بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً ومرحباً بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم عند أساطير الشعوب وحكاياها عبر برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا آملين أن يروق لكم ما أعددناه لهذا الأسبوع ويحظى بحسن إصغاءكم ومتابعتكم.
أعزائي الأفاضل في هذه المرة ونحن نخترق آفاق العالم ونبحث لكم عما خلفته الأمم والشعوب من تراث أسطوري ستشعرون بلسعات قاسية من البرد حيث العواصف الثلجية ستهب علينا من البلاد المجاورة للقارة القطبية الشمالية، بلاد سيبريا البيضاء وأهلها الطيبين حيث يجتمعون زرافات ووحداناً في ليالي شتاءهم الطويلة ليتسامروا تحت قبب بيوتهم الثلجية بقصصهم وحكاياهم المستلهمة من نصاعة الثلج والأفق الأبيض الممتد بعيداً والذي يبدو لانهاية له.
مستمعينا الأحبة سينغوريشا او طفلة الثلج هي التي تلعب دور البطولة في حكايا الاسكيمو الحالمين بضياء الشمس دوماً ففي بيت قروي بسيط كانت بعض زواياه تلمع بالضياء القادم من النافذة. كان يتسلل الضوء الأبيض لأحد الصباحات الثلجية فلقد تعود البيت على حب النور، كانت الجدة ماريوتشا تحيط القدر بالجمر كي يغلي الحساء على نار هادئة، كانت حزينة وقد مرت السنوات وأحنتها بأثقالها وأشابت شعر رأسها بثلوج الشتاء المتعاقبة، لقد مرت السنوات وأخذت معها حلم العجوزين في أن يولد لهما طفل يملأ حياتهما بالسعادة. أحضر الجد يوتيشكو حزمة من الأغصان اليابسة ليطيل بها حياة النار في البيت فإمتلأ المطبخ بطقطقات الأغصان وهي تشتعل وفي جوار البيت كانت تعلو فرحة الأطفال وهم يلعبون، أطل العجوز من النافذة فرأى الأطفال يرقصون ويضحكون وقد شكلوا من انفسهم جوقة ليغنوا وهم يحيطون بتمثال من الثلج وبحماس قال الجد مخاطباً زوجته العجوز المخلصة: اسمعي يا ماريوتشا، تعالي وانظري الى الدمية التي صنعها الأطفال.
نعم مستمعينا الأفاضل بدأ العجوزان بالضحك وهما يريان الأطفال يضحكون، كانت دمية الثلج سمينة وقصيرة القامة، فيها شبه كبير من عمدة القرية، إنها شيطانة أطفال.
وفجأة كفّ يوتيشكو عن الضحك وقال: ماريوتشا تعالي لنرى هل بإمكاننا أن نصنع صغيراً كما صنع هؤلاء الأطفال، ألا ترغبين في ذلك؟
ردت عليه: ماذا دهاك؟ ألا ترى أن الناس ستضحك منا، لقد شخنا يارجل على أشياء الصغار هذه!
فقال العجوز: لايهم، ثم أضاف سنتفادى أن يرانا احد، سنشكل دمية صغيرة مثل طفلة صغيرة في غاية الجمال.
أزاحت ماريوتشا القدر عن النار ووضعت شالاً من الجلد وخرجت مع يوتيشكو. بدأ العجوزان يجمعان الثلج ويشكلانه على هيئة طفل صغير، شكلا الجسم ثم الرأس ووضعا كمية كبيرة من الثلج على الرأس وقالا: كي ينبت شعر كثيف. ثم أضافا حفنتين على الخدين وقليلاً من الثلج للأنف وحفرا حفرتين كبيرتين للعينين. هتفا سوية: آآآآه هاهو بالضبط !!
قالا ذلك وهما ينظران الى ما شكلاه ولكن فجأة توقفا وصمتا فلقد شاهدا شيئاً غريباً فأخذا يقتربان شيئاً فشيئاً ثم تبادلا النظرات بصمت.
