر التيه كانتا أسطورتين وعثر عليهما مكتشفون فلماذا لايعثر ثالث على اطلنتس التي تعد أسطورة ايضاً؟
مستمعينا الأفاضل من هذا المنطلق بدأت عشرات المحاولات لإثبات وجود أطلنتس وراح العلماء يبحثون عن أماكن اخرى في عرض المحيط الأطلسي يمكن أن تكون المهد الحقيقي لأطلنتس فأشار أحد العلماء أن أطلنتس هي نفسها قارة أمريكا وأكد آخر أن الجزر البريطانية هي جزء من قارة أطلنتس في حين إقترح البعض الآخر وجودها في السويد او المحيط الهندي او حتى القطب الشمالي. ثم جاءت نبوءة العراف الأمريكي كايس لتضع قاعدة جديدة للقضية كلها وبعد ظهور جزيرة كايس الصغيرة والمباني او الأطلال الثرية فوقها قرر باحث وأديب وغواص شهير يدعى تشارز بيرلتز أن يبحث عن أطلانتس في نفس الموقع وبدأ بحثه بالفعل ليلتقط عدداً من الصور لأطلال واضحة المعالم في قاع المحيط ومكعبات صخرية ضخمة ذات زوايا قائمة مقدارها تسعون درجة بالضبط مما ينفي إحتمال صنعها بوساطة الطبيعة وعوامل التعرية وحدها. على أن هذا لم يكن وحده ماتم العثور عليه في تلك المنطقة من المحيط وهو ما سنتعرف عليه في الحلقة القادمة بإذن الله من الأسرار والرموز التي تزخر بها قيعان المحيطات في العالم وعلى رأسها المحيط الأطلسي. فإنتظرونا إخوتنا المستمعين في الحلقة المقبلة من حكايا وخفايا الذي استمعتم اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الالهية شاكرين لكم حسن المتابعة.