بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كل المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم عبر حكايا الشعوب وأساطيرها من خلال برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا والذي يعده لحضراتكم قسم الثقافة والأدب والفن في اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران راجين أن تمضوا معنا أحلى الأوقات وأكثرها متعة وفائدة.
أعزائي المستمعين تركنا في الحلقة السابقة عند القسم الأول من أسطورة شجرة الكريز البابلية، تركنا العاشق الولهان بيرام مضمخاً بدماءه عند هذه الشجرة في حين كانت فتاته تسيبا ذاهبة عن كل ذلك غافلة عما حدث لفتاها حيث استمرت صرخات بيرم رهيبة موجعة تمزق سكون الليل وطفق الفتى يضرب صدره ورأسه بيديه ويصيح: ياليل تباً بك لقد شهدت مصرع تسيبا وستشهد الآن مصرع محبها التعس، لقد كانت تسيبا أحق مني بالحياة. ولكن لا ما قتلوك، بل أنا الذي قتلتك، انا الذي إنتزعتك من دارك وبيت أسرتك الآمن الى حيث الفزع والأهوال. لماذا لم آت قبلك ياتسيبا؟ اذن لكنت دونك فريسة الوحش. أين انت أيها الوحش القاتل؟ أين انت جميعاً أيتها الوحوش الضارية؟ تعالي ومزقي جسم بيرم إرباً إرباً فهو الذي قتل محبوبه وإستحق العقوبة على الجريمة الشنعاء، إفترسيني أيتها الضواري الكاسرة فأنا أحق بالقتل والطعن والتمزيق!!
نعم مستمعينا الأفاضل وتابع بيرم خطاب نفسه ولكن بلهجة ذات معنى هذه المرة وقال: لكن لا، فلم انتظرك أيتها الوحوش حتى لايطول الانتظار فلست أطيق أن أعيش بحظة بعد أن ضاقت تسيبا كأس المنون، أبداً لن أنتظرك أيها الموت فالجبان هو وحده الذي ينتظر الموت أما أنا فسأسعى اليك فأنا لست جباناً أيها الموت. هنا إنطلق بيرم وتناول المنديل المخضب بالدماء وحمله الى ظل الشجرة وهو يبلله بالدموع ومدّ يده فأخرج خنجره وإنقض به على صدره ليثخنه بالجراح ثم إنتزعه من جرحه وألقى به جانباً قبل أن يسقط ممدداًً على أديم الصحراء مستنداً على جذع شجرة الكريز.
مستمعينا الكرام نفر الدم سخيناً قانياً على جذع الشجرة وجذورها فنهلته وتلونت ثمارها الشفافة بلون قرمزي كلون الدم الذي رواها وظل الجسد ينفث دماً والمنديل لايزال منضماً الى مكان الصدر منه وسكرات الموت تحيط به من كل جانب. كان كل ذلك يجري وتسيبا مختبئة داخل الغابة لاتدري من الأمر شيئاً، وظلت الفتاة في مخبئها حتى أمنت عودة اللبوة وإنطلقت تحث الخطى على مكان لقاء الحبيب وهي تخشى أن تكون قد تأخرت عليه.
إنطلقت تسيبا وعيناها تسبقانها لترى بيرم عند ظلال الكريز لكن العينين عرفت المكان وأنكرتا لون ثمار الكريز، لقد تركتها منذ لحظات بيضاء كالبرد لكنها الآن حمراء كالدم. ترى هل عجزت عن الفهم؟ أتكون عادت خطأ الى مكان آخر غير مكان اللقاء؟ أبداً فها هو ذا قبر نينوس الملك وها هو ذا النبع الذي إغتسلت بماءه. لكن ماذاك الهيكل المستلقي تحت الظلام القاتم لايتحرك؟؟
يا إلهي إنه بيرم لايزال الدم ينبثق منه. إنهارت تسيبا المولهة فوق الجسد تمزج دموعها بدماءه ومن أعماق قلبها راح تهتف: بيرم أجبني إنني انا تسيبا، إرفع راسك قليلاً وإفتح مقلتيك وأنظر الى آلامي وبلواي!!
وتحت سخونة الدموع إختلج الجسد البارد وفتحت العينان المغلقتان ورمى اليها بيرم بنظرة ملئى بمعاني الحب والحنان الممتزجين باليأس ثم إنتهى كل شيء. عادت تسيبا تصرخ وتبكي حتى إنهارت وأخذت تقلب الجسد البارد علّها تستطيع ردّ الحياة اليه ومست كفها المنديل الذي كان لايزال في يد الحبيب القتيل، إنه ممزق مخضب بالدم، وهذا الخنجر، كيف حدث كل ذلك؟ كيف؟؟
أحبتي الكرام أدركت تسيبا كلما حدث وعادت تصرخ في جنون: بيرم اذن أنا الذي قتلتك ومنديلي كان هو السلاح الذي ألقى بك الى التهلكة! إنني أنا المجرمة، حبي هو الذي سفك دمك وهو الذي سيمحني القوة على أن ألحق بك. ها أنا ذا أسرع اليك يابيرم إنتظرني!
أما أنت ياأبي وأنت ياوالد بيرم فإني أرفع اليكما رجاء ولديكما التعيسين أن لاتفارقاهما ميتين كما فعلتما من قبل وهما حيين، إتركاهما في قبر واحد يضمها.
رمت تسيبا بنظراتها نحو الشجرة وراحت تخاطبها قائلة: وانت، أنت أيتها الشجرة المسكينة التي شهدت مصرع بيرم سوف تشهدين مصرعي انا ايضاً فإحفظي أثر مصرعنا في الحب وإلتفي الى الأبد بعباءة الموت السوداء حزناً علينا وإحملي ثمارك حمراء قانية تشهد بسوء طالع عاشقين سقياك بدماءهما.
وهنا إنطلق الخنجر من جديد ليغوص في صدر تسيبا وليلقي بها جثة ساخنة ينبثق منها الدم الى جانب جسد بيرم وبكى النسيم وهو يحمل الى آذان الولدين صرخات قتيلي الحب وإنطلق الوالدان معاً يحرقان جسدي العاشقين العاثري الحظ ويضعان الرماد في إناء واحد دفناه في قبر واحد تحيط به الأزهار والرياحين. أما شجرة الكريز فقد إلتفت بملاءة حزينة سوداء وظلت تجود بثمارها التي كانت ذات يوم بيضاء فإذا بها منذ ذلك اليوم حمراء قانية بلون الدم.
أحبتي الأفاضل وبهذا نصل وإياكم الى ختام حلقة هذا الأسبوع من حكايا وخفايا إستمعتم اليها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لحسن متابعتكم والى اللقاء.