مستمعينا الأفاضل وبدهشة كبيرة أخذت الحياة تدب في الدمية الثلجية لتتحول الى طفلة رائعة، تبادل العجوزان النظرات بإندهاش كبير وهتفا سوية: نعم إنها حقيقية، هذه طفلة، إنها هنا الى جانبنا، قريبة منا تتحرك وتمد ذراعيها وتنادينا. حمل العجوزان الصبية فأحسا بدفء وراحا يداعبانها بالقبلات وعندها شعرا أن الحياة ولدت من جديد في قلب كل منهما، عانقا الطفلة وحضناها بين الذراعين وعادا بها الى البيت وهما يرتجفان من شدة فيض عاطفتهما وسعادتهما. وفي البيت وضعت الجدة ماريوتشا الطفلة على ساقيها وراحت تهزهما وهي تردد أغنية حلوة للطفلة كي تنام، ومن أعلى جدار المدفأة تدلى شال جلدي وبالقرب من وهج النار وضع الحذاء الصغير البيض.
إقترب العجوز يوتيشكو وقال بصوت منخفض: إسمعي ماريوتشا لقد صار لنا طفلة صنعناها من الثلج وإنني أفكر بالاسم الذي سنسميها به فوجدت أن نسميها سنغوريتشا، فهل يعجبك؟
هزت الجدة رأسها بالموافقة وهي تبتسم وفي تلك الليلة نام العجوزان وهما حائران بين فيض سعادتهما وخوفهما أن يكون كل شيء مجرد وهم او حلم جميل قصير، وفي الصباح كانت الطفلة معهما تضحك في مكانها وتحكي وقد غمرتها السعادة وقد كانت تتكلم بطلاقة، لقد صارت بهجة حقيقية للعجوزين وفي ذلك اليوم أقيمت حفلة كبيرة في البيت. قامت الجدة ماريوتشا بتحضير كل أنواع الحلويات أما الجد يوتيشكو فلقد دعا الموسيقيين وكل اولاد القرية وبناتها وشعت الشعادة وطال الاحتفال حتى ساعة متأخرة.
إخوتنا المستمعين لكن فصل الشتاء أخذ بالرحيل والأرض المغطاة بالثلوج أخذت تعود الى خضرتها، بدأت الأشجار تكسو أغصانها بالنوار والهواء يأتي محملاً بالدفء وأغنيات الربيع وأريجه ولمعت الشمس ناصعة. وفي أحد الصباحات كانت الجدة ماريوتشا قرب النار تحرس القدر المحاط بالجمر والجد يوتيشكو كان قد إنتهى من تجميع حزمة الحطب الى المطبخ. لم يكن هذا الصباح مثل ذاك الصباح الشتائي الذي شاهدوا فيه الأطفال مجتمعين حول دمية الثلج فهذا الصباح كان حزيناً وذاك صار بعيداً بعد أن أبهج البيت والحياة كلها.
كانت سنغوريتشا وافقة الى جانب النافذة تنظر الى المرج وقد أزهر وإزدان والأشجار إخضوضرت اوراقها. حذر يوتيشكو من أن وجه سنغوريتشا صار شاحياً وإمتلأت بحزن غريب وسألها: مابك يابنيتي؟ هل تشعرين بالسوء؟
أجابته بحزن: لا لا لكني أفتقد الثلج فأنا لااقدر على العيش بدونه، والعشب الأخضر ليس جميلاً، وبدأت ترتجف. صرخت سينغورتشا بلوعة ومرارة ثم بدأت تخرج منها حشرجات وجحظت عيناها ممتلئة بالدموع على مرئى من يوتيشكو وماريوتشا وهما مضطربان مذهولان. لقد بدأ جسم الطفلة يتقلص وأخذ يتحلل شيئاً فشيئاً ثم ذاب ببطئ حتى صار قطرات ندى على العشب فيما كان الثلج يتحلل على الجبال مع اول إشعاعات الشمس.
بهذا نصل بكم أعزتنا الى ختام حلقتنا لهذا الأسبوع من الحكايا والخفايا. قدمنا لكم هذا البرنامج من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وكلنا امل في أن تكونوا قد امضيتم معنا أجمل الأوقات. كونوا في إنتظارنا أيها الأحبة عند المزيد من الحكايا في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله دمتم في رعايته، الى اللقاء.